بلدي نيوز – (خاص)
تتواصل المعارك بين الفصائل المقتتلة في إدلب وحلب لليوم العاشر على التوالي، مع تصاعد حدة الاشتباكات وتوسع رقعتها في مناطق عدة من ريفي المحافظتين، ودخول السلاح الثقيل من دبابات ومدافع على خط المواجهة، والتي يتوقع أن تكون أيامها على خلاف سلسلة الصراعات السابقة والتي كانت فيها "هيئة تحرير الشام" فصيلاً محورياً، مع تعدد الأطراف المقابلة لها في المواجهة.
دأبت "هيئة تحرير الشام" ومن قبلها" فتح الشام وجبهة النصرة" التي يقودها "أبو محمد الجولاني" على اتباع سياسية الابتلاع أو الإقصاء لكل قوة تنافسها في حكم المناطق المحررة، متخذة لكل عملية إنهاء أو إقصاء أو ابتلاع كما يسميها البعض، حجة دامغة تجيش من خلالها إعلامياً وتحشد عسكرياً قبل أن تبدأ مرحلة الاعتداء وتسير الأرتال ضمن المناطق المحررة.
بدأت أولى مراحل الصراع الداخلي في عام 2014 بريف إدلب مع تكتل الفصائل ضد تنظيم "الدولة" وإخراجها من كامل المحافظة، لتغدو "جبهة النصرة" الفصيل المتشدد المرتبط بالقاعدة بالتخطيط لإقصاء منافسيها في السيطرة على المحافظة، فكانت أولى مراحل الابتلاع ضد الجيش السوري الحر مع تنامي قوة "جبهة ثوار سوريا وحركة حزم وألوية الفاروق واللواء السابع"، وصولاً لسلسلة تعديات على الفصائل حتى عام 2016 وإنهاء "جيش المجاهدين" و"تجمع فاستقم كما أمرت".
وفي عام 2017 بدأ الصراع الداخلي يأخذ منحى جديداً مع بدء التصادم مع الفصائل الأقرب فكراً لـ"هيئة تحرير الشام" التي شكلت من فصائل متنوعة بينها من الفصائل المعتدلة كتغير في الشكل والقالب في محاولة لهروب "جبهة فتح الشام" التي شكلت بعد "جبهة النصرة" من شبح الانتماء والارتباط بـ"القاعدة"، والعمل على تسويق نفسها دولياً كفصيل جديد، فكانت المواجهة مع "جند الأقصى" ثم "أحرار الشام الإسلامية".
تغلبت "هيئة تحرير الشام" على أكبر الفصائل في الساحة السورية وهي أحرار الشام في 2017 بعد معارك لم تستمر أكثر من ثلاثة أيام، في حين فشلت في كسر شوكة فصيل "الزنكي" المنشق عنها إبان اقتتالها مع الأحرار وكذلك صقور الشام التي صمدت لأيام في وجه "تحرير الشام"، وخضعت "تحرير الشام" ورضخت لمطالب الصلح والحل السلمي مع استمرار التجهيز لمرحلة جديدة بدأت مؤخراً في 20 شباط 2018 ضد فصيلي "الزنكي والأحرار" المتحدين في "جبهة تحرير سوريا".
تمكن التشكيل الجديد بمساندة من "صقور الشام" في جبل الزاوية من تحقيق تقدم ملحوظ على حساب "هيئة تحرير الشام" التي شهدت تصدعات كبيرة في صفوفها في الآونة الأخيرة من انشقاقات واعتزال والتزام للحياد، فسيطروا على "الفوج 46 وكفرناصح ودارة عزة" وبلدات أخرى بريف حلب، وامتدت سيطرتهم إلى "صلوة وقاح وأطمة وكفرولسين"، ومن ثم "معرة مصرين وحزانو ورام حمدان وتفتناز" بريف إدلب الشمالي، وصولاً إلى "كفرنبل ومعرة النعمان وأريحا" وبلدات ريف إدلب الجنوبي، مع استمرار الصدام في جبل الزاوية، قبل أن تستعيد "هيئة تحرير الشام" في اليوم العاشر من المواجهة زمام المبادرة وتستعيد السيطرة على "معرة مصرين ورام حمدان وترمانين وقاح وعقربات" وصولاً لأطراف دارة عزة.
مصادر عسكرية أوضحت لبلدي نيوز أن "هيئة تحرير الشام" اتبعت تكتيكات عدة في المواجهة الأخيرة والتي لم تكن في حساباتها أن تطول أكثر من المواجهات السابقة، منها سياسة تحييد المدن والبلدات والتي كانت بحسب المصدر ورقة رابحة بيد الهيئة التي قبلت بتحييد البلدات والمدن التي لا تملك فيها ثقلاً عسكرياً بعد تدخل الفعاليات المدنية التي تسعى في كل منطقة لتحييد بلدتها أو مدينتها، وبالتالي تؤمن الهيئة هذه المنطقة لحين الانتهاء من مناطق أخرى لتستأنف الهجوم وتستعيدها.
إضافة لذلك عملت "هيئة تحرير الشام" على سحب قواتها المنتشرة في مناطق عدة في ريفي حلب وإدلب والتي لا تتمتع فيها بثقل عسكري باتجاه ريف إدلب الغربي، ثم قامت بتنظيم تحركاتها وإعادة تسيير الأرتال إلى مدينة إدلب ومن مدن "سلقين وحارم وجسر الشغور" لمعاودة الهجوم وفق خطط تضمن فيها حماية المناطق التي تهاجم منها، كما قامت بزج سلاح المدفعية والدبابات في المعركة، والتي برزت بشكل جلي اليوم في استعادة السيطرة على مدينة معرة مصرين.
وعملت الماكينة الإعلامية لـ"هيئة تحرير الشام" مع آلاف الحسابات المناصرة لها على تجييش المهاجرين من الفصائل الأخرى كـ"التركستان والأوزبك" وبعض التنظيمات الموجودة كمستقلين في المناطق المحررة من المهاجرين لصفها من خلال التجييش لمقتل "أبو أيمن المصري" على حاجز الزنكي، والذي كان شرارة المواجهة، وما تلاه من تجييش عن اعتقال مهاجرين ومهاجرات، تمكنت من سحب فصيل "التركستان" للمشاركة في معارك جبل الزاوية وأريحا، على الرغم من الفتوى التي أرسلها "أبو ذر عزام التركستاني" في تسجيل صوتي يطالب فيه المهاجرين بالتزام الحياد.
وأكثر ما يعيق "هيئة تحرير الشام" ويقوض حركتها في مناطق المواجهة هي النهضة الشعبية الرافضة لدخولها مناطقها والتي اصطدمت معهم بمظاهرات كبيرة خرجت في العديد من المناطق، كما أن الفعاليات المدينة من أبناء القرى والبلدات شاركت في القتال ضد دخول
الهيئة مناطقها والذي أعطى دفعاً لجبهة تحرير سوريا في المواجهة بشكل كبير.
ويرجع أسباب النهضة الشعبية ضد "تحرير الشام" بشكل أوسع في هذا الصراع الحاصل لما لمسه المدنيون في المناطق المحررة من تكرار التعديات لـ"هيئة تحرير الشام" على الفصائل مع تعدد الحجج وتكرار ذات السيناريوهات، إضافة للانسحاب الأخير الذي قامت به الهيئة أمام النظام وإيران في المناطق الواقعة شرقي سكة الحديد وتسليمها دون قتال، علما أنها هي من أخرجت الفصائل التي كانت تتواجد في المنطقة، لاسيما أحرار الشام إبان الهجوم عليها في تموز 2017.
وعززت "هيئة تحرير الشام" قواتها في مدينة إدلب وبلدات الريف الغربي وصولاً لحارم وسلقين وجسر الشغور مع امتدادها للساحل، وبذلك يكون قطاع الحدود كاملاً تحت سيطرتها، ومن جسر الشغور إلى بسنقول وأطراف سهل الغاب المحاذي للقسم الغربي من جبل الزاوية وصولاً لقطاع ريف حماة المتصل، لتكون "تحرير الشام" بذلك قد تملكت السيطرة على نصف المحافظة، وما تبقى هو ساحة صراع مع الطرف الآخر بين كر وفر وتبادل للسيطرة.