بلدي نيوز – (كنان سلطان)
عاشت مدينة "مبنج" في الريف الشرقي لحلب، شمال سوريا، خلال هذا الأسبوع، ثورة على سلطة الأمر الواقع، التي فرضها "حزب الاتحاد الديمقراطي" الذي مارس انتهاكات فظيعة بحق أهالي هذه المدينة، تجلت اعتقالات وخطفاً وتصفية جسدية وفرض تجنيد على شبانها.
جملة الأسباب الموضوعية والذاتية هذه، وما سبقها من ممارسات، لا تخرج عن دائرة العنف والاستبداد بوصفهما يسمان سياسة هذه السلطات التي اتخذت من محاربة الإرهاب وسيلة للوصول إلى هدفها في السيطرة على المنطقة، التي تعد ممرا لابد منه للوصول إلى الشكل النهائي لمشروعها.
تفيد هذه التطورات؛ بأن ثمة ثورة مضادة تعيشها المدينة، حيث خرج أهالي مدينة "منبج" وفعاليات مجتمعية، في تظاهرات، ونفذوا إضرابا اليوم الأحد، ولعل أبرز مطالبهم تمثلت بالمطالبة بخروج قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من مدينتهم.
ونقل عن أهل المدينة المنتفضة، بأن إضرابهم واحتجاجاتهم جاءت بناء على خلفية ما تعرضوا له من انتهاكات قامت بها قوات سوريا الديمقراطية بحق الأهالي، والتجنيد الإجباري الذي تفرضه على أبنائهم "فتيان وفتيات" على حد سواء، وهو يخالف أعرافاً درجت عليه عشائر المنطقة.
عشائر منبج ومن أبرزها "الجريات والبوبنا"؛ اجتمعت يوم السبت الفائت، وخرجت بمقررات تبدو في غاية الأهمية، في ظل الهيمنة المسلحة المطلقة التي تفرضها "قسد" عليهم، تمثلت بضرورة الكشف عن مصير أبنائهم "المغيبين" من أي جهة كانت، وتسليم الجناة الذين قاموا قتل أبنائهم، وتغيير جهاز الاستخبارات بالكامل، فضلا عن هيكلة المجالس التشريعية لأنها لا تمثل الشعب في منبج، وفق ما تراه عشائر المدينة وريفها، وتفعيل دور العرب ومشاركتهم في إدارة منطقتهم.
وتشمل مطالب ثورة أبناء "منبج" تغيير المجلس التنفيذي التابع لـ "قسد" ،ومنع تحويل أي سجين من منبج إلى أي منطقة كانت، ومنع الاعتقالات العشوائية دون موافقة من المحكمة التي طالبت العشائر بتغيير أعضائها بسبب فساد أركانها.
تطورات بالغة الأهمية تعيشها مدينة "منبج"، في وقت شديد الحساسية، لجهة التحركات التركية التي بدت أكثر جدية من أي وقت مضى، وبشكل خاص عقب تصريحات الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" قبل أيام، تحدث فيها عن نية بلاده توسيع مروحة عملياتها، لتشمل مدينة "منبج" إلى جانب "عفرين".
وقال "أردوغان" أمام الكتلة البرلمانية لحزبه "ليس عليكم أن تشكوا أبداً، قد نأتي في أي ليلة فجأة، كما قمنا في ليلة دون إنذار بتوجيه الضربات، نقوم اليوم عبر العمليات في إدلب بإسقاط الجناح الغربي للممر الإرهابي، إن لم يقم الإرهابيون بتسليم أنفسهم في عفرين سنقوم بهدمها على رؤوسهم".
وأضاف "وإن لم يتم الالتزام بالوعود التي تم قطعها لنا في منبج، عندها سننهي الأمر بأيدينا، لن يتجاوز الأمر الأسبوع كي يروا ماذا سنفعل، سنستمر في نضالنا حتى لا يبقى أي إرهابي".
وكانت تركيا تلقت وعودا بسحب قوات "ب ي د" من منبج؛ بعد القضاء على تنظيم "الدولة"، وهذا ما لم يحصل، بل على العكس، تلقت هذه القوات مزيدا من الدعم العسكري والسياسي، وشهدت زيارات مكثفة من قبل شخصيات بارزة في التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، وهذا ما زاد من القلق التركي إزاء تحركات تراها تركيا ورقة خطيرة، تهدد أمنها القومي.
وفي رد هو الأول بشكل رسمي، عقب الاحتجاجات والإضراب الذي شهدته "منبج" قال (شرفان درويش) الناطق باسم "مجلس مدينة منبج العسكري"، التابع لقوات سوريا الديمقراطية، إن "المجلس لن يقبل أن يعيث بعض شذاذ الآفاق فسادا في منبج، وإن المجلس له الحق في قطع دابر الفتنة"، على حد وصفه.
تجدر الإشارة إلى أن القوات التركية المتمركزة على حدود "عفرين" من الجانب التركي، وجهت ضربات مدفعية باتجاه مواقع الاتحاد الديمقراطي، وكانت وصلت إلى المناطق الحدودية تعزيزات كبيرة لدعم القوات التركية المرابطة على حدود ولاية "هاتاي" تمهيداً لعمل عسكري.
واستهدفت أيضا المدفعية التركية المتمركزة في منطقتي "الريحانية وقرق خان" وفي محافظة إدلب السورية، مواقع حزب الاتحاد الديمقراطي في منطقة "عفرين" بنيرانها ترجمة للتهديدات التي أطلقها الرئيس "أردوغان".
وسيطرت قوات سوريا الديمقراطية على مدينة "منبج" منذ مطلع عام 2016، بدعم من التحالف الدولي، وفرضت على السكان سياسة قمعية ومارست انتهاكات كان آخرها عمليات خطف وقتل بحق شبان، كانت هي الشعلة التي أطلقت "ثورة منبج الثانية".