أيها السوريون استعدوا للحرب القادمة - It's Over 9000!

أيها السوريون استعدوا للحرب القادمة

بلدي نيوز – (راني جابر)
يبدو أن الحل السياسي للمعضلتين السورية واليمنية (على خطورته) هو الأكثر جاذبية للأطراف التي "تدعم" الثوار في الدولتين، فعلى الرغم من سنوات الحرب الخمسة الدامية في سوريا، والتي كشفت بوضوح أن الحلول السياسية في سوريا مستحيلة تماماً، ولن تكون سوى اتفاقيات استسلام غير مشروط تعيد الشعب السوري إلى حظيرة طاعة الأسد وإيران، بكل ما تعنيه كلمة "حظيرة" من امتدادات تشمل "المسلخ" الذي تذبح فيه الشياه بدون مقاومة أو اعتراض من أحد، وفق رغبة الجزار وتوقيته.
أما في اليمن "السعيد" الذي دمر نصفه على يد ميليشيا الحوثي وقوات صالح، التي قصفت المدنيين وهجرتهم بشكل لا يختلف عن ما فعله نظام الأسد، فماتزال عجلة التفاوض تسير باتجاه إيجاد "حل سياسي" ما (يبقي الذئب والغنم) في حقل واحد.
من مفارقات التاريخ والمنطق أن من يوصفون "بجزارين ومجرمي حروب"، يتحولون خلال التفاوض إلى "شركاء" في العملية السياسية، ويحق لهم ما يحق لضحاياهم إن لم يكن أكثر، بحكم التسوية السياسية التي حصلوا عليها بعد أن وظفوا كل ترسانتهم العسكرية خلال الحرب ثم "المفاوضات".
تلك المفاوضات التي ستحمي نتائجها "حقوقهم" و"مكتسباتهم" وتمنع محاسبتهم وتضمن تعويضهم عن "خسائرهم"، في حين ستطوى صفحة معاناة المدنيين جانباً طالما أن القتال توقف وأن (السلام قد حل).
فمثلاً ستدفع الحكومة الناتجة عن عمليات التفاوض رواتب وتعويضات قتلى و معوقي قوات النظام، من جيش وأمن ودفاع وطني، والذين قتلوا بيد الثوار خلال اقتحامهم المدن السورية، أو بعد مجازر فرغوا خلالها قرى وبلدات بكاملها من سكانها.
هؤلاء "الموظفون الحكوميون" سيحصلون على تعويضات رسمية من الحكومة التي ستنبثق عن "العملية التفاوضية"، وسيكون وضعهم أحسن حالاً من الثوار الذين قتلوا أو أصيبوا بإعاقات خلال دفاعهم عن المدنيين، والذين لا يندرجون تحت أي مسمى حكومي سوى "إرهابيين".
أما بالنسبة للمدنيين من نازحين ولاجئين ومهجرين؛ فليس في الأفق ما يدل على تعويضهم عن منازلهم المدمرة، أو إعادتهم إلى مناطقهم التي هجروا منها، ليسكن بدل منهم عناصر ميليشيات شيعية وأفغانية وغيرهم، فضلاً عن استحالة استعادة أثاثهم الذي بيع بأبخس الأثمان في "أسواق السنة"، التي لم تخلو منها أي قرية ومدينة موالية للنظام، عدا عن التعويض عن الذل اللامحدود الذي ذاقوه بيد شركاء "العملية التفاوضية"، ولن يسأل أحد عن قبور المعتقلين والمفقودين، الذين أذيبوا في الحمض أو أحرقوا في أفران الغاز الإيرانية.
عدا عن تكلفة "إعادة الإعمار" التي ستترتب ديوناً باهضة تدفعها المناطق التي هدمت خلال الحرب، والتي سويت بالأرض بالكامل، في حين أن مناطق الساحل ستصبح أكثر ثراء بسب الثروات التي نهبت من المدن على يد الشبيحة وجنود الأسد، وسيدفع السوريون ثمن بيوتهم التي هدمها النظام، بعد أن دفعوا ثمن سلاحه الذي قصفهم به.
من بقي حياً من المعتقلين فلن يكون خروجه من المعتقلات بتلك السهولة التي يعتقدها البعض، أو أنهم سيخرجون بمجرد التوقيع على اتفاقية "السلام" والحل السياسي، فهؤلاء يجب أن تدرس حالاتهم بشكل "دقيق ومعمق"، فجميعهم تحتوي إضباراتهم تهماً بالإرهاب كفيلة بحبسهم لنصف قرن، ويجب إعادة التحقيق معهم بطريقة "حضارية" للتثبت من براءتهم قبل إطلاق سراحهم، ولا يوجد مشكلة من أن يكرر المحققون ذاتهم التحقيق بعد أن يتحولوا إلى "تكنوقراط"، مهمته تحقيق العدالة وكشف الحقيقة بحكم "خبرتهم الطويلة" في سلك الأمن.
أما بالنسبة لمحاسبة القادة المتورطين في جرائم ضد المدنيين من مجازر وإبادة جماعية، وحتى استخدام الأسلحة الكيماوية، فقد يضمن بند صغير في "اتفاقية السلام" عدم محاسبتهم وإعطائهم فرصة (للعودة إلى المجتمع) وبناء الدولة من جديد مع "شركائهم" في الوطن، و في أتعس الأحوال إعطائهم منفذاً للخروج خارج سوريا إلى بلد ثالث يعطيهم فرصة اللجوء "الإنساني" أو "السياسي"، يتمتعون خلالها بما نهبوه خلال عقود تسلطهم.
أما العناصر الذين ذبحوا وقتلوا على أيديهم ونفذوا تلك الجرائم، وبسبب استحالة إثبات الجرائم ضدهم، فسيدمجون ضمن الجيوش "الوطنية" الجديدة التي ستعتبر جيوشاً احترافية بامتياز فهي تضم أشخاصاً من ذوي الخبرة العسكرية الأكاديمية "ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء"، لأن الثوار سيعودون لأعمالهم السابقة قبل الثورة ويتركون الأمر "لذوي الاختصاص"، وفي أحسن الأحوال سيحصل بعضهم على مناصب ثانوية في الجيش "الوطني"، هذا إذا سلموا من تهم "الإرهاب" والجرائم ضد الانسانية.
سوريا التي تجري مفاوضات حل "أزمتها" برعاية دولية في جنيف، لا تبدو أحسن حالاً من اليمن، فالمفاوضات في جنيف والكويت يشترك فيها بشكل أو بأخر نفس الأطراف مع اختلاف الواجهات.

ففي حين يدفع رعاة الحل في اليمن بكل قوة لإيجاد حل سياسي ينهي الحرب اليمنية بأسرع ما يمكن، بسبب تخوفهم من انفلات الوضع، حتى قبل سيطرة الثوار اليمنيين على العاصمة صنعاء (بما تحتويه من معاني سياسية وعسكرية)، يجعلهم يخسرون القدرة على فرض شروط كافية لتحجيم الحوثيين في المعادلة التي ستنجم عن هذه المفاوضات، وتنزع مخالبهم التي منحتها لهم إيران، وضمان عدم إعادة بناء قوتهم وإعادة احتلال اليمن.
أما بالنسبة لسوريا، فما يزال هناك الكثير من الحسابات لتصفيتها والموارد لاستهلاكها والدول لتوريطها أكثر وأكثر في المستنقع السوري، والكثير من المناطق ليستعيدها النظام ويطهرها من "الإرهابيين" والمدنيين، قبل أن يحدث توافق أو حل سياسي.
المشكلة ليست في كل ما ذكر من ظلم وهضم للحقوق، فهي لن تكون مشكلة كبيرة مقارنة بما ينتظره السوريون واليمنيون بعد فترة من انتهاء التفاوض والفترة الانتقالية، وسحب السلاح من يد الثوار، وتحول الأولوية للحرب ضد "الإرهاب".
فلن يكون صعباً أو حتى مستغرباً إعادة السيطرة على البلاد من قبل النظام في سوريا، أو من قبل الحوثيين في اليمن مرة أخرى؛ فالعملية التفاوضية التي لا تشمل فرض الحلول بالقوة ضدهم لن تسمح بنزع مصادر قوتهم أو منعهم من إعادة ترميمها بعد تحولهم إلى "شريك" في السيادة.
فبدون التفكيك الكامل للنظام السوري والتفكيك الكامل لبنية ميليشيا الحوثي، فلن يكون هناك أي حل سياسي حقيقي، و لن تكون سوى فترة انتقالية لإعادة الوثوب على السلطة بطرق "قانونية" هذه المرة، بعد إعادة تجميع عناصر السلطة في أيديهم، وتحييد وإقصاء العناصر التي عارضتهم سابقاً وقاتلت ضدهم خلال الثورة.
فالمشترك بين نظام الأسد القائم على أسس طائفية تحوي شيئاً من العائلية والعشائرية، ونظام صالح-الحوثي الذي يحتوي خليطاً من الطائفية والعشائرية، هو الدعم الإيراني الذي لم يتوقف خلال مراحل الحرب كافة ولن يتوقف بعدها، وستساهم إيران بقوة أكبر في إعادة تشكيل النظامين بمجرد انتهاء "العملية السياسية" في البلدين.

ما يعني أن السيناريو اللبناني هو المرشح وبقوة بعد المفاوضات في سوريا واليمن، حيث ستعود القوى المحسوبة على إيران للسيطرة على مفاصل الدولة تدريجياً والتفرد بالسلطة وقمع المعارضين، وصولاً الى الحالة اللبنانية الحالية التي لا يمكن اعتبارها سوى نتيجة مباشرة لاتفاق الطائف، الذي جرى وفق قاعدة (لا غالب ولا مغلوب)، لتظهر النتيجة الحقيقية لهذا الاتفاق الآن بسيطرة ميليشيا حزب الله على لبنان.
المفاوضات في سوريا واليمن ليس لها سوى نتيجة واحدة سواء أجلاً أم عاجلاً، فنظام الأسد والحوثي لن يفككا بنتيجة المفاوضات ولن يقبلا بالهزيمة "الشكلية" وخسارتهم للسلطة الكاملة، وسيسعون للانتقام والعودة للحكم المطلق، مستغلين حجة الحرب على الإرهاب، ما يعني العودة لعهد الدولة البوليسية الأمنية بشكل مضاعف مدعوم قانونياً بحجج الإرهاب والتطرف، وقد يعيدون اعتقال كل من واجههم سابقاً أو اغتياله، وسيتفاقم الوضع تدريجياً حتى نصل مرحلة الديكتاتورية المطلقة بشكل أكثر فجاجة من الأنظمة الحالية، الأمر الذي سيؤدي لاندلاع ثورات جديدة ضد تلك الأنظمة التي ستتلو فترة الانتقال السياسي و"الديمقراطية" التي لن تطول.
الحرب التي ستلي مرحلة الانتقال السياسي، وعودة الديكتاتوريات في اليمن وسوريا ستكون أكثر شراسة بأضعاف مضاعفة، وأكثر دموية فهي ستكون تصفية حساب متراكم منذ عقود بالنسبة للشعب، وستكون حرب إبادة وثأر بالنسبة للنظام، الذي يريد الثأر لقرى خوت من الشباب، الذين ذبحوا أثناء هجومهم على المدن والقرى لتثبيت حكم الأسد والطائفة ومن خلفهما إيران.

مقالات ذات صلة

اجتماع بين وزير الخارجية الأردني وبيدرسن لمناقشة الحل في سوريا

جولة سياسية لهيئة التفاوض السورية في العاصمة البلجيكية بروكسل

ما مضمونها.. أردوغان يوجه رسالة لبشار الأسد

أبرز ما جاء في أستانا 22 بين المعارضة والنظام والدول الضامنة

منصتا موسكو والقاهرة تتفقان على رؤية مشتركة للحل السياسي في سوريا

"المجلة" تنشر وثيقة أوربية لدعم التعافي المبكر في سوريا