بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
تشير القراءة الميدانية إلى تفوق قوة اﻷسد على المعارضة مما يعطيها هامشاً للتحرك على اﻷرض لانتزاع مساحة جغرافية واسعة من الفصائل الثورية المعارضة، لكنها واقعياً تفتقد إلى مقومات اﻻستمرار، ﻷسبابٍ كثيرة، في مقدمتها، غياب القرار الوطني أو السيادي، والدافع أو الحافز.
وبحسب محللين، تشترك المعارضة مع نظام اﻷسد في نقطة واحدة وهي، غياب القرار، بالمقابل؛ ﻻ يمكن التعويل على الدافع في اﻻنتصار إﻻ عاطفياً.
تكافؤ قوى
تشير نتائج سير المعركة منذ بدايتها قبل نحو أسبوعين أنّ المعارضة خسرت مناطق استراتيجية، بعد أن تمكنت قوات اﻷسد مدعومةً بسلاح الجو الروسي، من بسط نفوذها على أكثر من 16 قرية وبلدة بريف حماة الشمالي وسهل الغاب
كما خسرت المعارضة مناطق تحمل أهميةً رمزيةً كبلدة كفرنبودة بريف حماة الشمالي التي استعادتها بهجوم واسع، وبلدة الحويز التي لها أهمية كبيرة لدى المعارضة من حيث كونها مسقط رأس حسان عبود "أبو عبدالله الحموي" القائد المؤسس لحركة أحرار الشام الإسلامية.
بالمقابل، تمكنت المعارضة من امتصاص الصدمة واستطاعت استيعاب هجوم النظام، لتنتقل من الدفاع إلى الهجوم.
اﻷمر الذي يرجح بحسب محللين وجود حالة من التوازن في القوة بين المعارضة والنظام، يعززها غالباً المصالح الدولية واﻷطراف الداعمة.
إحصائيات غير رسمية
رغم عدم وجود إحصائية رسمية تقدر عدد مقاتلي المعارضة اليوم، إﻻ أنّ الكثير من التقارير تؤكد ازدياد المقاتلين المحسوبين على المعارضة في الشمال، بعد موجة التهجير التي فرضتها روسيا منذ العام 2016.
وكشف مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، ألكسندر بورتنيكوف، عدد مسلحي المعارضة المتمركزين في "إدلب"، في تصريحات عقب اجتماع قادة الأجهزة الأمنية بمدينة "كراسنودار" جنوبي روسيا؛ "هناك حوالي 20 ألف مقاتل في إدلب موجودين حاليا، بينهم مقاتلون جاؤوا من روسيا". لكن ذلك ليس دقيقاً تماماً.
ويمكن تقسيم تلك القوة حسب الفصائل إلى الشكل التالي بناءً على أرقامٍ تقديرية نشرت في وقتٍ سابق.
حركة "أحرار الشام الإسلامية"، ويبلغ تعداد مقاتليها قرابة 15 ألف مقاتل، معظمهم سوريون.
"فيلق الشام"، يبلغ تعدادهم قرابة 8 آلاف مقاتل
"جيش المجاهدين"، عددهم التقريبي ألف مقاتل
"فرسان الحق"، يقدر عدد مقاتليه بحوالي ألفين مقاتل، وهو فصيل من "الجيش السوري حر"، ومتواجد في كفرنبل.
"صقور الجبل" وهو فصيل من "الجيش السوري الحر"، ويقدر عدد المقاتلين فيه بحوالي ألفين مقاتل، تلقوا تدريبات من الولايات المتحدة، وينشط هذا الفصيل في محافظة إدلب.
فصيل "تجمع فاستقم كما أمرت" يضم ألفي مقاتل.
"صقور الشام": بحدود 6 آلاف مقاتل.
"جيش السنة"؛ ويبلغ عدد مقاتليه قرابة ألفي مقاتل، متواجدين في بريف حلب الغربي وبريف إدلب.
"هيئة تحرير الشام"، ويبلغ تعداد مقاتليها 6 آلاف مقاتل، بعضهم أجانب من جنسيات غربية وعربية.
"لواء الحق" يضم حوالي ألفي مقاتل متواجدين في سراقب بريف إدلب.
إضافة لجيش العزة وجيش النصر وعدد كبير من فصائل الجيش السوري الحر والتي يقدر عدد مقاتليها بالآلاف.
فيما ﻻ توجد إحصائيات حقيقية تقدر حجم وتعداد فصائل مثل "تنظيم حراس الدين، جبهة أنصار اﻹسلام، جماعة أنصار الدين"، التي انضوت مؤخراً تحت غرفة عمليات واحدة باسم "وحرّض المؤمنين"، وهي مزيج بين السوريين والمهاجرين، تصل إلى آلاف المقاتلين بخبرات عسكرية قوية وتجارب في مناطق مختلفة من أفغانستان إلى اليمن والعراق.
بالمقابل ﻻ يمكن التعويل على تعداد المقاتلين في خوض أي معركة، والسبب بحسب خبراء عسكريين، حالات التنافر والصراع بين أجندات هذه الفصائل، كذلك عدم استقلالية القرار في السلم والحرب. ما يعني أنّ التعداد غير قادر على قلب الطاولة على النظام.
أسلحة فتاكة
على صعيدٍ آخر، تمتلك المعارضة ترسانة كبيرة من اﻷسلحة معظمها غنائم، وتعتبر "الصواريخ المضادة للدروع" أبرز اﻷسلحة المستخدمة في المعارك مؤخراً، ورغم عدم وجود إحصائيات لنوعيات اﻷسلحة التي تمتلكها المعارضة إﻻ أن التسجيلات المصورة للمعارك تبرز امتلاك هذه الأخيرة لصواريخ “الكورنيت”، “الكونكورس”، “تاو” وجميعها مضادة للدروع.
كما تمتلك بعض الفصائل، مثل هيئة تحرير الشام، الطائرات المسيرة التي استخدمت في ضرب قاعدة حميميم، وهي من أكثر اﻷسلحة التي تحاول روسيا تحييدها، ويمكن القول أنّ أحد أبرز أسباب المعارك الدائرة مؤخراً هو حماية حميميم وإبعاد شبح تلك الطائرات.
بالمقابل؛ ﻻ يعتقد محللون عسكريون أنّ التفوق العسكري بالنسبة للمعارضة سيرجحه "نوعية السلاح"، وإن كان له الدور البارز في قلب سير المعاركة
وتجدر اﻹشارة في هذا السياق؛ أنّ التقارير العسكرية، تؤكد أنّ فصائل المعارضة اتجهت إلى تكتيك جديد في معاركها اعتمد على استخدام الصواريخ المضادة للدروع، ما أعطاها قدرة على المناورة واستنزاف العدو.
خيارات محدودة
وأمام الهجمة الروسية الشرسة أدركت المعارضة أنها أمام خيارين، اﻻستسلام، أو اﻻنتصار، إذ ﻻ باصات خضراء وﻻ شمال بعد إدلب.
كما بات واضحاً أنّ المساعي الروسية تصب في تحقيق استراتيجية "القضم البطيء للمناطق" أو ما يعرف بخطة "الخطوة خطوة" وتثبيت سيطرتها، ومن ثم وقف إطلاق النار، لتعود مجدداً إلى قضم غيرها.
اﻷمر الذي فرض على المعارضة إعادة ترتيب الصف الداخلي، وبرزت دعوات للجوﻻني متزعم "هيئة تحرير الشام" مؤخراً، طالب فيها مساندة من فصائل "درع الفرات" كبادرة جديدة لها الكثير من الدلاﻻت حسب محللين.
ونجحت ميدانياً المعارضة في قلب مسار المعركة رغم أنها لم تحقق بعد النتائج المرجوة، لكنها بالمقابل استطاعت شن هجمات وعمليات سريعة، في بلدة كفرنبودة واستعادتها، وكذلك الهجوم على نقاط للنظام في الجبين والحماميات وقرية ميدان غزال، اﻷمر الذي أدى إلى خسائر كبيرة في العتاد واﻷرواح للنظام، إضافةً لخلق شرخ في صفوف قوات اﻷسد.
تكتيك اﻻستنزاف
بات من الواضح أنّ مواجهة القوة النارية الكثيفة التي تستخدمها قوات اﻷسد مدعومةً بغطاء جوي روسي، فرضت إيقاعها، ومنعت المعارضة دون التقدم واستعادة ما خسرته.
بالمقابل؛ عملت الفصائل الثورية على استخدام تكتيك عسكري أكسبها القدرة على التحرك واستنزاف النظام، من خلال العودة إلى تبني "حرب العصابات" واستنزافه في مناطق تحصنه.
وتمكنت فعلياً الفصائل الثورية من ضرب قوات اﻷسد وفتح ثغرات ثم العودة إلى مناطقها، وإنهاك الطرف اﻵخر، عبر فتح عددٍ من الجبهات واستخدام ما يمكن تسميته "الصعق والفرار"، معتمدةً على وقوع قوات اﻷسد في مستنقع سهل الغاب الذي توغلت فيه، اﻷمر الذي جعلها تحت مرمى صواريخ الـ"م.د" التي تسببت بتدمير العديد من الآليات ومقتل العشرات من العناصر.
وبذلك تجنبت المعارضة أيضاً الوقوع في كمين نيران الروس الكثيفة، وحول المشهد الميداني إلى معارك مباغتة، يغلب فيها عنصر المفاجأة، ويكسب المهاجم فرصة أكبر في تحقيق أهدافهم، دون الصدام المباشر وفق قواعد المعارك التقليدية (معارك الجيوش النظامية).
رهان خاسر
ميدانياً، كشفت المعارك اﻷخيرة فشل الرهان الروسي على "الفيلق الخامس" الذي تم تشكيله مؤخراً من فلول عناصر المصالحات.
وتعتمد المعارضة السورية في الشمال على عنصر "الثبات المعنوي" في استمرارية صمودها، والذي عوّلت موسكو على انهيار معنويات المقاتلين للتوغل في بقية المناطق وصوﻻً إلى إدلب.
ولم يدرك نظام الأسد وحليفه الروسي، أنّ ملف إدلب يختلف عن باقي المناطق التي شملتها اتفاقيات "التسوية"، التي جرت بموجب محادثات "أستانة"، ويرجع ذلك إلى تركز المقاتلين الرافضين للاتفاقيات أو ما يسمى بـ"العودة إلى حضن الوطن"، في المنطقة بالآﻻف، ومعظمهم من المقاتلين الذين تم تهجيرهم من مناطقهم الأصلية لرفضهم سياسات النظام السوري.
أوراق رابحة
معظم المؤشرات السابقة تؤكد توازن القوى وتكافؤها، لكن ثمة الكثير من اﻷوراق الرابحة تمتلكها المعارضة، بما فيها التعويل على دور تركي أكثر حزماً، عبر فتح المجال لإيصال تعزيزات عسكرية من الجيش الوطني وفصائل عملية غصن الزيتون ودرع الفرات ودعم المعارضة بأسلحة الميم دال لكبح جماح روسيا.
ويمكن القول أنّ "حرب الصواريخ" إحدى الوسائل التي وضعت حدّاً لتقدم قوات اﻷسد، وأنّ الرسالة التركية وصلت إلى روسيا، بأن المنطقة ليست كسابقاتها.
وفي المقام الثاني يأتي ملف تعزيز نقاط المراقبة التركية المستمر، كان آخرها أمس الثلاثاء الحادي والعشرين من أيار /مايو الجاري، ما يعطي انطباعاً أنّ أنقرة تحاول عدم إفلات ملف المحافظة، والتمسك باتفاق "تخفيف التوتر"، ومنذ مطلع عام 2018، ثبت الجيش التركي 12 نقطة مراقبة في إدلب.
وكان الجيش التركي ركز انتشاره على اختيار المناطق الاستراتيجية للتثبيت فيها، اعتمادًا على قربها من نفوذ قوات الأسد وحليفه الروسي، أو الجغرافيا التي تشكلها من حيث الارتفاع والإطلالة العسكرية.
وبمعنىً آخر تمتلك إدلب قوةً عسكرية قادرة على تحويلها إلى ما يشبه "قطاع غزة"، وهذا بالتحديد ما يحاول أبو محمد الجوﻻني، متزعم "هيئة تحرير الشام" التلميح إليه وفرضه، عبر مغازلة الجانب التركي في بعض اﻷحيان للاعتراف به.
قلب الطاولة
إﻻ أنّ عاملاً حاسماً يدخل في المعركة، من الواضح أن موسكو تخشاه، ما دفعها لطلب وقف إطلاق النار، ويتمثل في دخول قواتها أو الميليشيات التابعة لها، بمصيدة "حرب الأشباح"، التي سيغيب عنها سلاح الجو، فضلاً عن عدم قدرة اﻷسلحة الثقيلة على حسم جولة من المعارك التي تحمل طابع الردع أو الضرب وسرعة اﻻنسحاب.
وتشير مجريات اﻷحداث مؤخراً أنّ الرهان الروسي سقط في المرحلة الراهنة، على أعتاب إدلب، بعد حالة من التلاحم التي برز فيها وحدة الصف بين مختلف المشاريع والأجندات، الوطنية والجهادية، التي سبق أن أشرنا إلى إمكانية تحققها في تقارير سابقة.
انغماسيون والمفخخات
كما أنّ ثمة عاملٌ قادر على تحقيق نوع آخر من اﻻنتصار لصالح المعارضة، سبق أن كشف فاعليته، في تحرير الكثير من المناطق، وهو سلاح المفخخات، والانغماسيين، إضافة للعمليات النوعية خلف خطوط العدو.
حتى اللحظة تبقى إدلب الرقم اﻷصعب في المعادلة، والتعامل معها لن يكون بهذه البساطة.
ووحده خيار الثبات واستقلال القرار قادر على المحافظة على الشمال المحرر في الوقت الراهن، دون إغفال "الحامل الشعبي" للثورة، وتطلعاته داخلياً وسياسياً، وحتى عسكرياً.
ويمكن التأكيد أن موسكو لم تحقق بعد أهدافها من الحملة الأخيرة، بل كشفت تماسك المعارضة وتمسكها بالثوابت القديمة.