بلدي نيوز- (حذيفة حلاوة)
في الجزء الثاني من سلسلة التقارير التي تتحدث عن درعا مهد الثورة السورية، تتابع شبكة بلدي الحديث عن مرحلة التحرير وما تلاها من توسع على حساب النظام، ويأتي هذا التقرير في الذكرى الثامنة لانطلاق شرارة الثورة من درعا.
فمع اعتماد نظام الأسد على سياسية القمع، أجبر الثوار على حمل السلاح للدفاع عن مظاهراتهم السلمية، ليتمكنوا لاحقا من بسط سيطرتهم على مناطق متفرقة من محافظة درعا، بهدف توفير الأمن للمدنيين، ما لبث أن تحول نظام الأسد لاتباع أسلوب القصف من ثكناته العسكرية.
في الأثناء؛ أجبر الثوار على مهاجمة تلك الثكنات لمنعها من التضييق على المدنيين، فانتقل الثوار من مرحلة حرب العصابات ومهاجمة أرتال "الشبيحة"، إلى التحرير والسيطرة مع بداية عام 2013، الذي شهد في شهر شباط منه تحرير "سرية زيزون" غرب محافظة درعا، وكتيبة الدفاع الجوي على أطراف بلدة "السهوة" شرق المحافظة، لترتسم أولى ملامح التحرير التي شهدها الجنوب السوري.
ومع توسع مناطق سيطرة الثوار، استوجب تشكيل قوة عسكرية موحدة تضم كافة الفصائل؛ فكان المجلس العسكري في درعا بقيادة العقيد المنشق (أحمد النعمة) أولى تلك التشكيلات، لم يستمر المجلس العسكري في درعا طويلا بسبب اختطاف (النعمة) من قبل جبهة النصرة بعد توجيه اتهامات بالعمالة، والمساهمة في تسليم بلدة "خربة غزالة" لنظام الأسد، ظهر بعد فترة زمنية قصيرة في تسجيل مصور يتحدث عن عملية التسليم، فيما لم يتبين الظروف التي تم فيها تسجيل الفيديو أو مدى مصداقيته.
وتسبب اختطاف (النعمة) في ضعف كبير في المجلس العسكري، مما دفع الدول الداعمة للمعارضة إلى البحث عن بديل على الأرض ليكون خلفاً للمجلس العسكري، فبعد عدة شهور تم الإعلان عن تشكيل الجبهة الجنوبية، التي تضم 52 فصيلا تحت إشراف غرفة عمليات "الموك"، التي كانت قد تشكلت منذ حوالي العام في العاصمة الأردنية عمان.
الناشط الإعلامي من درعا "مهند الحوراني"، شارك منذ بداية الأحداث في الثورة السورية وأحد أعضاء تنسيقية درعا المحطة، تعرض للاعتقال من قبل مخابرات الأسد، وتهجر مؤخراً إلى الشمال السوري المحرر، قال في حديثه لبلدي نيوز حول رؤيته للفترة التي شهدت اختطاف جبهة النصرة لقائد المجلس العسكري في درعا: "حقيقة كان اعتقال النعمة من قبل جبهة النصرة سبباً في لفت أنظار فصائل الجيش الحر حول الخطر الذي من الممكن أن تشكله "النصرة" كتنظيم، من الممكن أن يحارب أي تشكيل معتدلة بهدف المحافظة على القوة المطلقة لهذا التنظيم، وكانت تلك الفترة، فترة صعود لجبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حاليا) في درعا، مع مشاركتها الواسعة في المعارك في درعا، شهدت خلالها المحافظة تضييق على المدنيين من قبل التنظيم وممارسات فردية، إساءت للأهالي منها اعتقال قيادات من الجيش الحر، حيث لم يقتصر الأمر على (أحمد النعمة) وقتها".
وأضاف "الحوراني": "ما تعرضت له فصائل الجيش الحر خلال تلك الفترة، دفهم إلى تشكيل جسم واحد، فكانت الجبهة الجنوبية هي نواة للجيش الحر جنوب سوريا، قبل أن تتدخل "غرفة الموك" لتستغل الجبهة الجنوبية وحرفها عن أهدافها الأساسية في قتال النظام السوري، وقتال أي فصيل إسلامي جنوب سوريا، مما دفع الأمور لتدهور الوضع الداخلي وتوقف المعارك مع النظام واقتصاره على المعارك مع تنظيم "داعش"، خلال عام 2016 وبداية 2017، مما أبعد تلك الفصائل والتشكيلات عن المشاريع الوطني، مما جعل المنطقة ترزح تحت نوعين من المشاريع؛ أحدها متشدد يتمثل في "داعش" والآخر للخارج، واختفاء المشاريع الحقيقية لمواجهة الأسد تقريباً".
وكانت "الموك" من أبرز اللاعبين في سياسات الفصائل العسكرية في درعا، وخاصة الجبهة الجنوبية من خلال منع أو السماح لتلك الفصائل بفتح معارك ضد مواقع قوات النظام من خلال التحكم بالدعم الموجه إلى تلك الفصائل، من سلاح ودعم مالي للمقاتلين، ومنع هذا الدعم عن بعض الفصائل التي تتخذ منحة مختلف عن أوامر "الموك"، كما فعلت في مناسبات كثيرة، منها "لواء شهداء اليرموك" الذي عمد إلى موافقة تنظيم "داعش".
وبالرغم من الخلافات الداخلية التي شهدتها المحافظة وتدخل الدول الداعمة في قرار الفصائل، فقد تمكنت فصائل المعارضة جنوب سوريا من تحرير ما يتجاوز 70 في المئة من مساحة محافظة درعا بشكل كامل، واقتصار التواجد العسكري لنظام الأسد في مركز مدينة درعا والأوتوستراد الدولي دمشق عمان، وبعض مناطق الريف الشمالي "أزرع" و"الصنمين"، وبعض المواقع العسكرية كاللواء 12 واللواء 79، والفرقة التاسعة، التي لم يتمكن الثوار من تحريرها بالرغم من عدة معارك حاولت الفصائل من خلالها السيطرة على تلك المواقع.
وخلال الفترة الممتدة من تاريخ شباط 2013 وحتى شهر تموز 2015 كان العمل العسكري الثوري في درعا في ذروة نشاطه تمكن من تحرير عشرات المواقع التابعة لقوات لنظام، وعشرات البلدات والمدن من الحواجز التي أقامتها مخابرات الأسد لتقطيع أوصال محافظة درعا.
فكان من أبرز النقاط التي كان يتمتع فيهل ثوار درعا، قدرتهم على فتح عدة معارك في الوقت ذاته، مما ساهم بشكل كبير بتحرير مساحات واسعة في وقت سريع كتحرير "تل الجابية" في الشهر الرابع و "تل الجموع" في الشهر السادس من عام 2013، والذي مهد بعدها بأيام لفك حصار خانق على آلاف المدنيين في مدينة "نوى" التي تحررت في شهر تشرين الثاني من العام نفسه، بالإضافة إلى تحرير مدن "طفس وداعل وأنخل وجاسم وبصر الحرير والشيخ سعد وتسيل وبلدات حوض اليرموك”.
والعديد من البلدات بريف درعا الشرقي، في الفترة الممتدة من الشهر الثالث من عام 2013 وحتى الشهر العاشر من العام ذاته، فيما كانت أبرز منجزات تلك الفترة فتح طريق يصل بين ريفي المحافظة الشرقي والغربي، بعد السيطرة على الجمرك القديم في درعا البلد، وبالتالي السيطرة على الطريق الحربي في أواخر 2013، تلاها تحرير تل الحارة الاستراتيجي في 6/10/2014، مما مكن الثوار من السيطرة على مدينة الحارة وفتح الطريق أمام الثوار وصولا إلى بلدة "دير العدس" في ريف دمشق، أيضا تلاها مدينة الشيخ مسكين في بداية الشهر الأول من 2015.
وكان تحرير اللواء 52 شرق محافظة درعا آخر النقاط التي تم تحريرها من قوات النظام، باستثناء حي المنشية في درعا الذي تم تحريره لاحقا، مما تسبب بتوقف عجلة المعارك، ترافق ذلك مع الفشل الذي أصيبت به فصائل المعارضة في معركة عاصفة الجنوب في مدينة درعا، والتي بدأت في شهر تموز عام 2015، تسببت بحالة من الإحباط واليأس في صفوف الشباب وخاصة المقاتلين في صفوف الفصائل.
حيث كانت نهاية عام 2015 وبداية عام 2016كارثية على المحافظة، مع فقدان مئات الكوادر التي فضلت الهجرة إلى الدول الأوروبية على البقاء في المحافظة، وتدهور الوضع الأمني الداخلي، واندلاع الاقتتال بين فصائل موالية لغرفة عمليات "الموك"، وفصائل موالية لتنظيم "داعش"، استغلت خلال تلك الفترة روسيا والأسد الموقف لفتح عدة معارك على مواقع سيطرة المعارضة، بدأت من مدينة "الشيخ مسكين"، وبلدة "عتمان" جنوباً، وصولاً إلى مدينة درعا.
درعا.. أطفال أشعلوا فتيل الثورة السورية ضد الأسد (الجزء الأول