بلدي نيوز – (ميرفت محمد)
على الرغم من التحالف السياسي والعسكري لنظام الأسد مع إيران وروسيا، إلا أن التعاون الاقتصادي لم يكن على مستوى كبير حتى وقت قريب، إذ عكف النظام مؤخرًا على توقيع اتفاقيات اقتصادية عدة مع الحليفين وصفت بأنها الأكبر في تاريخ سوريا.
ويقرأ المختصون في هذه الاتفاقيات مزيدا من الثقل على الاقتصاد السوري الغارق بديون طائلة، فقد أخذ بشار الأسد يبيع ثروات بلاده للنظامين الإيراني والروسي، عبر اتفاقيات معلنة أو سرية تضمن احتلالا طويل الأمد، هدفها تثبيت الواقع العسكري والسياسي في سوريا، كما أن هناك المزيد من الأهداف والآليات التي يجب أن تتخذ لمواجهة الأمر يكشفها تقرير "بلدي نيوز" الذي يستعرض آراء المختصين في هذا الملف:
استراتيجية بيع سوريا
"البلدان يشكلان فضاء اقتصاديًا واحدًا ينبغي تنميته وتطويره من أجل تحقيق تكامل اقتصادي بين البلدين"، تمثل هذه الكلمات التي تحدث بها رئيس وزراء النظام السوري (وائل الحلقي) مخاطبًا رئيس لجنة تنمية العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية (رستم قاسمي) استراتيجية رسمية لدى النظام السوري يُعمل عليها بوتيرة سريعة.
فقد أبرم النظام قبل أيام عقودًا واتفاقيات اقتصادية مع إيران تتعلق بمجالات إعادة الإعمار وحقول النفط وشبكات الهاتف المحمول والمجالات الزراعية، وهي بالمجمل اتفاقيات تمنح إيران سيادة وتملك على أراضي زراعية وموانئ بحرية ومناجم فوسفات، كما تتيح لها التحكم بالمشغل الخليوي الثالث في سوريا، كما تمنح الاتفاقات إيران الحق في إدارة مناجم الفوسفات في المنطقة الشرقية على بعد 50 كيلومترا جنوب مدينة تدمر.
ويبدأ قائد المجلس العسكري في حلب، العميد الركن (زاهر الساكت) حديثه عن التعاون الاقتصادي للنظام مع الحلفاء قبل الثورة السورية، فيوضح لنا أنه علم بمشرعين للروس، مشروع عمريت الصخري في البحر المتوسط لاستخراج النفط، وكان لدول إقليمية حصة متفق عليها في هذا المشروع، أما المشروع الآخر فهو مشروع (بوينان) لإنتاج الغاز ويصل إلى لبنان عبر القلمون التي تقع تحت حراسة (تنظيم الدولة) ويجري قتال الجيش الحر بالقلمون لضمان وصوله للبنان، ويصف الساكت هذا المشروع بأنه ثاني بئر في الوطن العربي من ناحية الإنتاج، أما فيما يخص إيران فيحذر الساكت من مشاريع إيرانية بشراء العقارات وتوطين الإيرانيين وأنصارهم الشيعة في مناطق أهل السنة، مضيفًا لبلدي نيوز "في كل مكان يتم تهجير السكان يجري توطين الإيرانيين أو بالأحرى المليشيات الشيعية التي تقاتل بجانب الأسد، ولا ننسى سيطرة حزب الله على القصير التي أصبحت مستوطنة لهذا الحزب يمنع دخول السوريين عليها منعًا تامًا".
فترة ما بعد الأسد "كارثية"
وأكد رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا (أسامة القاضي) قبل أيام أن ديون سوريا لإيران تصل إلى 35 مليار دولار بينما تفوق ديون روسيا ذلك المبلغ، لذلك يؤكد الباحث في الاقتصاد (مناف قومان) على أن هذه الديون كبلت نظام الأسد حتى أصبح لا يستطيع أن يرفض أي طلب لكلا الدولتين المحتلتين لسوريا.
ويتابع قومان "ما إن حان قطف الثمار ولاح حل للأزمة حتى بدأت روسيا وإيران بتوقيع العقود والمواثيق مع النظام كما تشاء هي لا كما يشاء النظام، لتسيطر على ثروات البلاد وتوسع نفوذها في سوريا ما بعد الأسد، حيث أخذت موانئ على البحر وأراض بمساحات شاسعة وقواعد عسكرية واستثمارات متنوعة، لم تكن كلا الدولتين تحلم بها قبل ذلك، بل إن النظام قدم أكبر صفقة اقتصادية في تاريخ سوريا كلها لإيران".
ويؤكد قومان على أن تلك العقود والمواثيق الموقعة بين إيران وروسيا مع سوريا ستكون في فترة ما بعد الأسد كارثية على الاقتصاد السوري، موضحًا "من الناحية القانونية تعد نافذة وملزمة بحكم أن النظام لا يزال عضو في مؤسسات الأمم المتحدة ولديه سفارات عاملة في كثير من بلدان العالم وهذا يضمن شرعية قانونية لتلك العقود بغطاء من الأمم المتحدة التي تضمن شريعتها سيادة أعضائها التامة".
ويعتقد قومان أن الفريق الاقتصادي سيجد أن ثروات البلد منهوبة من خلال عقود قانونية جائرة ومناخ الاستثمار معطل بسبب سيطرة البلدين على الاستثمارات القومية الكبيرة، وسيكون عليها سداد الديون المالية الكبيرة بشكل أو بآخر، مضيفًا "أن اجتماع تلك الأمور مع بعضها البعض سيؤدي إلى ارتكاسات في عملية التنمية التي يحلم بها الشعب السوري".
ويدعو قومان لمواجهة هذه المرحلة بالوعي الكامل بهذه الإشكالية، وذلك بالبدء في عملية صياغة الدستور السوري المستقبلي الذي من خلاله يمكن تضمين مواد تحمي ثروات سوريا وسيادتها عليها وتبيح الحق في إبطال أي قانون يقف ضد المصلحة العامة لسوريا وشعبها، متابعًا "كما يطلب من الفريق الاقتصادي في تلك الفترة تصميم برنامج اقتصادي مرن يتعامل مع الظروف بكل واقعية، حيث إنه لا يمكن إلغاء بعض استثمارات روسيا وإيران بجرة قلم، ولكن يمكن التخفيف من ضررهما على الاقتصاد قدر المستطاع والدخول في عملية مفاوضات تجارية، لتعديل بعض البنود في العقود بحيث تصب للمصلحة الوطنية وتحويلها إلى فائدة أكثر ما تكون نقمة".
هيئة انتقالية لتفادي الالتزام بالاتفاقيات
دعت جهات سورية معارضة لاتخاذ خطوات جادة لمقاومة هذه الاتفاقيات بالمحافل الدولية، ولانتزاع قانونيتها من النظام وتجريده من كافة أدواته الاقتصادية، وذلك بهدف التصدي لما تتسبب به هذه الاتفاقيات مستقبلًا على السيادة السورية، إذا يقتضى الأمر ابتكار طرق لتأميم وسن تشريعات وقوانين تردع تلك الدول التي وضعت أيديها على شركات عامة وموارد وطنية واستثمارات قومية بدون وجه حق.
يشدد الدبلوماسي السوري (بسام العمادي) على أن الاتفاقيات التي وقعها بشار سيكون لها تأثير كبير سواء استمر النظام السوري الحالي أو لم يستمر، ويستدرك القول "لذلك يسعى الإيرانيون والروس لإبقاء بشار أو النظام لكي تستمر استفادتهم مما كسبوه من بشار من تنازلات واستثمروا فيه أموالًا طائلة".
ويوضح العمادي لبلدي نيوز "إذا ما تغير النظام الحالي بمعنى انتصرت الثورة أو جاء نظام جديد من خلال هيئة حكم انتقالي يمكن للشعب أن يرفض هذه الاتفاقيات بدعوى أن بشار لم يعد رئيسًا شرعيًا منذ أن انطلقت الثورة"، ولذلك من الضروري أن يتضمن الحل السياسي هيئة انتقالية وليس حكومة وحدة وطنية يحتل فيها جزء من النظام البائد أمكنة تمنحهم القدرة على تطبيق الاتفاقيات، حسب العمادي.
وفي معرض رده على سؤال لـ"بلدي نيوز" يتعلق باعتبار الاتفاقات الموقعة من طرف النظام مع روسيا وإيران هي نافذة ومُلزمة بالعرف الدولي كونهم تلك الدول أعضاء في مؤسسات الأمم المتحدة، ينفى ذلك العمادي قائلًا "لا.. هذا غير صحيح لأن شرعية بشار الأسد ليست معترف بها، عندما تقوم ثورة تصبح الشرعية متنازع عليها بين الثوار والنظام القائم، كما أنه لا يمكن للأمم المتحدة التدخل في سوريا لتنفيذ عقود لا يريد الشعب تنفيذها ولا يعترف بها"، متابعًا "روسيا ليس الدولة المحببة في الأمم المتحدة خاصة بعد الفيتو الخامس ضد إرادة المجتمع الدولي".
الخشية من الحلول السياسية
تمكن نظام الأسد من استنزف الاحتياطي النقدي بالمصرف المركزي البالغ 18 مليار دولار مطلع الثورة السورية العام 2011، وهدم 80% من الصناعة، وترك النفط كمكافآت لمن ساعده بالبقاء على كرسي الحكم، وقد وصل الدين العلني عبر ما يسمى "خطوط ائتمان" إلى سبعة مليارات ونصف المليار دولار، وغير المصرح به بنحو 35 مليار دولار.
يؤكد الصحافي السوري (عدنان عبد الرازق) على أن موسكو وطهران سارعتا بعد بدأ الحلول السياسة في سوريا وبالتزامن مع وصول دونالد ترامب للتملك على الأرض السورية بمنطق الأمر الواقع، ويرجع عبد الرزاق ذلك إلى أسباب عدة منها رغبة الطرفين الحليفين للنظام السوري باسترداد الأموال التي منحاها للأسد خلال الحرب، مضيفًا "المعروف أن إيران منحت الأسد قروض معلنة تقدر بـ"سبعة مليارات ونصف مليار دولار" عبر ما يسمى خطوط الائتمان هذا فضلًا عن قروض غير معلنة جاءت عبر تمويل عسكري وأسلحة وأجور ورواتب للمليشيات، وكذا بالنسبة لروسيا الاتحادية التي تمول الأسد بالذخيرة منذ مطلع الثورة وزادت منتصف التدخل الروسي".
ويتابع عبد الرازق لبلدي نيوز "باختصار ثمة قروض وديون تستردها عبر الاتفاقيات، هاتان الدولتان بمنطق الاحتلال على الأرض، باتتا تخشيان الحلول السياسية في أستانا ومؤتمر جنيف، وبالأخص مع وصول الإدارة الأمريكية الجديدة، وتحاولان أن تثبتا وجودهما على الأرض بالاستثمار كذريعة للبقاء في سوريا".