CBCnewz – (ترجمة بلدي نيوز)
في ذات اليوم الذي انتخب فيه الأمريكيون دونالد ترامب للرئاسة، ذلك الرجل الذي استبعد فكرة قصف وتجويع وخنق وقتل المدنيين السوريين على أيدي حكومتهم وقصفهم بالقنابل البرميلية، كانت قوات النظام السوري في طريقها إلى حي استراتيجي على مشارف جنوب غرب مدينة حلب.
إن الحدثين متربطان، حلب والتي كانت سابقاً أحد أعظم مدن الشرق الأوسط، تم سحقها من خلال القتال بين القوات المتناحرة، في حين نفذت عليها غارات جوية من قبل قوات نظام الأسد وحلفائه الروس، في حين أن الإرهاب الحقيقي لما يسمى بتنظيم "الدولة" في الرقة وغيرها من المناطق السورية كان بمنأى عن تلك القنابل الروسية والأسدية.
أيا كان أمل تلك المدينة، بل وجميع المدن السورية الأخرى، فقد شهد خفوتاً كبيراً في يوم الثلاثاء الماضي مع إعلان نصر ترامب المفاجئ، لقد أوضح ترامب مراراً بأن ليس لديه أي رغبة في مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، كما كان قد صرّح بأن أمريكا كانت في وضع أفضل بكثير إذا ما لم تقم بتقديم أي شيء لمساعدة المعارضة السورية.
إن الأسد وحلفاؤه، والذين يشملون كلاً من روسيا وإيران وميليشيا حزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية الأخرى، هي الآن القاتل الجماعي الرائد في سوريا، ففي حين احتل تنظيم "الدولة" الإرهابي معظم عناوين الأنباء بأشرطته المسجلة، فإن معظم القتلى في سوريا لقوا حتفهم بسبب الأسد، وفي الواقع فإن معظم اللاجئين السوريين فروا بسبب الأسد في المقام الأول.
على عكس تنظيم "الدولة" الإرهابي، فإن قوات الأسد لا تعمم وتنشر سفك الدماء، ولكن أي شخص يشك في وجود الأمر يحتاج فقط للإطّلاع على الآلاف من الصور لتلك الجثث التي تحمل آثار التعذيب والتي تم تهريبها من سوريا من قبل "قيصر"، وهو مصور الطب الشرعي السابق لدى الحكومة السورية، والذي كان يعمل حينها في اثنين من المستشفيات العسكرية السورية في دمشق حيث تم نقل القتلى.
والآن فقد مُنِحَ الأسد العنان المطلق، إنه بات يعلم بأن ليس لديه ما يخشاه من أمريكا، في حين أن الدعم الأميركي للمعارضة السورية كما قال ترامب "نحن لا نعرف ماهية تلك المعارضة"- سيجف، بينما يحاول ترامب التوصل إلى نوع من التعاون مع روسيا ضد إرهاب تنظيم "الدولة"، مما سيعزّز من القوة المتنامية لبوتين ونفوذه في الشرق الأوسط، في الوقت الذي ستكون فيه ضحايا المعارضة والمدنيين في سوريا، وحيدين ومعزولين كما لم يكونوا سابقاً.
يجدر الذكر بأن الدعم الأميركي للمعارضة السورية وإرادته في مواجهة الأسد دائماً ما كان متردداً وفاتراً.
لقد صرّح الرئيس الأمريكي باراك أوباما في سنين سابقة بأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا يُعتبر "خطاً أحمر" بالنسبة له، ولكن سرعان ما ذبل خطه ذلك عندما استخدمت قوات الأسد قذائف مليئة بغاز السارين لقتل أكثر من 1،400 من الرجال والنساء والأطفال السوريين في عام 2013، في حين أن برنامج أمريكا لتسليح وتدريب المعارضة السورية لم يأخذ سوى بأعداد قليلة جداً، فلم تقم الولايات المتحدة بدعمهم بقصف قوات الأسد بالنيابة عنهم، أو إنشاء منطقة حظر الطيران قد يكون فيها المدنيون السوريون في مأمن من الضربات الجوية السورية والروسية المدمرة.
كانت المرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون قد دعت لتقديم مساعدة أكثر صرامة للمعارضة السورية عندما كانت وزيرة للخارجية، وخلال حملتها الانتخابية صرّحت كلينتون أيضاً بأنها ستسعى لفرض منطقة حظر جوي وإنشاء ملاذات آمنة للمدنيين في سوريا، لقد أمل الكثير من السوريين بأن رئاسة كلينتون قد تجلب لهم بعض الراحة من أشدّ معذبيهم، ولكن الآن بات من المؤكد بأن الطاغية سيستمر.
"إن هذا اللقيط في دمشق هو الوغد الأوفر حظاً في العالم"، كذلك يقول فيصل العزام، مدير المجلس الكندي السوري في مونتريال، مضيفاً: "لقد نَعِمَ بثماني سنوات من ولاية أوباما، حيث عبر فيها خطاً أحمر تلو آخر دون أي عواقب، والآن يحصل على دونالد ترامب، والذي من المرجح أن يكون الزعيم الغربيّ الأشد قرباً لفلاديمير بوتين".
قبل خمس سنوات يقول العزّام، بأنه كان الشخص الأكثر تفاؤلاً في العالم، لقد كان يعتقد حينها بأن مصلحة الحكومات الغربية ستتماشى كلياً مع الديمقراطيين السوريين، ومن شأنهم معاً أن يجبروا الأسد على التنحي عن السلطة.
العزام الآن والذي يدير أيضاً مؤسسة خيرية تدير مدرسة للاجئين السوريين في تركيا، قد خلص إلى أن لا أحد سيقوم بتقديم المساعدة للشعب السوري من خارج سوريا، ولكنه لا يزال مؤمناً بأن الثورة السورية ما زالت حية.
إذ يقول: "طالما كان هنالك شخص واحد في الشوارع يتحدى كل هذا العنف من حوله، سواء أكان ذلك القنابل البرميلية المتساقطة عليه أو تنظيم الدولة الإرهابي، فإن الثورة السورية ما زالت حية".
"إنها لمعجزة، لا يمكن لأي إنسان عادي أن يقاسي ويقاوم هذا الكمّ الشديد من العنف والمعاناة، ولكن الناس لا تزال تقاوم هناك، ولكنه ليس الربيع الذي كنّا نحلم به قبل نحو خمس سنوات، إن الثمن الذي دفعه السوريون لا يصدّق".
ومع وصول ترامب لسدّة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، من المرجح للأسف أن يرتفع ذلك الثمن بشكل أكبر.
-عمود من قسم الرأي التابع لوكالة CBC الكندية الرائدة.