إدلب.. حرب أجندات وتيارات ومشاريع ودول - It's Over 9000!

إدلب.. حرب أجندات وتيارات ومشاريع ودول

بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
أفرزت عوامل عدة معقدة دولية وداخلية الوضع الساخن في إدلب؛ ليس فقط باعتبارها آخر قلاع الثورة السورية، بل ﻷنها اليوم الحاضنة اﻷقوى للتيار الجهادي، الذي ينظر إليه الداخل (البعض) بأنه حرف البوصلة، فيما يرى فيه الغرب فريسة من النوع السهل الممتنع.
تكافؤ القوى
يراهن جميع اﻷطراف على كسب الجولة وبلغةٍ سياسية خشنة مدفوعة غالباً باﻹحساس بعقدة الزمن الذي بات يضخم طرفاً على حساب اﻵخر، ويرمي الكرة في ملعب الجميع دون القدرة على الحسم، وإن كان الراجح ظاهرياً تفوق تحالف نظام الأسد مع روسيا وإيران، إﻻ أنّ الفرضية اﻷقوى تبقى لصالح القول بوجود تكافؤ قوى فرض إيقاعه وحول المعارك إلى حالة من الكر والفر.
كما أنّه ﻻ يخفى أنّ عقدة الجهاديين ﻻ سيما اﻷجانب (المهاجرين) أفرز بالتعاون مع وجود رغبة لدى التيار الثوري (الوطني) في إبراز عامل القوة المتكافئة بين الجميع.
تغيير قواعد اللعبة
تفيد الكثير من التقارير والتحليلات أنّ السباق المحموم للسيطرة على الشمال المحرر يوازيه بذات القوة تنافس روسي-إيراني في الساحل السوري (طرطوس-اللاذقية-جبلة)، الذي تحاول موسكو حسمه لصالحها وتسجيل نقطة إضافية في مرمى طهران.
وتتفرد موسكو بالسيادة على الساحل السوري مع هامشٍ طبيعي للنفوذ اﻹيراني؛ بفعل التقارب القديم مع نظام اﻷسد وعبر ميليشياته ذات البعد الطائفي، وتعتقد روسيا أنّ من مصلحتها عدم توزيع الكعكة على طرف آخر، ﻻسيما وأنها باتت تستشعر نهاية شوط المباراة الأخير، ما يستوجب ضمان الاسئثار والاستحوذ على كامل التركة والثروات في البحر.
وتشير التقارير والتحليلات أنّ طهران فشلت في تنصيب نفسها سيدةً على الساحل، إﻻ عبر "حسينياتها" و"ميليشياتها" وهو موطئ قدمها الوحيد، الذي لا يحمل قيمةً تذكر، لكنها تشكل خطراً على الروس بطريقةٍ أو أخرى.
إيران بدورها تراهن على بشار اﻷسد، الذي بات دميةً يدرك أن بقاء نفوذه تعود مرجعيته للرقص على حبل السيرك والقفز بين الضفتين الروسية-اﻹيرانية.
وبإمكان الجميع تأجيل المعارك الهامشية، حتى يتم تصفية ورقة الشمال، لكن ذلك بالمقابل سيعني تجيير النصر على اﻷرض لصالح اﻹيرانيين، وﻻ ترغب موسكو في إعطاء هذه النقطة لصالح شريكها وعدو المستقبل، فيما تحاول طهران التعجيل من كسب المعركة على اﻷرض مع استشعارها بخطر إقصائها على أيدي الروس وفق تفاهم ثلاثي (روسي-أمريكي-إسرائيلي).
بالمختصر؛ قواعد اللعبة تغيرت لكنها غير واضحة، ما يرجح في الوقت الراهن توازن القوة بين الجميع.
إدلب و"قلعة جانجي"
وتشكل إدلب عقدة الملف السوري والمنتصر في معركتها سيفرض رسم مسارٍ جديد للتاريخ والسياسة، وعليها تقوم رهانات كافة اﻷطراف، والمعني هنا أصحاب تفاهمات "أستانة"، روسيا-إيران-تركيا.
وبالعودة إلى الجهاديين فالمسألة مصيرية، كما هو حال أصحاب الفكر الثوري أو الوطني، وجميع هؤﻻء عندهم من اليقين أن هزيمة أحد اﻷطراف تعني خسارة ورقة قوة بالنسبة له، على مبدأ "اﻷخوة اﻷعداء"، ما يفرض مستقبلاً تشكيل تحالفات غير منطقية لكنها معروفة عسكرياً بين التيارات الفكرية المتناقضة التي تجمعها مصلحة السيطرة على اﻷرض ومحاربة المحتل الروسي واﻹيراني.
ويؤكد أصحاب التيار السلفي الجهادي أن قتالهم ليس من أجل اﻷرض، ما يعطيهم قدرة على المناوشة وهامش من التحرك مستقبلاً في حال تمترسهم ببعض المناطق والعمل بموجب ما يسمى حرب اﻷشباح.
وما ينطبق على الصراع الروسي-اﻹيراني يسير بالتوازي مع ما يماثله بين التيار الوطني والسلفي الجهادي اللذان يتصارعان على النفوذ ضمن ما يسمى حرب اﻷجندات والمشاريع.
إدلب بالعرف الجهادي تمثل حدث مشابه لأحداث "قلعة جانجي" في أفغانستان عام 2001، وهي للوطنيين آخر القلاع والتجربة التي يعني انتهاؤها اﻻنهيار الكامل للمشروع الثوري.
عموماً القاسم المشترك بين الجميع "الوطني والجهادي" وحدة المصير ومشروع مقاومة المحتل بغض النظر عن الصراعات الداخلية بينهم.
رايات وأجندات
بالمحصلة تتعايش فوق التراب السوري مجموعة من الرايات والمشاريع المتقاطعة والمتصارعة، ما جعل الصراع يمتد وسيمتد حتى وإن تم حسمه لصالح أحد اﻷطراف وفق تفاهمات معدّة مسبقاً إﻻ أن مؤشرات الحرب تلوح راياتها هي اﻷخرى وانطلقت معالمها مجدداً من ذات النقطة التي اشتعلت فيها (درعا).
حرب اﻷشباح
والذي يجعل الجميع غير مستعدٍ للحسم العسكري حقيقة تكافؤ القوى، والخشية من تفجر حرب الأشباح التي أعلن التيار الجهادي وعلى رأسه هيئة تحرير الشام بكل ما فيها من تناقضات داخلية قدرتها على اللعب وفق هذا التكتيك، بالمشاركة مع حراس الدين وغيرهم.
والملفت أنّ المبعوث الرئاسي الأميركي في التحالف الدولي ضد "داعش" وفي الملف السوري جيمس جيفري، كشف حقيقة التنسيق القائم بين موسكو وواشنطن فيما يخص العمل العسكري الذي يستهدف الشمال السوري.
ما يعني أنّ المجتمع الدولي يسير باتجاه حلحلة الملف عبر تبادل اﻷدوار، واﻷهم أنّ جيفري نوّه إلى نقطة غاية في الحساسية؛ بقوله "الرئيس ترمب في سبتمبر أيلول الماضي، قال إن هجوماً شاملاً على إدلب سيكون عملاً متهوراً ونعارضه بشدة، ليس فقط لأننا قلقون من استعمال السلاح الكيماوي، وأن الهجوم سيؤدي إلى تدفق اللاجئين والنازحين، ليس فقط لأننا قلقون من أن هذا سيؤدي إلى انتشار الإرهابيين من إدلب إلى مناطق أخرى، بل لأن كل هذا صحيح".
وهذا يعني أنّ واشنطن تقود العملية سياسياً ومن بعيد هي التي تعطي لمساتها على التحركات وتضبطها، ﻻ يعنيها ملف السلاح الكيميائي بقدر ما تهتم لملف "اﻹرهابيين أو الجهاديين"، كما تصفهم، وخشية المجتمع الدولي من خلق فوضى أمنية يستحيل ضبطها في حال انفلت العقد، بغض النظر عن وجود تنافس طبيعي مع موسكو.
هجوم محدود
وتتركز الجهود وتصب المصلحة في بوتقة خطة الخطوة خطوة، والتنسيق على أعلى المستويات في هذا اﻹطار وهذا ما أشار إليه مؤخراً وأكده جيمس جيفري في حديث إلى "الشرق الأوسط، أن موسكو أبلغت واشنطن أن الهجوم على إدلب سيكون "محدوداً" وبحسب وصفه لوقف استهداف "هيئة تحرير الشام" لقاعدة حميميم الروسية قرب اللاذقية.
وقال جيفري "نحن على تواصل، أنا وغيري، مع الروس والأتراك والمعارضة حول هذا، قلنا بوضوح لكل الأطراف إننا نريد وقف هذا الهجوم".
حرب اﻷجندات في تصفيات مونديال إدلب، ستمر أوﻻً وفق المعطيات العسكرية والسياسية في مرحلتين قبل الحسم، اﻷولى تتمحور في الهدف من الهجوم على إدلب مؤخراً، والذي صرحت موسكو أنه محدود، وسيتوقف؛ ولكن فقط عند إنشاء شريط آمن منزوع السلاح من اللاذقية الى حلب ومن حماة إلى حلب.
لتأتي لاحقاً مرحلة القضم الثانية باتجاه مناطق أخرى، على اﻷقل بعد استنزاف المعارضة والتيار الجهادي.

مقالات ذات صلة

تصريح تركي بشأن عملية "ردع العدوان"

تقارير تكشف أسباب انخفاض أعداد السوريين في تركيا

نظام الأسد يدين دعم الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا بالصواريخ البالستية

خسائر من الجيش الوطني بمحاولة تسلل لقسد بريف حلب

الحكم على جنرال سابق بتهمة تهريب "مهاجرين غير شرعيين" من سوريا إلى الأراضي التركية

وزير الخارجية التركي يتوقع تسوية امريكية في سوريا إن تم تجميد الحرب في أوكرانيا