بلدي نيوز – (منى علي)
يمكن القول إن موسكو نجحت في إدارة حربها واحتلالها في حلب، ليس بسبب كفاءة سلاحها أو نجاعة دبلوماسيتها، بل لأسباب صارت معروفة للجميع منها ما داخلي يتعلق بتشتت الجهود العسكرية لفصائل الثوار والجماعات الإسلامية المقاتلة، ومنها ما يتعلق بتوقف الدعم الخارجي على المستويين السياسي والعسكري، حيث وجدت موسكو وحلفاؤها الإيرانيون وبقايا قوات النظام، أمامهم ساحات واسعة للقتل وليس للقتال، بلا مقاومة تذكر، ولا حتى إدانة ترقى لمستوى الفعل.
عندما قدّم المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي مستورا، منذ نحو شهرين، خطة تقضي بخروج "جبهة فتح الشام" من حلب، مقابل وقف القصف وإيصال الإمدادات وتأمين بعض أشكال الحماية للمدنيين، جاء الرد بالرفض القاطع من جميع الفاعلين على الأرض، مدنيين وعسكريين، الآن.. لم تعد موسكو تطرح إخراج "فتح الشام" فقط، بل تشترط خروج كل المقاتلين من حلب كي تكف عنها المحرقة.. والمقصود هنا عسكريا وسياسيا هو استسلام حلب، الذي صار مطروحاً بقوة، ويتمسك به نظام الأسد ويعيد طرحه كما حدث اليوم عندما كرر النظام رفضه إيقاف المجازر والقتل العشوائي بحلب إلا بخروج جميع المقاتلين المعارضين، "المتشددين" والمعتدلين، مستنداً بالطبع إلى الرؤية الروسية، والتراخي الأمريكي الذي وصل حد موافقة موسكو على نهجها بحلب والقبول بخروج جميع مقاتلي المعارضة.
وبناء عليه، وصلت المفاوضات السرية التي جرت في تركيا بين ممثلين عن بعض الفصائل المقاتلة بحلب وبين المحتل الروسي، إلى الفشل، بعد تبني الولايات المتحدة الطرح الروسي بإخراج كل مقاتلي المعارضة من شرق حلب، كما أحدث الطرح الأولي بإخراج "جبهة فتح الشام" من المدينة خلخلة أدت إلى هجوم الجبهة على مقار بعض الفصائل التي وافقت على خروجها من المدينة، وسط تدهور على الجبهات واستيلاء الميلشيات الإيرانية والأجنبية وبقايا جيش الأسد على 50% من الأحياء التي يسيطر عليها الثوار شرقي المدينة.
ويكاد يكون التطور الوحيد الذي قلب الطاولة ورفع سقف المطالب الروسية فوق ما يتوقعه الروس أنفسهم، هو الانكفاء الأمريكي الكامل، وعدم اقتناع إدارة أوباما المنتهية ولايته، بتجميد الأمور والحفاظ عليها كما هي لحين تولي خليفته مقاليد الأمور، بل دخل وزير خارجيته جون كيري بمفاوضات اللحظة الأخيرة مع لافروف، ليفاجئ العالم بالتخلي عن حلب ومنح مفاتيحها لبوتين، وسط عجز كامل من الدول الإقليمية التي لم تستطع التحرك خارج دائرة الولايات المتحدة، فمضاد الطيران يحتاج موافقة واشنطن، والانخراط في الصراع لا يمكن أن يتم بدون موافقتها والتنسيق معها ومع موسكو خطوة بخطوة، وهذا ما يفسر بوضوح توقف عمليات "درع الفرات" على مشارف "الباب"، بعدما أحرزت تقدما سريعا قبل الوصول إلى هذه النقطة الاستراتيجية، التي استدعت تدخل واشنطن وموسكو لإيقافها، وتجميدها بالكامل بانتظار ما ستسفر عنه التبادلات والصفقات التي تُبرم بين اللاعبين الإقليميين والدوليين.
حتى إن "الفيتو" الروسي الصيني بالأمس ضد مشروع قرار لهدنة في حلب، لم يصدر رد فعل عنيف عليه من قبل واشنطن، التي عودتنا أن تفتح النار – إعلامياً- على موسكو إبان كل "فيتو"، بل إن مراقبين ذهبوا للاستنتاج بأن الولايات المتحدة وحلفاءها هم من دفعوا القرار للفشل، حين أصروا على التصويت عليه في جلسة يوم أمس، بعدما طلبت موسكو تأجيل التصويت، كي تستكمل الحوار الخاص بحلب بين كيري ولافروف.
فهل تكون حلب "هدية" أوباما لبوتين قبل أن يغادر البيت الأبيض؟.. أم أن واشنطن لم تعد قادرة على تحمل العبء الأخلاقي الناتج عن مأساة القرن في المدينة الشهيدة، فكان آخر الحلول هو إعدامها؟.. ولكن هل يعد هذا موتاً رحيماً؟.. أم أن واشنطن – سيدة العالم- أسلمت حلب إلى أسوأ مصير يغدو الموت أمامه أمنية!.. هذا ما يحدّث به الفارون من جحيم القصف في شرق حلب إلى جحيم "الوطن" غربها، حيث ينتظرهم الاعتقال والاغتصاب والإذلال...