بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
استباحت حرب نظام الأسد على السوريين حياتهم الخاصة والعامة، وغيبت عنهم الفرحة والبهجة، ولعل شهر رمضان الكريم بطقوسه ذات الخصوصية لدى السوريين طالها الكثير من التغيير.
وأسهمت ظروف الحرب في تشتيت العائلات السورية، وأضحوا بين معتقل وشهيد ومغترب أو مفقود، ثمة كرسيٌّ فارغ خلف مائدة الإفطار، في وقت اعتادوا على الاجتماع حول الموائد في أحد بيوت الأقارب أو الأصدقاء، فيما يعرف بـ "اللمة الرمضانية".
"جمال" من أبناء إدلب، أمضى حياته قبل الثورة في العاصمة دمشق، يقول أنه يشتاق إلى بعض أنواع العصائر التي ﻻ يتلذذ بمذاقها إلا في حي باب سريجة وسط دمشق، ويذكر التمر هندي والعرقسوس.
أمّا محمد حسن؛ فيعيش اليوم بعيداً عن أسرته في كردستان العراق، مستذكراً بحسرةٍ جلسات العائلة، بعد اﻹفطار وكيف كانوا يمضونها بين تلاوة القرآن ولعب الشطرنج أو خلف شاشة التلفاز. متهماً نظام اﻷسد بفرض واقع مؤلم.
باتت السياسة والمشهد الميداني من قصف وقتل ومجازر ودمار شغلهم الشاغل، وما عاد للتلفاز من وظيفة سوى نقل هذه المشاهد، في حال لم يقطع التيار الكهربائي.
معظم الكبار يؤكدون أنّ الحرب سرقت طقوسهم الرمضانية ولم تبقِ منها إﻻ الذكرى.
مأمون كان يصطحب ابن أخته بعد اﻹفطار إلى مقهى النوفرة خلف المسجد اﻷموي بدمشق، يستمعان إلى الحكواتي، بينما ينفث الخال دخان أرجيلته، قبل أن يغادرا.
يقول مأمون؛ "إننا اليوم نسترجع الذكريات ونحث الذاكرة على الصمود وتحدي الموت باﻷمل القديم"، مفتقداً تلك اﻷيام وابن أخته الذي انخرط في العمل العسكري والرباط".
وبين طيات الحسرة يخفي المهجرون في إدلب شوقهم إلى بلداتهم ومحافظاتهم، فابن ديرالزور "عمر" يستذكر صوت أصحابه بعد صلاة التراويح وهم ينادونه للذهاب إلى الجسر المعلّق وارتشاف كأس الشاي على ضفة الفرات.
يفول عمر؛ "اﻷسد لم يسرق فقط السلطة، لقد سرق ذكرياتنا وطقوس حياتنا... رمضان خير دليل، أين الزينة في الطرقات، أين البسمة قبل يومٍ من رمضان والطائرات تقصف المدنيين في ريف إدلب وحماة؟".
مشهدُ الأطفال يتدافعون على النوافذ قبل المغرب بدقائق، بانتظار حدثٍ لا يتكرر في العام إلا مرةً واحدة، بات اعتيادياً بل مزعجاً ومرعباً، فبعد أن ارتبط صوت المدفع بموعد الإفطار؛ انقلب رمزاً للألم في حياة السوريين.