بلدي نيوز- (فراس عزالدين)
استند إلى الجدار بجسده الغض المنهك الذي لم يسعفه على تحمل مشقة الصيام والعمل، لكنه سرعان ما عاود النهوض وأكمل ما بدأه؛ فلقمة العيش مغمسةٌ بالدم، حسب ما يقول (أنس 12 عاماً)، من مهجري الغوطة الشرقية.
ويضيف، "تركت مقعد الدراسة ﻷساهم في توفير بعض المال ﻷسرتي، تعلمت مهنة كهرباء السيارات، إنها تدر ربحاً معقولاً".
لا يمثل "أنس" حالة فردية؛ فالحرب التي فرضها نظام اﻷسد قلبت كل الموازين، وحولت المدارس إلى دور إيواء، وهرم الصغار دون أن يشيب شعرهم، حسب تعبير المرشدة اﻻجتماعية "نائلة" من إدلب.
وأكد شهود عيان في مناطق نفوذ انظام، أنّ اﻷمر هناك ﻻ يختلف، مع الجنوح المبكر نحو الرذيلة والسرقة بذريعة الحاجة.
أطفال الكهوف
لم يحالف الحظ كثير من العائلات المهجرة بالحصول على منزل في الريف، كما أنّ الخوف من حمم ونيران صواريخ نظام اﻷسد دفعهم إلى السكن في الكهوف، وبذلك يكون أطفالهم عرضةً للأوبئة، بالرغم من أنها تحميهم بجرانها إلا أنها لعبت دورا في التأثير على أجسادهم.
تداعيات الحرب النفسية
اﻷطفال السوريون يعانون من أزماتٍ الحرب التي انعكست على صحتهم النفسية، وتنوّعت تلك المشاكل ما بين ضعف القدرة على النطق السليم، أو تأخره (التأتأة)، مروراً بحالات القلق، والسلس البولي، وصعوبات النوم، والعنف السلوكي.
وهنا تعقب المرشدة اﻻجتماعية "نائلة" بالقول؛ "إن متابعة التلاميذ في المدارس تؤكد ازدياد حالات اضطراب النطق والسلوك، والانزواء والعزلة، إضافةً للتأخر الدراسي".
وأضافت، "أن العوامل التي أسهمت في خلق هذا الواقع تعود إلى ما يسمعه ويراه الصغار يومياً، من مشاهد الموت والعنف، وهناك بعض اﻵباء من يعرض مشاهد قطع الرؤوس أمام أوﻻده، بحجة جعلهم رجالاً ﻻ يهابون شيئاً".
وكان أشار تقريرٌ نشرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان العام الفائت، أنّ "3.2 مليون طفل داخل سوريا حرموا من التعليم بسبب القصف، كما حرم 60% من الأطفال اللاجئين من التعليم، وزاد على ذلك استغلالهم بشكل فظيع في سوق العمل، وأدى تضرر قطاع الصحة إلى انخفاض معدلات تلقيح الأطفال، فانتشرت الأمراض والأوبئة".
وحسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ فإن أكثر مليون طفل سوري فقدوا أحد الوالدين أو كليهما بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ العام 2011، مؤكدة أن السنوات السابقة هي الأسوأ بالنسبة لأطفال سوريا.
أطفال مقاتلون
ولعل من جملة ما أسست له الحرب التي فرضها النظام على السوريين؛ انتشار السلاح وتحول الأطفال إلى مقاتلين، وسجلت إدلب وحدها عشرات الحالات ﻷطفالٍ قتلوا خطأً وهم يلعبون بأسلحة ذويهم، فيما أجبر عشرات المراهقين على حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم في على مناطقهم.
وعلي صعيد مواز؛ علق بعض اﻵباء الذين استلطعت بلدي نيوز رأيهم حول "معاناة اﻷطفال في سوريا"؛ أنّ ملف العمل في سنٍ مبكرة وترك مقاعد الدراسة هو أهون اﻷمراض اﻻجتماعية التي خلفتها الحرب، فحسب هؤلاء؛ العمل حاجة لتقوم حياتهم وإن بدت سيئةً، فهي أخفُّ وطأةً من رؤية الطفل منحرفاً في سلوكه وأخلاقه.
وتعرف منظمة "اليونيسيف" مصطلح "عمالة الأطفال" بأنه؛ كل جهدٍ يقوم به الطفل يؤثر على صحته الجسدية والعصبية والعقلية، ويتعارض مع تعليمه الأساسي، وهو العمل الذي يضع أعباء ثقيلة على الطفل، ويستغله اقتصادياً مؤدياً إلى تهديد سلامته وصحته.
وتؤكد السنوات التي مضت من عمر المأساة، أنّ أطفال سوريا لم يعرفوا من طفولتهم إﻻ مسماها، فإمّا شهودٌ على الموت والكارثة، أو شهداء تحت التراب.