بلدي نيوز - (تركي مصطفى)
أنجزت أنقرة تثبيت نقاط تواجدها العسكري في جبل الشيخ بركات بالقرب من بلدة دارة عزة في الشمال السوري، وفق اتفاق "تخفيض التصعيد" المقر خلال محادثات آستانة، على أن تستكمل كخطوة ثانية توزيع نقاط تمركزها العسكري في مدينة ادلب وباقي المناطق المحررة.
وكانت تركيا دخلت مثلث أعزاز، الباب، جرابلس، في العام الماضي، بعد أن أطلقت عملية "درع الفرات" لدحر تنظيم "الدولة" من تلك المنطقة.
ومهدت للعملية الثانية، بعد وصول وفود استطلاعية أجرت محادثات مع "هيئة تحرير الشام" للتنسيق والتعاون في تنفيذ مقررات آستانة، مصحوبة بحشود عسكرية ضخمة على الحدود الإدارية مع محافظة ادلب، دخلت منها 40 مدرعة وآلية عسكرية انتشرت من الشيخ بركات شرقا، وحتى قرية صلوة غربا، وذكرت مصادر تركية، أن قواتها بدأت في إنشاء نقاط مراقبة داخل منطقة "تخفيض التصعيد" في منطقة إدلب، التي تم الاتفاق عليها في خلال محادثات أستانا. وأوضحت المصادر أن هذه هي المرحلة الأولى من الانتشار، الذي سوف يشمل لاحقاً نقاطا في عدة مواقع في ريفي حلب وإدلب نحو الجنوب، على أن يستكمل بداية تعزيز النقاط في محيط عفرين بشكل تدريجي.
وتمثل هذه النقاط المشاطرة لميليشيا "ب ي د" في سهل عفرين، عمقا تكتيكيا للقوات التركية يرتبط مصيرها بمصير الفيدراليات الحدودية، كما تشكل العمق الإستراتيجي للمدن التركية الأكثر ثقلا وأهمية، والواقعة إلى الخلف من منطقة عفرين، "كلس، وغازي عينتاب، وإصلاحية، والريحانية" وغيرها من المناطق ذات الأهمية المتنوعة عرقيا.
وفي هذا الإطار اختارت أنقرة أولى نقاط تثبيت قواتها في أعلى قمة تشرف على منطقة عفرين، في خطوة استكمال تسوير عفرين عسكريا، وتشديد الخناق الاقتصادي عليها مما سيزيد من وضع ميليشيا "ب ي د" سوءا، وبالأخص حين تكون هدفا تاليا لمجاميع المعارضة السورية، عندها ستضيق مساحة الأرض تحت أقدام الميليشيا الكردية، وتعتبر مهددة تماما.
اضطرت الميليشيات الكردية إلى توزيع وتنظيم قواتها بنقل العدد الأكبر منها إلى المنطقة المحررة المحاذية، بينما رفع درع الفرات المتمركز في أعزاز من جاهزيته، بهدف قطع خطوط تموين الميليشيات المهددة لاحقا بالتحركات العسكرية التركية، عبر ثلاثة محاور، الأول معبر قلعة سمعان، والثاني منطقة آطمة، والأخير أعزاز، وسيكون أكثر المحاور أهمية محور "منغ - دير جمال"، أي شريط القرى العربية التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية، وإذا ما حدث أن توغل درع الفرات في عمق هذا المحور سيتصل بنقطة قلعة سمعان، وبذلك يستكمل تطويق ميليشيا "ب ي د" في عفرين.
قبل هذا سيعمل الأتراك على إنهاك نقاط الاستناد التي تعتمد عليها دفاعات "ب ي د" من خلال التنكيل بها على طول محور السور العسكري الذي تعمل على إنشائه.
من هنا، يبدو أن خيار الحسم العسكري لتقرير مصير عفرين بات راجحًا، وفقا للاستراتيجية التركية، وما تعرضه من مبررات فضلا عن الغاية من التدخل التركي العسكري المتمثلة بدحر التهديدات الأمنية عن عمقها القومي، سواء بخيار القوة العسكرية، أو بالخيار السياسي، الذي لا يتعارض مع الأهداف التركية المعلنة، سواء في دعمه لعملية درع الفرات، أو تنسيقه مع هيئة تحرير الشام في تموضع القوات التركية وجها لوجه مع ميليشيا "ب ي د".
في ظل هذه الخيارات تجدر الإشارة إلى أن الجيش التركي لن يتولى وحده تنفيذ سيناريو التخلص من تهديد ميليشيا "ب ي د" الإنفصالية، فهنالك ما يشير إلى مشاركة متوقعة لتشكيلات فصائل المعارضة السورية المسلحة التي سيوكل إليها مهام معينة في سياق الهجوم البري، وهذا يتوقف على مدى نجاح أنقرة في المواءمة بين أطراف الفصائل السورية المتنوعة الرؤى.
ومن المرجح أن تعمل موسكو على مقايضة أنقرة في ادلب وعفرين كما فعلت سابقا في حلب، عندما قايضتها بشريط جرابلس - أعزاز، ولكن هذه المرة سيكون الثمن مرتفعا فيما لو تدخلت واشنطن للحؤول دون وقوع عفرين خارج دائرة حلفائهم مما يعتبر تفريطا بحمايتهم، لذلك ستطالب بوضع عفرين تحت سلطة "ب ي د" لفترة محدودة تقتضيها خطة معينة تتحول عفرين بمقتضاها لعبء ثقيل على الميليشيا الكردية، ويصبح استمرار التمسك بها غير ذي جدوى.
ومن المهم الإشارة إلى البيان الصادر عن نظام الأسد الذي اعتبر دخول القوات التركية إلى سوريا، انتهاكا صارخا للقانون والأعراف الدولية، يأتي هذا البيان من باب رفع العتب وفق السياق العام لشعارات المقاومة الزائفة.
وبالتالي تنتظر ميليشيا "ب ي د" في عفرين سيناريوهات مختلفة أحلاها أمر من الآخر.