بلدي نيوز - (ميرفت محمد)
تتابعت تطورات عدة في الأيام الماضية على صعيد العلاقات الأردنية السورية، وقال الناطق باسم الحكومة الأردنية (محمد المومني) أن عملا عسكريا داخل سوريا قد يتم في حال اضطرار بلاده لحماية حدودها، بينما رد وزير خارجية النظام (وليد المعلم) بالقول أنه "سيتم التعامل مع القوات الأردنية على أنها معادية في حال تخطيها الحدود دون تنسيق مع النظام".
هذه التطورات تخطت حدود التصريحات، إذ أعلن الجيش الأردني الأحد الماضي انطلاق تدريبات "الأسد المتأهب"، بمشاركة أمريكية وعربية، تحت يافطة تبادل الخبرات العسكرية على مكافحة الإرهاب وعمليات أمن الحدود والإخلاء، لذلك لا يستبعد المراقبون التدخل العسكري الأردني في الأراضي السورية، خاصة أنه تدخل سيأتي وفق منظومة دولية تحجب مسألة حساسية هذا التدخل.
تدخل أردني ضمن تحرّك دولي وإقليمي
منذ بداية الثورة السوريّة عام 2011 كان الأردن يراقب الأحداث بتمعّن ودقّة شديدين، حيث تأثرت المملكة، بحكم الجوار، بتبعيات الوضع السوري، من ناحية نزوح مئات الآلاف باتجاه الحدود الأردنية، ودخول الكثير من الجهاديين الأردنيين إلى سوريا، ومع تطور الأمور إلى صراع مسلّح في المناطق الحدودية، تحوّلت الأردن إلى مركز منظّم لمتابعة مآلات الحرب، وتم إنشاء ما بات يعرف بـ"الموك" وهي غرفة عمليات تضم العديد من أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية، تدير وتوجّه فصائل المعارضة المتواجدة في الجنوب السوري.
يعتبر الكاتب والصحفي السوري (رامي زين الدين) أنّ العلاقة بين سلطات البلدين (دمشق وعمّان) أخذت شكل المهادنة، فلم تقم الأردن بالتصعيد مع الجانب السوري أو العكس، باستثناء بعض الإشكالات البسيطة التي تم احتواءها سريعاً.
ويرى (زين الدين) في حديث لبلدي نيوز أنه بعد اتفاق الدول الضامنة (روسيا، تركيا، إيران) على إنشاء ما سمّي بـ"مناطق خفض التوتر"، وظهور مؤشرات على إجماع دولي لإيقاف الحرب في سوريا، يمكن النظر بجدّية إلى دور مرتقب للحشود العسكرية على الحدود، من قبل تركيا شمالاً، والأردن جنوباً، وبالنسبة للأخيرة، يمكن الجزم –حسب (زين الدين)- بأن أي تحرّك عسكري أردني مرتقب سيكون ضمن تحرّك دولي وإقليمي، لا سيّما أنّ للولايات المتّحدة الأمريكية دور نافذ في "الموك".
ويوضح (زين الدين) أنه يمكن حصر الدور الأردني العسكري باحتمالين، الأول هو الدخول إلى العمق السوري جنوباً، وهو ما يتوافق نسبياً، مع الحديث الدائر عن نشر قوات "شرطة عسكرية" للفصل بين القوى المتصارعة، وللأردن مصلحة كبيرة في ذلك، درءاً لأي فوضى قد تحصل في حال حدوث تغيير سياسي مفاجئ. والسيناريو الآخر وهو الأكثر ترجيحاً، بالنظر إلى الانضباط الذي تتمتع به فصائل الجنوب المحسوبة على "الموك"، يتمثّل بحشود عسكرية أردنية على الحدود، تأخذ حالة الاستنفار في حال دعت الحاجة للتدخل. مع استمرار "الموك" بإدارة الشؤون الأمنية والعسكرية في الجنوب.
ويضيف (زين الدين) أنه "بالنسبة للنظام السوري، فإنه، وفق المعطيات الدولية الحالية، ووجود حليفيه الروسي والإيراني كضامنين لاتفاق "مناطق خفض التوتّر"،أمام خيارين، إما الانصياع التام لأي اتفاق، وهو أساساً في وضع لا يسمح بالرفض، وإما التمرّد وهذا مستبعد، لافتقاره لأي عناصر قوّة".
معركة (درع اليرموك)
لا يمكن فصل الحديث عن التحرك الأردني في جنوب سوريا بعيدًا عن زيارة ملك الأردن لواشنطن واتفاقه مع الرئيس الأمريكي (رونالد ترامب) على إنشاء مناطق آمنة، كما أن تواجد قوة مدعومة أمريكيًا وبريطانيًا ومنظمة ومدربة ومسلحة تجعل النظام السوري يشعر بالخطر.
لذلك يؤكد الباحث السياسي السوري ومدير مركز الجمهورية للدراسات وحقوق الإنسان (ميسرة بكور) أن التحركات السابقة جنوب سوريا، بمشاركة أمريكية وبريطانية، مع إعلان رئيس وزراء العراق عن بدء عملية السيطرة على الحدود العراقية السورية، أمر يرعب النظام السوري، ففي وقت يحاول فيه هذا النظام السيطرة على (حي المنشية) بهدف فتح منفذًا تجاريًا مع الأردن للتخفيف على اقتصاده المحتضر, يفاجئ بالتهديد الأردني، لذلك يعتقد (بكور) أن هناك الكثير من الأسباب التي تدعو النظام السوري لمزيد من القتل تحسبًا وتوجسًا لتدخل عسكري محتمل جنوب سوريا ربما تشارك في بريطانيا وأمريكا ودول عربية، وهو ما دفع النظام لرفع الصوت عال اتجاه الأردن ونظامه السياسي، مضيفًا لبلدي نيوز "لو تحقق هذا التدخل أو التحرك من قبل عمان لإنشاء منطقة آمنة في الجنوب تحت عنوان درع اليرموك، على غرار درع الفرات التركية، سيشعر الأسد بمزيد من القلق، خاصة أنه قد يخسر الحدود مع العراق التي تسيطر عليها تنظيم الدولة".
ويؤكد (بكور) على أن الأردن تمتلك أوراق كثيرة تضغط بها على النظام السوري، منها جيش العشائر الذي تدعمه وتدربه في عمان، وغرفة عمليات (الموك) التي تتحكم بها الأردن، وهي الغرفة التي وصلت قواتها منذ عامين تقريبًا إلى مشارف الغوطة الغربية وتحديدًا مثلث الرعب، قرب داريا، وكادت أن تفك الحصار عن الغوطة الغربية لولا التوافق مع النظام الروسي.
إسرائيل أكثر من مراقب
من منطلق الحفاظ على أمن واستقرار الأردن كما تقول السلطات الأردنية، تُجرى الآن على الحدود بين الأردن وسوريا تحركات أميركية وبريطانية وأردنية وصفت بالضخمة، تواجدت كتائب دبابات بريطانية ثقيلة من نوع (تشالنجر) مع 2300 مسلح وعدد من الطائرات المروحية من طرازي (كوبرا) و(بلاك هوك)، وتقول مصادر مطلعة أن قرابة 4000 مسلح ممن دربوا في الأردن موجودون في منطقة التنف داخل الحدود السورية.
دلالة تواجد هذه التحركات تخطت احتمال اقتصار التدخل الأردني على ما هو لوجستي واستخباراتي في سوريا، لذلك المحلل السياسي (جميل عمار) يؤكد أن دخول الأردن مرهون بالضوء الأخضر الأمريكي مع وحدات سعودية وأمريكية لعمل حزام امني أو منطقة محظورة تمنع إمكانية تسلل عناصر (تنظيم الدولة) إلى الأردن.
ويؤكد (عمار) خلال حديثه لـبلدي نيوز على أن النظام السوري لن يكون لديه أية رد فعل، ويصف ما يفعله الآن بـ"جعجعة إعلامية"، مشيرًا إلى أنه عندما تدخل قوات أردنية سيقوم طيران التحالف و الطيران الإسرائيلي بتغطية جوية، فإسرائيل –حسب عمار- في الجنوب السوري ستكون أكثر من مراقب حال اتخذ الأردن قرار التدخل العسكري في سوريا.