حدائق قبور السوريين تتكلم - It's Over 9000!

حدائق قبور السوريين تتكلم

Foreign Policy

بين شواهد القبور المصطفة على  جانبي طريق ترابي طويل متوهج، وفي غرفة خافتة الإضاءة، خلعت حذائي وارتديت معطفاً من البلاستيك لتغطية ملابسي، ومن ثم دخلت الحديقة أو المقبرة، ونبشت التراب حتى وجدت الاسم الذي كنت أبحث عنه: جلال، ومن ثم وضعت خدي على الثرى لأستمع إلى قصة حياة الشهيد ومقتله..

Gardens Speak"" أو الحدائق تتكلم هو عنوان العرض التفاعلي الصوتي للفنانة اللبنانية تانيا الخوري، والذي يحتوي على التاريخ الشفهي الذي يوثق قصص ١٠ أشخاص عاديين قتلوا خلال الاحتجاجات في سوريا، وكيف اضطرت عائلاتهم، لمجموعة مختلفة من الأسباب أن يدفنوا موتاهم في حدائق منازلهم بدلاً من المقابر الرسمية.

ففي بعض الحالات، أغلقت الطرق المؤدية إلى المقابر من قبل جيش بشار الأسد، وفي حالات أخرى، خشيت الأسرة على حياتهم الخاصة، لأن النظام السوري يعتبر الدفن الرسمي احتفالاً بالشهداء الذين لقوا حتفهم... تحد للأسد.

الخوري، وهي فنانة  لبنانية–بريطانية، كانت قد عملت مع مجموعة من السوريين لجمع قصص عن حياة هؤلاء الشهداء وكيفية قتلهم، ومن ثم قامت بتسجيل سرد روائي لما حصل لهم، ويحدد لكل مشارك في هذا المعرض التفاعلي اسم واحد من هؤلاء السوريين، ثم يتحتم عليه البحث عن قبره في المتحف وبعد أن يجده عليه الاستماع لتسجيل عن قصته مثبت بالأرض، بعد ذلك يتم توزيع دفاتر وأقلام للمشاركين حتى يكتبوا رسالة للشهيد، الذي دفن في المقبرة، وفي نهاية المطاف تتم مشاركة بعض من تلك الرسائل مع عائلات الشهداء.

وقد زرت المعرض منتصف نهار يوم الجمعة الأسبوع الماضي، وكان مفجعاً ومخيفاً على حد سواء، ورافقني بول سالم، نائب رئيس شؤون السياسة والأبحاث في معهد الشرق الأوسط، وهشام ملحم، كاتب عمود في قناة العربية، وكلاهما من لبنان، وكان المعرض حميمياً بطبيعته، وقمنا بالاستلقاء على الأرض، ليس بعيداً عن بعضنا البعض، للاستماع لقصة الشهداء، ولكننا حين خرجنا من المكان كنا مرتاعين تماماً، وكما قال ملحم بعد المعرض: "ليس في كثير من الأحيان تستمع لأحدهم يتحدث من القبر".

المعرض تم تقديمه بفضل معهد الشرق الأوسط، بشراكة مع متحف البناء الوطني، وبدعم من المجلس الثقافي البريطاني سيتم تقديم المعرض في واشنطن لمدة ستة أيام هذا الشهر.

وقد جلست مع الخوري بعد أن اختبرت المعرض واستمعت لقصة الشهيد "جلال" أحد المتظاهرين الشباب الذين لقوا حتفهم من هجوم بقذائف الهاون أطلقها الجيش السوري، والذي توفي شقيقه الأصغر بعد أشهر.

وهذه نسخة مختصرة من مقابلتي معها:

أنت لبنانية، ولكنك بالطبع كنت تراقبين الصراع السوري المجاور لبلدك، ما الذي دفعك للقيام بهذه الخطوة؟

 جاء الإلهام من صورة رأيتها، ووزعت على وسائل الاعلام الاجتماعية عن المرأة السورية، الأم، التي حفرت القبر لابنها الناشط الذي قتل في سورية، وأردت البحث عن سبب ذلك، لماذا كان السوريين يدفنون شهداءهم في الحدائق بدلاً من المقابر الرسمية، وخطرت لي الفكرة (أنك أينما كنت في هذا العالم: إذا وضعت أذنك على الأرض ستسمع قصة هؤلاء الشهداء).

وهكذا بدأت العمل في بيروت مع نشطاء وكتاب سوريين وغيرهم أيضاً، وسجلنا القصص لأول مرة باللغة العربية في بيروت، وبعد ذلك قمنا بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية وسجلناها مرة أخرى ويجري الآن ترجمتها إلى اللغة الفرنسية.

هذه المرة الأولى التي يعرض فيها هذا المعرض في الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم مرور عامين على إنشاء هذا المعرض، ما تزال الحرب السورية مستمرة، ولذلك مازال هذا الموضوع ذو صلة بما يحدث وقريب من قلوب الناس، ما هو شعورك بقدوم الأمريكيين لاختبار المعرض، بالنظر إلى تورط الولايات المتحدة في الصراع السوري؟

اعتقد أنه من المثير للاهتمام أن يكون المعرض في مكان مثل واشنطن، فقد جعلني ذلك أدرك كيفية استخدام الفن بطريقة مختلفة للتحدث عن السياسة، ولكن تغيير المفاهيم الخاطئة التي يحملها الغرب عن المنطقة ليس من أولوياتي، فأنا لا أقوم بالفن لتحدي الأمريكيين، ولا افكر بهم في حياتي اليومية، حتى أني لا أملك الكثير من الاتصالات معهم، فأنا أعمل بشكل رئيسي في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا... ولكن ليس أمريكا، لذلك كان مثيراً للاهتمام بالنسبة لي، أن يكون المعرض في مكان مثل العاصمة الأمريكية، لنرى كيف ينظرون إلى منطقة الشرق الأوسط، وهي بالتأكيد تجربة تعليمية بالنسبة لي.

كيف تختارين القصص التي تم تضمينها في المعرض؟

كان لدينا الكثير من القصص التي سمعناها، ولكن كان الخيار حول اختيار الأشخاص الذين كان لدينا مزيد من المعلومات حولهم، أو على الأقل ما يكفي من المعلومات لجعل القصة مكتملة،  وبخلاف ذلك، حاولنا تناول قصص متنوعة، كما هو الحال مع الناس من أنحاء مختلفة من سوريا، ولكن كان من الصعب إيجاد قصص عن نساء دفن في حدائق البيوت؛ وفي نهاية المطاف  كان هناك قصتين اثنتين فقط عنهن، لأن الرجال عادة من يتعرضون للقصف خصوصاً عند مشاركتهم في المعارك.

شخصية "جلال" قد دفنت في حديقة المنزل لأن الطرق إلى المقبرة كانت مغلقة، ما هي بعض الأسباب الأخرى؟

بعضهم لا يتمكن من الوصول إلى المقابر، والبعض الآخر يقتل في مكان قصف أو قناصة، ولكن هناك أيضاً اعتداءات يشنها النظام السوري على الأماكن التي تحتفي بالشهداء، فالجنازات كانت أول الأماكن التي أعرب الناس في سورية عن موقفهم السياسي، كما أن النظام قد أجبر حرفياً عائلات القتلى على التوقيع على إفادات بأن المتوفى قد قتل على يد الإرهابيين وليس تحت التعذيب أو إطلاق النار عليه من قبل قوات النظام.

عندما قمت بإنشاء المعرض لأول مرة، كان ذلك قبل مجيئ أعداد كبيرة من اللاجئين إلى لبنان والأردن والآن أوروبا والولايات المتحدة، فهل تغيرت الاستجابة إلى المعرض حين يستمع الناس إليه الآن، وهل هم أكثر غضباً من اللاجئين السوريين الذين قدموا لبلادهم؟

أعتقد أن الناس الذين يشعرون بالغضب من السوريين لا يأتون لرؤية عملي، وأنا حقا لا أريد منهم أن يأتوا على أي حال، فلا أعرف كيف يمكن للأمريكيين أن يخشوا اللاجئين، والولايات المتحدة كانت أقل الدول استقبالاً للاجئين في العالم كله، وهي البلد الذي أسس بالأصل من المهاجرين وفرضوا أنفسهم بوحشية على السكان الأصليين "الهنود الحمر"، ولذلك لا أفهم بالضبط سبب خوفهم، وعلى كل حال هم ليسوا جمهوري، ولكن على سبيل المثال، كان للمعرض صدى جيد في ميونيخ، في ألمانيا، العام الماضي، وكان الناس مهتمين للغاية لأنهم يريدون سماع المزيد، للعثور على إجابات حول كيف أصبح هؤلاء الناس لاجئين بالمقام الأول، وكان هناك الكثير من التضامن مع الجانب الإنساني للأزمة السورية.

 

مقالات ذات صلة

قضائيا.. مجلس الشعب التابع للنظام يلاحق ثلاثة من أعضائه

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية

توغل إسرائيلي جديد في الأراضي السورية

باحث بمعهد واشنطن يدعو "قسد" لمراجعة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية

الخارجية الإيرانية: الزيارات إلى سوريا دليل على علاقاتنا الجيدة معها

روسيا تكشف عن أربع دول عربية عرضت استقبال اللجنة الدستورية بشأن سوريا