بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
أثار تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار مجموعة من الشبهات، جميعها يصب في مقولة "تلاعب النظام أو تعمده كسر العملة المحلية".
وبالمقابل؛ ﻻ يوجد ما يشير إلى أسباب واقعية ضمن قواعد اقتصادية لتلك الانتعاشة، بل ثمة ما يؤكد "سلطة البطش واليد الأمنية الخشنة" في تحريك السوق بالاتجاه المطلوب.
تسريبات وإشاعات
ومن التسريبات التي يسعى النظام لبثها، بعيدا عن منابره الموالية، أنّ إمبراطورية "مخلوف" أسهمت في تراجع الليرة، ووضع حدّ لها أعاد لهذه الأخيرة شيئا من هيبتها، ما يعني محاولة للربط ذهنيا بين "مخلوف والليرة".
وفي السياق ذاته، يشاع عن تدخل القصر الجمهوري مباشرة، وتوجيه ضربة لمن يوصفون بحيتان السوق، دون تسمية أحدهم، بهدف منعهم من المضاربة بالدولار.
الذئب الوديع
والراجح أن ما أثير من ضجة، بداية من تهاوي الليرة مرورا بتحسن صرفها، وما تم بثه من "إشاعات" إمّا عن مزيد من الانهيار أو قرب تدخل القصر (رأس النظام)؛ يعني تبرئة ذمة "بشار الأسد" وإلقاء اللائمة على "مقربيه ومحيطه".
السذاجة والجهل
وليس سرا أن معظم الشارع السوري يجهل بنية "اقتصاد بلاده"، كما أنها ليست مثلبة إذا استعدنا للذهن تاريخ التجهيل المتعمد بطبيعة اقتصادهم، خلال الأربعين عاما الفائتة.
بالتالي؛ يصبح القبول بأي تبرير مسبق منطقيا، في دولة "الصندوق الأسود"، التي تفتقر إلى أدنى معايير "الشفافية" و"المصارحة".
المصيدة المزدوجة
كما ﻻ نبالغ حين نقول أنّ النظام، نصب مصيدة للمعارضة، التي بدأت بالتركيز على تسارع انهيار الليرة، وما من شأنه الربط بينها وبين قرب تهاوي أو الإطاحة بالأسد، ولم يخلُ تقرير من الإشارة إلى دور الأجهزة الأمنية في إنعاش الليرة.
إلا أن تسريبا من النظام ولو فرضنا جدلا صدقها، في إطار الحديث عن تدخل الأجهزة الأمنية بالليرة، فهي إحدى المؤشرات أنّ "الدولة بمفهومها المعروف غائب".
وبالمحصلة؛ تمكّن النظام من تسويق نقطتين، الدولة الأمنية المتوحشة، تعافي النظام، لكن المؤشرات تؤكد أنّ منع الانهيار سيكون مؤقتا وضمن حسابات خاصة، في مقدمتها انتهاج سياسة "إلهاء الشارع"، فسوريا تفتقد إلى أدنى مقومات الحركة الإنتاجية بسبب تدمير البنية الاقتصادية برمتها.
ثنائية رفعت/مخلوف
وسبق أن شهدت الليرة السورية تراجعا أفقدها ما يقارب نصف قيمتها في ثمانينات القرن الفائت، وألصقت التهمة يومها برفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، وأشيع أنه سحب رصيد المصرف المركزي من الدولار، وهي الصفقة التي أنهت الخلاف على الكرسي بين وبين شقيقه بمشورة من الرئيس الليبي، معمر القذافي، آنذاك، مقابل الموافقة على نفيه إلى فرنسا.
ولا يختلف المشهد اليوم، إذ ﻻ إجراءات اقتصادية تضبط السوق، وإنما "العصا الأمنية"؛ ما يثبت هشاشة الاقتصاد، ويوحي منطقيا بتشابه والاستفادة من التجربة بتقديم "إمبراطورية مخلوف" كبش فداء.
ومن مقتضى الكلام، التذكير بأنّ تلك الامبراطورية يديرها مخلوف كواجهة لآل الأسد!
حقائق
وما يزيد التأكيد على عدم تعافي النظام مجموعة من العوامل، وإنما فقط استطاع بسط سيطرته على مساحات من التراب والجغرافية بشكل واسع:
استهداف النظام البنية التحتية في جميع المناطق التي خرجت ضده وتدميرها، تحت مسمى "الأسد أو نحرق البلد" ويبدو أنه توقع إحراق الدولة قبل الرحيل.
قصف ممنهج على الأراضي الزراعية جعل معظمها غير قابل للزراعة على الأقل لفترة طويلة.
الاستمرار في قصف إدلب، إحدى خزانات الأشجار المثمرة، والتي يحتاج تعويضها عشرات السنين.
خروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، من سيطرة الأسد إلى القوات الكردية، والتي تعد الخزان السوري من الحبوب.
إضافةً لما سبق؛ استهداف المنشآت الصناعية، بشقيها العام والخاص، وفرار رؤوس الأموال، وتوقف الحركة الإنتاجية في البلاد.
وبالنتيجة؛ الانتعاشة مريبة، وربما تكون مؤقتة أو طويلة المدى، لكنها تفتقر إلى الوضوح والانضباط بالمعايير الاقتصادية العلمية، حملت بالمجمل صورة "الانتصار على المؤامرة" والترويج لتكرار السيناريو، وخير مثال ارتفاع صوت المصرف المركزي، الذي هلل لحكمة القيادة.
وبالتأكيد، ﻻ تصريحات حقيقية مفيدة وإنما يبقى مصير "الليرة السورية" مجهولا، كمصير ما بقي من الدولة.