EA World View - ترجمة بلدي نيوز
كتب مفكرين مؤثرين جداً "جيمس دوبينز"، "فيليب غوردون"، و"جيفري مارتيني "– مقال "لشركة راند للبحوث" بعنوان "خطة السلام لسورية"، يقترحون فيه أن لا تركز الجهود الدبلوماسية على المدى القريب على قضايا الحكم على الصعيد الوطني، بل على تحقيق وقف إطلاق نار في "ثلاث مناطق آمنة":
واحدة لنظام الأسد، وواحدة للأكراد، وواحدة للمعارضة السورية والرابعة "منطقة حرة" سيستبدل فيها وجود تنظيم الدولة بوجود دولي، وأن التقسيم المؤقت لسورية بهذا الشكل، وفقاً للمؤلفين، يفترض أن يجلب الاستقرار لسورية، مما يعني قبول الدور السياسي المستمر لبشار الأسد.
وقد كان المؤلفين صريحين بأن العديد من السوريين الذين عانوا لما يقرب من خمس سنوات في الحرب، "سيقبلون تقريباً بأي سلام سيكون أفضل من هذه الحرب"، ولكن الكتاب لم يركزوا اهتمامهم على أن الحقد والاستهداف المتعمد للمدنيين هو ما جعل "هذه الحرب" الكارثة الإنسانية الرائدة في القرن الـ21، كما أن وجهة نظرهم لا تسلط الضوء على الدور المهيمن لبشار الأسد ونظامه في إنتاج هذه الهجمات المروعة وآثارها البشعة.
لا لم يفكر الكتاب بذلك، فلقد تطور هذا الصراع إلى "صراع شامل يشترك فيه الجميع ضد الجميع"، كما لو أن استراتيجية البقاء في الحكم التي تنتهجها عائلة الأسد الحاكمة بالكاد تستحق الذكر وهي استراتيجية إنتاج كارثة لسورية ولجميع جيرانها.
في الواقع، واحد من عدد قليل من الأحزاب في سورية الذي سيرفض على الفور صيغة "أي سلام تقريبًا" التي اقترحها المؤلفين، هو نظام الأسد نفسه، ولن يكون نادماً على ذلك على الإطلاق.
يقول المقال: "في هذه المرحلة إذا كان الرئيس الأسد سيبقى أو سيذهب في المدى القريب، فينبغي أن ننظر للنفعية البحتة، وعلى الولايات المتحدة أن تسعى لأي نتائج من شأنها إيقاف القتال بسرعة".
ومع أن هدف المؤلفين ما زال نبيلاً، وهو وقف القتال بسرعة، ولكن النتيجة التي يعتقدون أنها ستوقف بأسرع ما يمكن المذبحة السورية، هي بمعظمها تتكون من البراميل المتفجرة التي يلقيها نظام الأسد على المناطق السكنية المدنية.
فهل وقف إطلاق النار العام من شأنه أن يترك المسؤول عن المجازر في سورية ومن يلقي بالبراميل المتفجرة على الشعب السوري، ليستمر في فعل ذلك في "منطقته الآمنة " التي تمتد من دمشق، حمص، طرطوس، بانياس، واللاذقية، إلى الحدود السورية مع تركيا على ساحل البحر المتوسط، أي على تماس مع مناطق معارضة.
إن ايران سترحب بمثل هذا التوحيد الجغرافي لتأكيد سلطة نظام الأسد، وفي الواقع لن يكون لديها أي مشكلة إن تطورت هذه الخطوط الرسمية لوقف إطلاق النار إلى حدود دائمة وحقيقية، فهذا من شأنه تسهيل وحماية استخدام الأراضي السورية لدعم ميليشيا "حزب الله" في لبنان، حيث تسيطر طهران على لبنان وترهب إسرائيل بترسانة هائلة من الصواريخ والقذائف.
ومع سيطرة النظام على ريف دمشق بالكامل، سيقوم بالاقتصاص من شعبه بهدوء، من الباب للباب، بدلاً من حصارات قد تجلب له عبارات عرضية عن الأسف أو حتى انتقادات من السياسيين الغربيين، وربما تكون دويلة الأسد لا مفر منها، ولكنها لن تأتي من دون عواقب، فهل ستوافق الإدارة الأمريكية على ذلك؟
إن كان هدف المؤلفين هو إيقاف القتال والعنف الذي أنتج الكثير من القتلى واللاجئين فلا حاجة لرسم خرائط، ما هو مطلوب هو أن توقف موسكو وإيران عميلهم عن استهداف المدنيين ورفع الحصار والافراج عن السجناء السياسيين، بدءاً من النساء والأطفال.
سورية ليست بحاجة لاتفاقية سايكس بيكو مماثلة أو لانتداب فرنسي، حيث اللعب بالسياسة على موضوع الطوائف والأعراق لرسم الخرائط والتقسيمات، وكان كوفي عنان على حق في أوائل عام 2012 عندما قال بأن ما يسمى حكومة الجمهورية العربية السورية يجب أن تأخذ زمام المبادرة في حماية المدنيين من الأعمال العدائية المتصاعدة، ومن الناحية العملية، إنها مسؤولية روسيا وإيران أن تسلما العميل الذي لا يزال في سلام تام مع القتل الشامل؛ بل هو شخص يذهب إلى أبعد من ذلك بحيث ينكر وجود براميل متفجرة على الإطلاق.
هل ستكون طهران وموسكو على استعداد لإبعاد الملايين من المدنيين السوريين عن مرمى النيران، ففي الواقع روسيا قد انغمست في حمام الدم السوري بكل حماس، فهل من الممكن ان تغير مسارها في مقابل شيء مختلف كاقتراح المناطق الآمنة الذي اقترحه المؤلفون: دوبينز جوردون- ومارتيني؟ إن إدارة اوباما حرة لتجرب ذلك، ولكن على الرغم من أن إيران قد تقبل بترتيب يربط جزء رئيسي من سورية مع "حزب الله" اللبناني، إلا أن موسكو قد ترغب بأكثر مما في جعبة مؤلفي المقال مقابل العشرين مليون سوري.
يجب على واشنطن، وفقاً للمؤلفين، "التأكيد لموسكو أن نظام الأسد لن ينهار (مصلحة روسية الأساسية) في مقابل وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة وحملة مشتركة ضد تنظيم الدولة، ولكن لماذا تحتاج موسكو أو تريد أي ضمان أمريكي فيما يتعلق بسورية؟ فهل مثلت واشنطن أي تهديد حقيقي لنظام الأسد حتى الآن؟".
وما شكل الضمانات التي تريدها روسيا ؟ تراجع رسمي أمريكي عن تصريحات أوباما عن ضرورة تنحي الأسد، تراجعه عن الخط الأحمر، عبارة "نحن لن نحاول ذلك مرة أخرى" اعتذار عن برنامج "تدريب وتجهيز المعارضة؟ فبعد كل هذه السنوات من التلاعب بالألفاظ، إدارة اوباما تؤكد بكل مصداقية بالتأكيد لروسيا بأن نظام الأسد لن ينهار!
أم بالنسبة للحملة المشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية! فهل من المفترض أن يقوم الملايين من السوريين الذين تكبدوا خسائر لا توصف على يد المجرم الأسد، بالتعاون مع نفس النظام ضد التنظيم وأن يقولوا له "ربما كان ذلك خطأنا"، هذا بالتأكيد اقتراح لا يقدر أبداً حجم المعاناة التي تعرض لها السوريين منذ أذار2011.
إن كانت روسيا بحاجة إلى تأكيد من واشنطن بأن نظام الأسد لن ينهار؟ فتصريح وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" الأخير في موسكو كان ذلك التأكيد، حين صرح أن واشنطن ليست مهتمة في تغيير النظام السوري، ولا شك في أن الروس كانوا قد اطمئنوا وشعروا بارتياح كبير.
في الواقع، بشار الأسد يعيش بالفعل وفقاً "للمعايير السورية" في منطقة آمنة بفضل الطيران الروسي العسكري وميليشيات إيران، فيما تعيش بقية سورية تحت قصف الروس والنظام وإرهاب تنظيم "الدولة".
واضعو هذا المقال المدروس جداً، قد فعلوا شيئاً قلما يحاول أحد آخر فعله فقد عرضوا وسيلة محتملة للمضي قدماً بالنسبة لسورية وهم يستحقون الشكر على ذلك، ولكنهم عرضوا شيئاً قد حصلت روسيا وإيران عليه، فهما لا يحتاجان إلى ضمانات فلقد خلقوا منطقة آمنة لعميلهم وكم سيكون مساحتها في نهاية المطاف سيتوقف ذلك على كم القتل والذبح بحق السوريين!
لا شيء جيد قد ينتج في سورية طالما أن المدنيين هم هدف النيران، كما أنهم ليسوا بحاجة لخرائط مرسومة بناء على الطوائف والعرقيات، ولا بإعطاء ضمانات لمجرمي الحرب، المطلوب هو دبلوماسية دؤوبة تدعمها قوة حقيقية، وبوجود إدارة ترسم خط سياسي إن لم يكن إنسانياً لحماية المدنيين السوريين، وطالما أن المدنيين هم الأهداف الرئيسية للأسد ولديه كل العوامل المساعدة الخارجية، فلن يكون هناك أي تقدم باتجاه السلام في سورية.