بلدي نيوز – رواد الحلبي
أثارت الزيارة المفاجئة لرأس النظام "بشار" إلى موسكو استغراب الكثير، ورسمت اشارات استفهام كثيرة حول ماهيتها، وبهذا التوقيت تحديداً، بينما لم يستغربها البعض مدعياً أنها نتيجة طبيعية لتدخل الروس عسكرياً لدعمه، في محاولة لإنقاذه من السقوط المحتم، وهو الذي اعترف بلسانه أنه "لولا تدخل روسيا لكان الوضع مأساوي".
الآراء تعددت حول الصورة التي ظهر بها "بشار"، وحول اسباب هذه الزيارة في هذا التوقيت، وما تبعها من تصريحات واتصالات للرئيس الروسي بنظيره التركي والسعودي، وما سبقها من تصريحات للساسة الروس والمؤثرين في الملف السوري إقليمياً ودولياً، على وجه الخصوص تركيا والسعودية.
بالنظر إلى "الصورة المذلة" التي ظهر بها بشار بحسب وصف مراقبين، فهي بعيدة كل البعد عن زيارة تحمل صفة "رئيس"، وهي أقرب إلى "استجواب" أو "استدعاء" روسي، فالزيارات الدولية وحتى الغير معلن عنها، تكون على أقل تقدير منسقة على مستوى عال وضمن وفد رسمي، وخصوصاً بما يخص الملف السوري الذي يشغل العالم أجمع.
والمدقق في صور لقاء "بوتين الأسد" فإن بشار كان ينتظر بوتين في القاعة حتى ظهر من البوابة ليسارع الأخير إلى مصافحته، وهذه صفة المتهم أو المنتظر الاستجواب حتى يدخل المحقق غرفة التحقيق، في حين تقول مراسم الزيارات الرئاسية أن الرئيس المستضيف يكون بانتظار الرئيس الضيف للمصافحة، وما يلبث أن يتراجع بشار بخطوات إلى الخلف ووجهه إلى بوتين حتى يجلس على المقعد المخصص له.
أخرون ذهبوا إلى أبعد من ذلك، قائلين أن "بشار" بدا ينصت لما يقوله بوتين أكثر مما يتحدث، بينما لا ينظر إليه بوتين بشكل مباشر إلا ما ندر، في حين يتحدث بشار مركزاً انتباهه إلى الرئيس الروسي ومترجمه الخاص بشكل يوحي أنه يشرح ويقدم مبررات.
كثيرون أيضاً غاب عنهم غياب "العلم السوري" الذي يرفعه النظام، ما يمثل خروجاً عن المألوف في العلاقات الدولية الدبلوماسية والزيارات الرئاسية، وهو البروتوكول المتبع دبلوماسياً، وفيه يكون إلى جانب كل رئيس علم بلاده، وهو ما غُيب عن جنب بشار، فهل ارادت موسكو إيصال رسالة للعالم ولبشار أيضاً أنهم "الحكام الفعليون لسوريا"؟ وان بشار ليس إلا شخص لا يمثل سوريا كرئيس وان بإمكان موسكو ترقيته وتنحيته؟
وفيما يخص الامتناع عن إعلان الزيارة، أو "منعها" حتى في وسائل إعلام النظام الرسمية ومنها وكالة أنباء الأسد "سانا"، إلا بعد عودة الأخير إلى سوريا، رده محللون إلى أن النظام في وضع موته السريري، لم يعد يملك حتى حق الإعلان لمثل هذه الزيارة، إلا بأمر روسي، وربما لم يكن لديها علم أصلاً، إذا ما أخرج الروس بشار من قصره وحتى بدون علم زوجته، يذهب محللون.
وهذا ما يؤكد أنه استدعاء أكثر ما هو زيارة، وأنه تم بطلب روسي، وأن الروس هم من أمنوا السفر لـ "بشار" ولم يخرج بصفة رئيس، الأمر الذي رجحه محللون بداعي أن الروس "أرادوا ابلاغ بشار بقراراتهم وأن عليه الانصات".
غير ذلك أراد الروس إرسال رسالة للعالم مفادها "أنهم اصحاب القرار في سوريا، وأن أي حل سيكون عبر موسكو"، وفحوى الرسالة فيه رمزية أخرى تقول "سحب البساط من تحت إيران أو إبعادها ولو ضمن الصورة البارزة لمن سيكون صاحب القرار فيما يخص الحل السياسي في سوريا"، وخصوصاً بعد تمادي إيران في سوريا إلى حد اعتبارها (أي سوريا) المحافظة الإيرانية الـ 35 .
هذه الرواية يؤكدها معارضون سوريون بالاتصالات التي أجراها بوتين مع نظيره التركي والملك السعودي، والتي اعقبت زيارة "بشار" إلى موسكو، واطلاعهم على نتائج الزيارة دون الافصاح عن تفاصيلها لوسائل الإعلام، قائلين أن موسكو بعد فشلها المبدئي من تحقيق تأثير على الأرض عسكرياً، أصبحت تدرك عمن تدافع وما حجم قوته إن صح التعبير، لذلك لا يمكن أن تغامر "مغامرة عمياء" للدفاع عن رجل واحد.
والملاحظ أن لا تصريحات تدل على استقلال في القرار لـ "بشار" خلال الزيارة، واقتصرت على "شكر للتدخل الروسي في محاربة الارهاب" و"مناقشة الغارات الجوية"، على خلاف الصورة النمطية التي كان يحاول إعلام الأسد اظهاره فيها كـ "رئيس"، وهو ما دعا محللون بوصفها "صورة مذلة".
استدعاء الأسد إلى الكرملين سبقه تصريحات لمدفيدف رئيس الوزراء الروسي قبل يومين قائلاً: "ندافع عن مصالحنا في سوريا لا عن شخصيات محددة"، كما أن بوتين وخلال الزيارة قال أن "موسكو تنطلق من التطورات الإيجابية في العمليات القتالية، التي تقود في نهاية المطاف إلى التوصل لتسوية طويلة الأمد على أساس عملية سياسية بمشاركة كل القوى السياسية الدينية والإثنية في سوريا، والكلمة الأخيرة في هذا الشأن يجب أن تبقى للشعب السوري فقط".
وقد لا يعي كثر ما قصده بوتين بقوله "فقط"، أي أنه لا قرار ولا رأي لبشار فيه، رسالة أخرى أراد بوتين توضيحها للعموم وعلى وسائل لإعلام وربما لـلاعبين الرئيسيين في الملف السوري.
بالمقابل يرى أخرون أن في زيارة بشار لموسكو هي رسالة روسية للدول المعارضة لبقاء الأسد مفادها أن روسيا قادرة على إخراج الأسد وحمايته ودعمه، حتى لو كلفها ذلك خسائر بشرية من جيشها، بل ذهب البعض من أنصار "المقاومة والممانعة" إلى أكثر من ذلك، متسائلين "أي عاصمة ثانية سيزورها بشار؟".
بشار "الأسد" والذي لم يخرج من سوريا منذ عام 2011، ظهر وحيداً في الكرملين بطلب من الدب الروسي، منتظراً في قاعة، بلا وفد ولا رفيق، رده مراقبون أن ما أراد الروس ابلاغه لبشار كان يجب أن يبلغ له شخصياً بلا وسطاء وعليه الانصات والتنفيذ، وربما كانت المائدة الأخيرة بصفته "رئيس" في موسكو، لتبقى الاحتمالات مفتوحة لما ستفضي إليه مناقشات القوى العالمية الكبرى بما يحفظ مصالحها أولاً، والسوريين أخيراً.