بلدي نيوز – (نجم الدين النجم)
أُسدل الستار يوم أمس الثلاثاء، على مؤتمر أستانا، والذي جمع وفدي المعارضة السورية ونظام الأسد، برعاية ثلاثية من روسيا وتركيا وإيران، في العاصمة الكازاخية، انتهى بتوقيع الدول الضامنة للمفاوضات، على إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة وقف إطلاق النار على كامل الأراضي السورية.
بعد أن فرغت روسيا من معركتها في حلب، وبعد تهجير الأهالي من مدينتهم، توجهت روسيا لعقد اجتماع بين وزراء الخارجية والدفاع في حكومتها، مع نظرائهم الأتراك والإيرانيين، في العاصمة الروسية موسكو، بغياب الولايات المتحدة والدول العربية المؤثرة في القضية السورية، وأفضى الاجتماع الثلاثي، إلى إعلان موسكو، الذي شدد على إحياء العملية السياسية، ووقف إطلاق النار في سوريا، بين الأطراف جميعها، مستثنياً "فتح الشام" وتنظيم "الدولة"، لتعمم بذلك روسيا فكرتها التي كررتها مراراً، بأنها لا تتمسك بشخص الأسد، إنما تريد وقف القتال والقضاء على "الإرهاب".
توسعت روسيا بطرح الفكرة، وعقدت اتفاقاً بوساطة تركية، مع فصائل المعارضة، التي كانت تعتبرهم موسكو فيما مضى عصابات إرهابية، ليخرج بعد ذلك إعلان أنقرة، والذي أكد أيضاً على مقررات إعلان موسكو، فبدأ وقف إطلاق النار في سوريا في 30 كانون الأولديسمبر الماضي، تخلله خروقات من جانب قوات النظام، اعتادها الشعب السوري في جميع الهدن والاتفاقات في الأشهر والسنين الماضية.
وبعد تعويم الهدنة في سوريا، دعت روسيا جميع الأطراف لدخول مفاوضات، في العاصمة الكازاخية أستانا، تؤدي إلى وقف القتال وإنشاء آلية لمراقبة الخروقات، لإطلاق مفاوضات سياسية بين المعارضة والنظام فيما بعد، فكانت هذه الدعوة، بحسب محللين إنذاراً للنظام باقتراب نهاية الدعم الروسي اللامحدود له، وإنذاراً آخر لإيران باقتراب خروجها من الأراضي السورية، وأكد وزير الخارجية الروسي هذه الإنذارات، بعد تصريحه بأن دمشق كانت قاب قوسين أو أدنى من السقوط، لولا عمليات الجيش الروسي.
"أستانا" وما حمله من مكاسب وخسائر، يبدو لكثير من السوريين المعارضين منهم والموالين على حد سواء، أن المكاسب والخسائر في هذا المؤتمر ليس في مقرراته التي أفضى إليها، إنما في شكله والأسباب التي أدت إليه، والمختلفة عن الأسباب التي أدت إلى المؤتمرات الساعية لإيجاد الحلول في القضية السورية الشائكة، في سابق السنوات.
الكاتب والباحث السياسي "نواف الركاد" يقول في حديثه لبلدي نيوز "لم يكن اجتماع أستانا في الحقيقة اجتماعاً تفاوضيّاً حقيقيّاً وإنّما تحليلاً شرعيّاً للاتفاق الروسي-التركي (أي جعله حلالاً) ولبيان موسكو الذي أعلن ضمان الترويكا لوقف إطلاق النار".
ويرى الباحث السياسي أن هنالك ثلاثة مكاسب مهمة في أستانا، الأول منها هو تثبيت وقف إطلاق النار بشكل دائم، تعبيداً لطريق مفاوضات جنيف القادمة لبحث الحل السياسي، ليس كالهدن السابقة المؤقتة والهشة التي كانت تحدث فقط تمهيداً للتفاوض في ظل تضارب المصالح والصراع الدولي، أما المكسب الثاني فهو حشر النظام في زاوية خانقة، لأنه المستفيد الأول من وهم الحسم العسكري، لعباً على عامل الزمن واستثماراً في مفاجآت الغيب، أما الثالث، فهو وضع إيران أمام الاستحقاق التاريخي بإخراج ميليشياتها، فالحرب انتهت، مما سيفقدها كل قدرة للتأثير على الوضع السياسي السوري مستقبلاً، حسب رأي الكاتب.
وحول سلبيات هذا المؤتمر، يوضح السيد الركاد أن عدم نص البيان الختامي على إخراج المعتقلين والمعتقلات، هو أكبر السلبيات، وأيضاً عدم إدراج بند فك الحصار رسميّا عن المدن والبلدات والقرى السورية واعتباره تفصيلا من تفاصيل تغيير تموضع نقاط التماس يأتي لاحقاً.
بدوره، يعتقد الدكتور عبد القادر العلي أن الوضع أعقد من ذلك، ويقول "نحن فعلاً أمام تحول في الموقف الروسي والمتمثل برغبتهم بإيقاف الحرب، لأسباب اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية، ولكن المشكلة تكمن في رغبة الإيرانيين والنظام وميليشياتهم الذين لم يعودوا يرغبون بإيقافها بعد أن تراجعت المعارضة جغرافياً وضعفت عسكرياً، فإيران تريد نصراً ساحقاً لتحصل بالمقابل على سورية كاملة بشعبها وأرضها ولهذا الأمر تدخلوا، فكيف يقبلون بحلول وسطية تمكن المعارضة من الوصول للسلطة، وتجريد الأسد من صلاحياته بانتخابات تكون حكماً تحت إشراف دولي".
ونوه الدكتور العلي أن إيران ما زالت تشعر أن الاتفاق جاء في وقت مبكر، وربما لو تمكنت من تغيير ديمغرافية دمشق لكانت حققت حلمها، وبالمقابل ستكون انعكاسات هذه الهدنة على المتطرفين أيضاً سلبية، فهم نذروا أنفسهم للقتال مهما كانت النتائج على الأرض، وبالتالي سينقضون أي اتفاق وسيكون ذلك كافياً لنقضه من قبل النظام والميليشيات التابعة له، تحت مبرر الدفاع عن النفس.
وحول توقعه من عمل آلية وقف إطلاق النار، يقول العلي "بالنتيجة هذا الاتفاق لن يستمر حتى لو وقعت عليه إيران ووقع النظام لأن الأصوليين موجودين في كل زاوية من سوريا".
وأضاف "من الإيجابيات الواقعية، من أستانا، هي الحركة الدبلوماسية الجيدة من وفد المعارضة، الذي نجح برأيي بالتظاهر بقبول الروس كوسيط محايد، وليس شريكاً سابقاً عليهم بالحرب، وهذا أمر جيد مستقبلاً".
من جهته، يقول الكاتب الصحافي "معبد الحسون" لبلدي نيوز "نظام الأسد الذي يذهب اليوم إلى أستانا ليس هو النظام الذي وقف الشعب يتحداه ويتصدى له ويدعوه إلى الرحيل قبل ست سنوات، بل إنّ ما تبقى منه، أو جثمانه ورميمَ عظامه هو من سوف جلس على طاولة المفاوضات وتصدرها برمزيته، لا بوجوده الحي والواقعي، ذلك النظام الذي سلَّم كل مفاتيح قدراته وعافيته لقوى خارجية، ولم يعد يملك قراره على السلطة والدولة السورية لا سياسياً ولا عسكرياً ولا اقتصادياً".
وأضاف الحسون "كذلك فإن الذاهبين إلى المفاوضات تحت مسمى (المعارضة)، ليسوا هم السوريين الذين خرجوا بالملايين قبل ست سنوات، وقدموا حتى الآن على مذبح المواجهة مع النظام والقوى الاحتلالية التي أوقدت نار الحرب ضد الشعب السوري الثائر، قريباً من مليون شهيد، ومثلهم من المعاقين وأضعافهم من المهجرين".
ويعتقد أن أستانا هو مجرد تثبيت اتفاقات بين تركيا وروسيا، واختبار الفصائل ودرجة طواعيتها، وتمهيد لتقليص نفوذ إيران وميليشياتها على الأرض، ولا شأن للسوريين به لا من النظام ولا من المعارضة.. وأنهى بالقول "بتنا على وشك تقسيم سوريا إلى أربع مناطق احتلال غير معلنة أو غير مصرح بها رسمياً، بين الروس والإيرانيين والأمريكيين".