The Washington Post - ترجمة بلدي نيوز
أعلنت الولايات المتحدة وروسيا عن اتفاق، يوم الاثنين، يتضمن هدنة جزئية في سورية، على الرغم من كل التحذيرات من جميع الأطراف التي تؤكد على وجود عقبات في طريق أحدث الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب السورية المستمرة منذ خمس سنوات.
وبموجب شروط الاتفاق، يُطلب من الحكومة السورية والمعارضة المسلحة في سورية الموافقة على "وقف الأعمال العدائية" بشكل فعال ابتداء من، يوم السبت، ولكن الهدنة لا تنطبق على اثنين من الجماعات المتطرفة الأكثر فتكاً وهما: تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت ستدوم أم ستبوء بالفشل كغيرها من الاتفاقات السابقة.
وينص الاتفاق على أن الحكومة السورية والمعارضة يجب أن يعلنا قبل ظهر يوم الجمعة، ما إذا كانوا سوف يمتثلون لوقف "الأعمال العدائية"، وهو مصطلح تم اختياره بعناية لأن هذا النوع من الاتفاق لا يتطلب وقف رسمي لإطلاق النار، وستكون الولايات المتحدة مسؤولة عن جلب جماعات المعارضة المختلفة، فيما يفترض من الروس الضغط على الحكومة السورية، وقد وافقت أيضاً كل من واشنطن وموسكو على إنشاء خط ساخن لمراقبة التزام الجانبين.
وقد ختم الرئيس الأمريكي باراك أوباما الشروط النهائية للاتفاق بمكالمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي ربما أصبح أكثر لاعب مؤثر في الحرب السورية منذ دفعت روسيا بنفسها في الصراع في أيلول نيابة عن عميلها في سوريا، الرئيس الأسد.
وصرح السيد بوتين: "أنا واثق من أن الإجراءات المشتركة، المتفق عليها مع الجانب الأمريكي، قادرة على إجراء تغيير جذري في الوضع المتأزم في سوريا"، وأضاف: "وأخيراً ظهرت فرصة حقيقية لوقف العنف وإراقة الدماء المستباحة منذ فترة طويلة".
من الجهة الأخرى، كان البيت الأبيض متحفظاً، وأصدر ملخض عن خطاب الرئيس الأمريكي، والذي رحب فيه بالاتفاق ولكنه لم يحتفي به، فقد قال أوباما لبوتين بأن الألويات هي: "تخفيف معاناة الشعب السوري وتسريع التسوية السياسية والحفاظ على التركيز على المعركة ضد تنظيم الدولة".
يقول مسؤول الصحافة في البيت الأبيض جوش ارنست: "سيكون من الصعب تنفيذ ذلك، والحقيقة هي أن الوضع في سورية كان صعباً جداً أولاً بأول".
وعلى الأرض في سوريا، يبدو أن احتمالات التوصل الى نهاية لسفك الدماء أكثر مراوغة، ففي الأسبوع الماضي وحده_ قتل أكثر من 100 شخص في حمص ودمشق في تفجيرات قام بها تنظيم الدولة، كما أن الغارات الجوية من قبل الحكومة السورية وحلفائها الروس في مدينة حلب وأماكن أخرى قد أودت بحياة العشرات من الناس، بما في ذلك في خمسة مستشفيات على الأقل، إحداها تابعة للمنظمة الدولية "أطباء بلا حدود"، وإلى الشرق في مدينة الرقة، قيل أن عشرات المدنيين من السكان المحليين قد لقوا مصرعهم في قصف جوي لقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة في قتال تنظيم الدولة.
ولكن الجهود الدبلوماسية قد أسفرت عن انتصار صغير: فقد تم تقديم المعونات للمرة الأولى منذ شهور إلى عدة مدن بعد أن أعطي المقاتلين الإذن تحت الضغط الشديد، لكن مئات الآلاف من السوريين ما زالوا عالقين في المناطق التي تصنف على أنها محاصرة أو يصعب الوصول اليها، دون توافر منتظم للغذاء والدواء.
وجاء الاتفاق بعد بداية خاطئة واحدة: فقد أعلن وزير الخارجية الأميركية جون كيري في ميونيخ يوم 12 فبراير أن سريان الهدنة سيتم تنفيذه خلال أسبوع، ولكن الموعد المقرر مر، حيث تبادل الجانبان النقاشات حول كيفية تنفيذه، ويوم الأحد، في عمان، تحدث السيد كيري ثلاث مرات على الهاتف مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لتسوية التفاصيل.
يوم الاثنين، عند عودته إلى واشنطن، أطلع السيد كيري_ وزراء بريطانيا وفرنسا وألمانيا والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا على مستجدات هذا الاتفاق، ووفقاً لمسؤول كبير في وزارة الخارجية، من المتوقع أن يناقش كيري الهدنة عندما يدلي بشهادته في جلسة استماع، يوم الثلاثاء أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.
وقد بدا السيد كيري أكثر تفاؤلاً من البيت الأبيض حول آفاق الحل الدبلوماسي في سورية، ولكن بيانه الذي صرح به يوم الاثنين كان متحفظاً بشكل ملحوظ، ولم يذكر تاريخ 27 من شباط المتعلق بوقف إطلاق النار! وقال أنه فيما يمثل الاتفاق "لحظة وعد"، إلا أن "الوفاء بهذا الوعد يعتمد على التنفيذ".
وقال مسؤول في وزارة الخارجية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "إن السيد كيري سعيد بطبيعة الحال كوننا وصلنا لصيغ متفق عليها وحددنا موعد البداية للاتفاق، ولكنه ليس على استعداد لاتخاذ أي أمر مفروغ منه، و في رأيه، هذا ليس وقتاً للاحتفال".
كما أعرب محللون عن تشككهم في الصفقة، مشيرين إلى أنه في خمسة أيام قبل سريان الهدنة، ستستطيع القوات السورية وحلفائها الروس إلحاق أضرار في حلب من خلال الغارات الجوية، وتكهن البعض بأن روسيا قد توسع حملتها العسكرية إلى إدلب، جنوب غربي مدينة حلب، حيث يتواجد هناك مقاتلي النصرة.
وقال فريدريك سي هوف، وهو عضو بارز في مجلس الأطلسي، وممن عملوا بالشأن السياسي في سورية خلال الفترة الأولى من إدارة أوباما: "الاتفاق يعتمد كلياً على حسن النية من روسيا وإيران ونظام الأسد، ولكن أيا منهم لم يظهر أبداً أي حسن نية في السنوات الخمس الماضية".
وأضاف إن "الروس يستطيعون وقف كل هذا في خمسة أيام ولكنهم يطلبون خمسة أيام أخرى ليستخدموا النصرة كذريعة للسيطرة على مناطق أبعد مما هي عليه".
يوم الاثنين، وفي الرياض، قالت الهيئة العليا للمفاوضات والتي تمثل جماعات المعارضة السورية وتدعمها السعودية، بأنهم وافقوا على شروط الهدنة، ولكن رياض حجاب، المنسق العام للهيئة، لا يتوقع من الحكومة السورية وإيران وروسيا الالتزام، وقال: "بقاء نظام الأسد على قيد الحياة يتطلب استمرار حملته من القتل والقمع والتهجير القسري".
أما بالنسبة لإدارة أوباما، فهدنة سورية الجزئية قد تكون مجرد وسيلة لتهدئة العنف الجاري في سورية (بوضع غطاء مؤقت على مرجل الحرب المشتعلة) في حين تحول الولايات المتحدة انتباهها إلى تخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا.
وقال بعض المحللين أن الاتفاق هو أقل ما يكون محاولة لإنهاء القتال في سوريا من أجل تخفيف إراقة الدماء، بما فيه الكفاية للسماح للمزيد من المساعدات الإنسانية إلى المدن المنكوبة مثل حلب.
وقال أندرو جيه تابلر، وهو خبير في سورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "إن سياسة واشنطن المعلنة ليست لإنهاء الحرب السورية"، وأضاف "إنهم يريدون تهدئة نار الحرب السورية قليلاً _ حتى تنضج على نار هادئة، وهي محاولة أخرى لاحتواء الصراع الذي لا يمكن احتواءه".