جورسليم بوست-(ترجمة بلدي نيوز)
تعتبر موسكو حليفاً وثيقاً لنظام الأسد ، وتسعى إسرائيل إلى ضمان الهدوء على حدودها الشمالية، فقد شنت اسرائيل غارة جوية على سوريا ليلة الخميس الماضي تهدف الى منع نقل الاسلحة المتقدمة الى حزب الله.
وقد طُلب من السفير الاسرائيلي غاري كورين الذي قدم وثائق تفويضه في 16 اذار الماضي، أن يلتقي بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في اليوم التالي لبحث الحادث.
وقد فسر السوريون ذلك على أنه رسالة إلى إسرائيل بأن "حرية انتهاكاتها في سورية قد انتهت"، لكن نتنياهو ورئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي غادي ايسنكوت أكدا مجدداً ان اسرائيل ستقصف أي شحنات لنقل الاسلحة.
والحقيقة هي أن قرار أيلول 2015 بالعمل على منع أي تعارض عسكري بين روسيا واسرائيل في سورية والتنسيق فيما ينهما، قد نجح بشكل جيد بين البلدين ، ويؤكد الروس أنهم راضون عن العلاقات العسكرية بين إسرائيل وروسيا. فهم يفهمون الخطوط الحمراء الإسرائيلية المتعلقة بإيران وحزب الله في سوريا، تماماً كما تتفهم إسرائيل وجود خط أحمر روسي يتعلق بالنظام السوري وقواته!
وكان اجتماع كورين وبوجدانوف ، والذي تم تصويره في بعض الدوائر على أنه بسبب أزمة بين البلدين ، قد أوضح أن العلاقات سلسة بين البلدين ورغبتهما بأن لا يحدث سوء فهم بينهما !
ولم تكن يوماً العلاقات بين اسرائيل وروسيا ودية هكذا فقبل عدة عقود لم تكن هناك أية علاقات بين اسرائيل والاتحاد السوفييتي – بل كان الاتحاد واحد من أكثر خصوم الحرب الباردة والذي ساعد وحسن علاقاته مع الأنظمة المعارضة لإسرائيل ولكن السنوات الأخيرة قد شهدت تحولاً مثيراً في هذه العلاقات !
يقول أليكسي دروبينين، نائب رئيس البعثة في السفارة الروسية في تل أبيب، في حديث له هذا الأسبوع: "شهدنا العام الماضي الحوار السياسي الأكثر كثافة في التاريخ بين القدس وموسكو.
"وقد سافرت وفود رفيعة المستوى ذهاباً وإياباً عام 2016، بما في ذلك زيارتي نتنياهو وزيارة رئيسة مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفينكو إلى إسرائيل، ويبدو أن هذا العام يشهد بداية ميمونة على هذه العلاقات أيضاً" .
وأضاف: "بالنسبة لنا، إسرائيل شريك مهم في الشرق الأوسط. لماذا ا؟ لأننا نعتقد أن إسرائيل اقتصاد نابض بالحياة، دولة قوية، وخاصة إذا قارنتها مع بعض الدول الأخرى في هذه المنطقة التي تم إضعافها على مدى السنوات الماضية. ونحن نعتقد أن لدينا الكثير من الإمكانات للاستفادة في السنوات المقبلة من إسرائيل في المجالات السياسية والتقنية والاقتصادية، وبالمقابل روسيا لديها الكثير من الأشياء التي تستطيع تقديمها .
كما أردف بأن لدى البلدين علاقة واضحة ومفتوحة حول الخلافات بين الدول، مثل العلاقة بالقضية الفلسطينية، وهي علاقة يستمع فيها كل طرف إلى الآخر.
واضاف "اننا نحترم المصالح الامنية الوطنية لإسرائيل ونأخذ في الاعتبار مصالح روسيا في المنطقة، وهذا يسمح لنا بتجنب سوء الفهم فيما يتعلق بنوايا الطرف الآخر والتغلب على الخلافات ".
ولروسيا علاقات تاريخية مع الشرق الأوسط، بما في ذلك العديد من الأديرة التي يحج إليها المسيحيين الأرثوذكس، كما لدى العديد من الإسرائيليين أيضاً أصول في الأراضي الناطقة بالروسية، ليس فقط قبل عام 1948 ولكن أيضاً منذ التسعينيات، عندما وصل مليون ناطق باللغة الروسية إلى منطقة "عاليا" في اسرائيل .
دوبرينين، الذي خدم في السفارة الروسية في أوائل عام 2000 ، وصف هذه العلاقات بـ "الجسر الحي" وأشار بكل فخر إلى أن 200.000 يهودي قتل من أجل الاتحاد السوفييتي ضد خطر النازية ، وان اسرائيل الدولة الوحيدة خارج الكومنولث (الدول المستقلة ) التي تحتفل بيوم النصر".
ويعيش أعداد كبيرة من قدامى المحاربين اليهود في "الحرب الوطنية العظمى" في إسرائيل، ويحصل 40،000 إسرائيلي على استحقاقات التقاعد. وهناك اتفاق جديد سيخول المواطنين في عهد الاتحاد السوفياتي السابق للحصول على هذه الفوائد.
وهناك أيضاً حديث عن العلاقات الاقتصادية المتزايدة مع روسيا، حيث أضاف: "نريد ان تستخدم التكنولوجيا الاسرائيلية لتعزيز الاقتصاد الروسي مثل الزراعة والتكنولوجيا المتقدمة، وروسيا لديها ما تقدمه في مجال الطاقة ".
وتود روسيا أن تؤسس إسرائيل منطقة تجارة حرة مرتبطة بالاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والتي تعد روسيا عضواً بارزاً فيها.
وأحد الجوانب الفريدة للعلاقة بين إسرائيل وروسيا هو العلاقة الشخصية بين بوتين ونتنياهو، والمبنية على الثقة الشخصية ، فعلى الرغم من أن نتنياهو في اسرائيل غير قادر على التعامل مع قضايا كثيرة ، إلا أنه يعتبر في موسكو شخصاً موثوقاُ به !
فقد حول نتنياهو السياسة الإسرائيلية خلال سنوات أوباما لصالح زيادة الاتصالات مع الدول غير الغربية مثل الصين. وروسيا، التي واجهت علاقات صعبة مع دول الاتحاد الأوروبي منذ فرضها عقوبات عليها عام 2014، كما تدهورت علاقاتها مع إدارة أوباما بشكل كبير العام الماضي .
و ترى إسرائيل سياستها على أنها توازن في علاقاتها مع الغرب مع تعزيز البراغماتية مع موسكو. ولكنها تجد نفسها في معضلة جديدة، فمع دونالد ترامب في البيت الأبيض والذي ينظر إليه على أنه مؤيد لروسيا، يمكن لإسرائيل أن تتفتح علناً بعلاقاتها مع الإدارة الأمريكية، ولكن بعد أن ينظر إليها من قبل الديمقراطيين الأميركيين كجزء من المدار الروسي.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن الصلة الروسية ضرورية في الشرق الأوسط الحالي- فروسيا هي اللاعب المهيمن في سوريا، وبشكل عام، في الشرق الأوسط تعتبر روسيا لاعب قوي على نحو متزايد، في مقابل السياسات الغير منتظمة من واشنطن. والعلاقات مع موسكو ضرورية للحد من التهديد الإيراني على مرتفعات الجولان والتأكد من أنه إذا شن النظام السوري هجوماً على الجولان، فإن حزب الله لن يسيطر على القنيطرة.
وتميل روسيا إلى اتخاذ وجهة نظر طويلة تتعلق بسورية وإيران والفلسطينيين- فبالنسبة للقضية الفلسطينية، ليس هناك تسرع للتوصل الى اتفاق، ولا يزال خيار المناقشات بين نتانياهو وعباس في موسكو مفتوحاً.
أما في سوريا، فسيستغرق الأمر سنوات ليحل الاستقرار في البلاد، وفي المحادثات في أستانا ، أظهرت سورية مرونة فيما يتعلق ببعض الجماعات المعارضة.
وروسيا التي تعد من الدول الموقعة على خطة العمل الشاملة أو "صفقة إيران" لعام 2015، تؤكد أن طهران لها الحق في الطاقة النووية السلمية.
وفي حين ترى إسرائيل المخالب إيرانية تنتشر في جميع أنحاء المنطقة، تميل روسيا إلى اعتبار التطرف الإسلامي السني تهديداً أكبر، ومن هذا السياق تعتبر روسيا إيران نظاماً أكثر عقلانية، في حين أن الجهاديين السنة ينشرون الفوضى والإرهاب، بما في ذلك الإرهاب الذي أثر على روسيا في القوقاز.
وبالتالي ... كيف تدير إسرائيل وروسيا علاقتهما هو ما سيحدد القضايا الرئيسية في المنطقة، ومن المرجح أيضاً أن يسلط الضوء على محاولات إسرائيل لبناء سياسة خارجية تقوم على علاقات أقوى مع دول خارج المدار الأمريكي !