بلدي نيوز - (عبدالعزيز الخليفة)
تتسابق ثلاث قوى محورية في المنطقة للسيطرة على مدينة الرقة وانتزاعها من قبضة تنظيم "الدولة"، حيث قالت تقارير إعلامية إن كلاً من تركيا ورسيا والأكراد قدموا إلى الإدارة الأمريكية بقيادة "ترمب" خططهم للسيطرة على الرقة، وبقصد تعزيز فرص الأطراف المتنافسة بالحصول على الدعم الأمريكي لخططه، يتسابق الجميع على تحسين وضع قواتهم على الأرض، قبل انتهاء وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) من تقديم الخطة التي طلبها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قبل نحو شهر.
فتحاول تركيا الانتهاء من معركة مدينة الباب ضد تنظيم "الدولة" والتي أطلقتها وتدعم فيها فصائل الجيش السوري قبل نحو ثلاثة أشهر، بأسرع وقت ممكن للتفرغ لمعركة الرقة، وقد قدمت أنقرة إلى واشنطن خطة عسكرية لتحرير الرقة بمشاركة دول عربية منضوية في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة"، بالتزامن مع إعلان "الجبير" أمس عن استعداد السعودية لإرسال قوات إلى سوريا، خلال زيارة مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (مايك بومبيو)، ثم بُحثت تفصيلاً في قاعدة أنجرليك، بين قائد الجيش التركي (خلوصي آكار) ونظيره الأميركي (جوزيف دانفورد).
وحسب صحيفة "حرييت" التركية، فإن أنقرة تفضل خطة تدخل بموجبها قوات تركية وأميركية خاصة والجيش الحر، إما من تل أبيض الحدودية عبر إقناع واشنطن للأكراد بفتح طريق بعرض 20 كيلومتراً وطول مئة كيلومتر، من تل أبيض إلى الرقة، أو من مدينة الباب إلى الرقة بعملية تمتد أكثر من مئتي كيلومتر.
لكن مصادر أخرى أشارت إلى وجود طريق ثالث للتوغل التركي من جرابلس إلى الرقة بعمق يزيد على مئة كيلومتر.
وتقابل هذه الخطة بتحفظ روسي، واعتراض نظام الأسد وإيران، وقدمت هذه الأطراف عبر موسكو عرضاً ثالثاً، بتقديم دعم لقوات النظام وحلفائها، بالانتقال من جنوب شرقي الباب ومن تدمر بغطاء جوي روسي إلى الرقة، إضافة إلى تقدم هذه القوات من دير الزور "بعد سيطرة النظام والروس عليها"، حيث تسعى قوات النظام لفرض وجودها في ريف حلب الشرقي دعما لخطتها، فقد سيطرت خلال شهر كانون الثاني الماضي على 47 قرية وبلدة ومزرعة وتلة بنواحي مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، وتحاشى جيش النظام الاصطدام مع قوات "درع الفرات".
وبعد وصول قوات النظام إلى مسافة تقارب 2 كيلومتر جنوب المدينة، توقفت، لكنها واصلت التمدد بعد شهر على إطلاق عمليتها العسكرية بريف حلب الشرقي، شرقًا على طول الضفة الجنوبية لأوتوستراد الباب - الرقة، من غير عبوره شمالاً.
في حين لا يبدو تحرك قوات النظام بشكل مستقيم باتجاه محطة مياه الخفسة، بهدف تأمين المخزون المائي لحلب كما أعلن في وقت سابق، بل يتعداه إلى قطع الطريق على "درع الفرات"، فيما لو وافقت الإدارة الأميركية على مقترحات أنقرة المشاركة في الحملة على محافظة الرقة.
وتتضمن المقترحات التركية، الانتقال بعد الباب إلى بلدات مسكنة ودبسي عفنان، ومن ثم إلى مدينة الطبقة ومنها إلى الرقة.
وعن خطط النظام، يؤكد المحلل العسكري (عبدالناصر العايد)، إن احتمالات التصادم قوية جدا بين النظام ودرع الفرات في حلب خلال الطريق إلى الرقة، إذا ما قررت الأخيرة التوجه إلى الرقة من منطقة الباب، مرجحا أن تدخل فصائل درع الفرات المدعومة من تركيا من طرق أخرى.
وأوضح (العايد) في حديثه لبلدي نيوز، أن تركيا تريد التقدم إلى الرقة بشكل خاص من منطقة تل أبيض أو جرابلس، أو منبج، لكن كل هذا السيناريوات قد تعني الصدام مع الأكراد، ما يحتاج إلى الحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة التي تدعمهم.
وأشار "العايد" إلى أن النظام جاهز الآن للذهاب إلى الرقة من منطقة دير حافر، كما أن الأتراك جاهزون لذات المعركة ويستطيعون التحرك باتجاهها، وبطبيعة الحال الأكراد هم الأقرب إليها، لافتا إلى أن الجميع قد يتحرك نحو الرقة بنفس الوقت من موقعه، في حال وافقت الولايات المتحدة الأمريكية، أما يتعاونوا بشكل مباشر بالمعركة فهذا مستحيل.
بدوره، قال القائد في (فرقة الحمزة) التابعة لدرع الفرات (عبد الله حلاوة) لبلدي نيوز: "في حال وصلت قوات النظام إلى محطة مياه الخفسة، ففصائل درع الفرات لديها طرق أخرى للوصول إلى الرقة؛ عبر طرد (قسد) من منبج، ومن ثم التحرك عبر منفذ جسر قره قوزاق، أو سد تشرين، وكل الخيارات مفتوحة للتحرك حينها".
في حين يتضمن عرض ميليشيات "قسد" قيام البنتاغون على تدريب ودعم حوالى ثلاثين ألفاً من ميليشياتها، استعداداً لبدء معركة الرقة، وسط اعتقاد واشنطن بأن الأكراد هم "الأكفأ في قتال تنظيم الدولة، وأن تقدم درع الفرات بدعم الجيش التركي في تحرير الباب كان بطيئاً"، إضافة إلى عدم رضاها عن التنسيق بين الجيشين التركي والروسي في الباب، الذي قد تتخذه ذريعة لعدم القبول بالمشاركة التركية في معركة الرقة.
فقد ظهر خلاف بين واشنطن من جهة، وأنقرة ودول عربية من جهة ثانية، حول دور ميليشيا "وحدات حماية الشعب" الكردية في عملية تحرير الرقة، وحول من يتسلم إدارة المدينة بعد تحريرها، إذ أن أنقرة ترفض أي دور للميليشيات الكردية، وتؤكد أهمية تحرير الرقة بواسطة مقاتلين عرب وتسليمها إلى أهلها، كما حصل في مدينة جرابلس لدى دعم تركيا فصائل درع الفرات.
قسد التي تقودها الميليشيات الكردية استبقت الأحداث وأعلنت عن المرحلة الأولى من عملية "غضب الفرات"، الهادفة إلى عزل الرقة عن ريفها الشمالي في 6 تشرين الثاني الماضي. وبدأت المرحلة الثانية في 10 كانون الأول وشملت الريف الغربي، فيما أعلن عن المرحلة الثالثة في 4 شباط، وتشمل الريفين الشمالي الشرقي والشرقي للمدينة، بحيث تعزل المدينة في غضون شهرين أو ثلاثة.
من جهته يؤكد الصحفي السوري (فراس محمد) من مدينة جرابلس، أن العلاقة بين تركيا والإدارة الأمريكية الجديدة، آخذة بالتحسن، موضحا أن هناك معطيات على الأرض لتحسن العلاقات بين البلدين، تجلت بزيارة مسؤولين أمريكيين إلى تركيا للتباحث حول ملف تنظيم "الدولة" وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (ب ي د).
وأشار (محمد) في حدثيه لبلدي نيوز، إلى أنه لا يمكن أن يحدث تحول فوري في السياسية الاميركية تجاه القضايا الدولية... هناك مصالح استراتيجية أميركية والعلاقة مع الأكراد ضمن هذه الاستراتيجيات على المدى القريب والمتوسط للضغط على تركيا، في أكثر من ملف، لكن الولايات المتحدة الاميركية تدرك أن تركيا دولة اقليمية بالغة الاهمية للمصالح الاميركية، ولا يمكن التضحية بعلاقاتها معها في سبيل إرضاء "ب ي د"، وعند نضوج التسويات الدولية حول الملفات العالقة بين الطرفين على الارجح، سيتم تعديل كافة الموازين في المنطقة وليس فقط فيما يخص الملف الكردي.
معركة ضخمة
كل طرف من الأطراف في سوريا عالق في معركة ما تعيقه عن التوجه للرقة، فتركيا تقاتل مع الثوار في الباب ضد التنظيم، وفي حال قررت التوجه للرقة عبر مسكنة فهي ستحتاج لمعركة طويلة مع التنظيم، وهنالك احتمالات الاصطدام مع النظام الذي سيسعى قد استطاعته على تعطيلها.
أما النظام فلديه معركتان، الأولى لتأمين مصادر مياه حلب، وفي نفس الوقت قطع الطريق على الأتراك لمنع وصولهم إلى ما بعد الباب عبر السيطرة على أجزاء أخرى من ريف حلب الشرقي.
في حين الطرف الوحيد فعلياً الذي يمتلك حرية الحركة، ويتابع التقدم مستغلاً الوقت وقصف طيران التحالف باتجاه الرقة فهم الأكراد، الذين يتقدمون بشكل مستمر باتجاه المدينة ومحيطها، ويعملون على ضرب حصار وقطع اتصال المدينة بمحيطها، في حين بقية الأطراف ما تزال بعيدة عنها مسافات كبيرة نسبياً.
ما يعني أنهم المرشح الأساسي لدخول المعركة، فإضافة لقربهم يعتبرون الجهة الأكثر ولاءً لأمريكا، لكن ما يدفع بالأمريكان للتلويح بإمكانية إشراك أطراف ثانية في المعركة، سواء الاتراك والجيش الحر، أو حتى النظام والحشد الشيعي، هو الكلفة البشرية الهائلة للمعركة، فمقارنة بمعركة الموصل أو الفلوجة، وهي التي قدم لها دعم غير محدود، فمعركة الفلوجة التي استمرت لعامين، شارك فيها قرابة 80 ألف عنصر من الجيش العراقي والحشد الشيعي، ثم في معركة الموصل يشارك قرابة 150 ألف عنصر من عدة قوة من بينها الحشد الشيعي والبيشمركة والجيش العراقي، وغيرها من القوى المختلفة مدعومين بطائرات قرابة العشرين دولة، والذين تشير جميع التقديرات لتعرضهم لخسائر هائلة غير مسبوقة أجبرت البيشمركة على إفساح المجال للحشد الشيعي للدخول في المعركة أملا باستنزافه هو الأخر.
قد تحتاج الرقة لعدد أقل من العناصر بسبب حجمها الأصغر، لكن الميليشيات الكردية لا تمتلك هذا العدد من العناصر وهذا ما يؤكده طلبها من الامريكان تدريب 30 ألفاً من عناصرها، خصوصاً أنها تواجه صعوبات في تأمين العناصر، وصلت بها للتضيق على المناطق التي تسيطر عليها، واختطاف الشباب والفتيات لزجهم في الخدمة، وهي كذلك لا تستطيع تحمل كمية كبيرة من الخسائر، فالتنظيم سيقاتل بضراوة، ولن يسلم المدينة بسهولة، خصوصاً مع العدد الأكبر من مقاتليه في المدينة، مقارنة بكل المناطق التي قاتل فيها سابقاً، إضافة لكم الاستعدادات والاستحكامات الهندسية والدفاعات التي بناها خلال الفترة الماضية، ولا يعرف تماماً ماذا يحضر من مفاجآت للمهاجمين.