بلدي نيوز – (خاص)
تتواصل النقاشات على المستويين السياسي والعسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، بخصوص إقامة منطقة آمنة شمال سوريا، ففي الوقت الذي تطالب فيه أنقرة أن يكون عمقها بين 30 و40 كيلومترا داخل الحدود السورية، وإبعاد مسلحي الوحدات الكردية الذين تصنفهم أنقرة على قوائم الإرهاب عن كامل المنطقة لعلاقتهم مع حزب العمال الكردستاني الذي تخوض تركيا حربا ضده، وأن تكون المنطقة تحت سلطة أبناء المناطق والجيش الوطني السوري لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إليها، يبدو أن واشنطن لا تمانع إقامة المنطقة الآمنة من حيث المبدأ غير أنها لا توافق أنقرة ببعض النقاط لعل أبرزها عمقها والمناطق التي ستشملها ومصير الوحدات الكردية التي تسيطر على مدن من المفترض أن تكون ركيزة المنطقة الآمنة أبرزها (تل أبيض) بريف الرقة و(عين العرب/كوباني) و(منبج) بريف حلب الشرقي.
استياء تركي
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أمس الأربعاء، إن الاقتراحات الأميركية الجديدة المتعلقة بالمنطقة الآمنة شرق نهر الفرات في شمالي سوريا "لا ترضي".
وأضاف -في تصريحات للصحفيين عقب انتهاء زيارة المبعوث الأميركي الخاص بسوريا جيمس جيفري إلى أنقرة- أن البلدين لم يتفقا على عمق المنطقة الآمنة، أو إخراج المسلحين الأكراد السوريين من المنطقة، أو من ستكون له السيطرة عليها.
وقال جاويش أوغلو، إن صبر بلاده نفد، ويجب التوصل إلى تفاهم بشأن المنطقة الآمنة بسوريا في أقرب وقت.
من جانبه، قال متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن، للمبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري، إن إنشاء المنطقة الآمنة شرق الفرات، لن يتم إلا من خلال خطة تلبي تطلعات أنقرة.
وعقده قالن اجتماعا مع جيفري، أمس الأربعاء، في المجمع الرئاسي التركي بالعاصمة أنقرة، تمحور حول تأسيس المنطقة الآمنة شرق نهر الفرات، والمستجدات في سوريا، وخاصة مكافحة التنظيمات الإرهابية بما فيها "داعش" و"ي ب ك / ب ي د".
وشدد متحدث الرئاسة التركية، خلال اللقاء، على أولويات الأمن القومي لبلاده بشكل واضح.
كما بحث الجانبان قضايا مكافحة الإرهاب في عموم سوريا، وخارطة طريق منبج، وتشكيل اللجنة الدستورية، وتحقيق الحل السياسي في إطار وحدة الأراضي السورية.
وشدّد متحدث الرئاسة التركية على أن إنشاء المنطقة الآمنة ليس ممكنا إلا من خلال خطة تلبي تطلعات تركيا، مشيرا إلى أهمية مواصلة التعاون في الملف السوري بما يتماشى مع مبادئ الثقة والشفافية.
اجتماعات إيجابية
وقالت السفارة الأمريكية في تركيا "في الفترة من 22 إلى 24 تموز، عقد السفير جيمس جيفري المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا والمبعوث الخاص للتحالف العالمي لهزيمة داعش، سلسلة من الاجتماعات في أنقرة مع كبار المسؤولين الأتراك، بمن فيهم المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، ووزير الدفاع خلوصي أكار، ونائب وزير الخارجية سيدات أونال.
وأضافت إن واشنطن وأنقرة ملتزمتان بتحقيق تقدم سريع وملموس بشأن خارطة الطريق المتفق عليها بشأن مدينة منبج شمال سوريا، منوهة أن جيفري عقد محادثات في أنقرة هذا الأسبوع بخصوص خطط إقامة منطقة آمنة شمال شرق سوريا وتطورات خارطة الطريق الخاصة بمنبج الواقعة إلى الغرب من المنطقة المزمعة.
وقالت سفارة واشنطن، إن جيفري عقد اجتماعات إيجابية وبناءة مع المسؤولين الأتراك وستتواصل كذلك المشاورات العسكرية، مضيفة أن الجانبين ناقشا مقترحات تفصيلية لتعزيز أمن تركيا على طول حدودها الجنوبية.
المنطقة الآمنة
المنطقة الآمنة داخل سوريا مطلب تسعى تركيا إلى تحقيقه لحمايتها من التهديدات الأمنية، وهو يندرج ضمن مساع للتوصل لحل سياسي في سوريا يبدأ بوقف القتال وتوفير الظروف اللازمة لعودة اللاجئين.
ويتطلب إقامتها، بحسب المطالب التركية، إزاحة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تقودها الوحدات الكردية، من الشريط الحدود السوري المتاخم لتركيا.
وتستمر التأكيدات التركية الرسمية على ضرورة إنشاء هذه المنطقة، متوعدة بشن عملية عسكرية واسعة النطاق في حال فشل التوصل لهذه التسوية.
وهدد مسؤولون أتراك مرارا بشن عمل عسكري في حال الفشل بالمفاوضات مع واشنطن، على رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ووزير الدفاع خلوصي أكار.
وقال الرئيس التركي، الأحد الماضي، أنه يجب أن تصل المنطقة الآمنة لعمق ٣٠ إلى ٤٠ كم داخل الأراضي السورية انطلاقا من الحدود التركية.
وأضاف؛ "هدفنا الحالي هو تطهير تلك المنطقة من الإرهاب بأسرع وقت من أجل تسليمها لأصحابها وسنعقد اجتماعا حول تنسيق انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، يناقشون فيها سبل إنشاء منطقة آمنة وأبعادها في سوريا".
كما هدد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بشن عملية عسكرية شرق الفرات شمال شرقي سوريا، إذا لم يتم إنشاء المنطقة الآمنة كما هو مخطط لها، وإذا استمرت التهديدات تجاه تركيا.
عملية عسكرية
وفي سياق التطورات، تداول ناشطون صورا لإحدى الآليات وهي تقوم بإزالة جزء من الجدار العازل الذي شيدته أنقرة على كامل الحدود السورية، في بلدة آقجة قلعة التركية المقابلة لمنطقة تل أبيض على الجانب السوري، والتي حشدت تركيا فيها قرابة 50 دبابة عسكرية وعشرات المدافع، وأرسلت قوات خاصة إلى قيادة فوج الحدود الثالثة في آقجة قلعة.
وتواصل القوات المسلحة التركية إرسال التعزيزات العسكرية للمنطقة، بالتزامن مع إعلان فصائل في الجيش الوطني السوري استعدادها للمشاركة بمعركة شرق الفرات.
موقف "قسد"
وتقول مصادر أن قيادة قوات "قسد" تريد أن تكون المنطقة الآمنة بعمق 5 كيلومترات، وتشترط أن يقوم بإدارتها "شرطة محلية من أبناء المناطق"، وستسحب قواتها العسكرية من هذه المنطقة وآلياتها الثقيلة شريطة أن تكون مراقبة من قبل دول التحالف الدولي وليس من قبل الجيش التركي أو قوات يدعمها كالجيش الوطني السوري، رافضة دخولهم بشكل كامل للمنطقة.
بدوره، توعد مظلوم كوباني -وهو قيادي بالوحدات الكردية وقائد قوات "قسد" في سوريا- تركيا بتحويل كل الشريط الحدودي معها إلى ساحة معركة، في حال شنت عملية عسكرية على أي منطقة شرقي الفرات.
كما تواصل قوات "قسد" عمليات حفر الأنفاق وتحصين مواقعها على الشريطة الحدودي مع تركيا، وخاصة في منطقة تل أبيض، فيما يبدو تحضيرا للمواجهة العسكرية المرتقبة مع تركيا التي تدعم الجيش السوري الوطني.
وتبقى الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن مستقبل هذه المنطقة الآمنة، ومدى نجاح تركيا في إقناع الجانب الأمريكي بها، وقدرة الأخير على إلزام قوات "قسد" بتنفيذ أي اتفاق مع أنقرة بخصوص إقامة المنطقة الآمنة، والرد التركي في حال فشل التوصل لتفاهمات سياسية مع واشنطن بخصوصها.