قراءة تحليلية في رد فعل "محورالمقاومة" بعد عملية 7 أكتوبر - It's Over 9000!

قراءة تحليلية في رد فعل "محورالمقاومة" بعد عملية 7 أكتوبر

بلدي نيوز - (ثابت عبارة•)

سبب التريّث في كتابة هذه السطور هو أولاً لاستيعاب ما حصل، وثانياً لانتظار رد فعل ما يسمى "محور المقاومة" في تحويل شعاراتهم الرنانة ووعدوهم البراقة إلى واقع، وقد أتتهم فرصة ذهبية ربما لن تتكرّر على الإطلاق، فها هو قطاع غزة، درّة تاج "المقاومة" والحاضر الدائم في خطاباتهم وأدبياتهم، تقطّع أوصاله اليوم تمهيداً لما هو أخطر، وها هم سكان القطاع المغلوب على أمرهم يرزحون أشلاءً ودماءً تحت أنقاض منازلهم ومستشفياتهم ومدارسهم المدمرة، بعد أن رزحوا لسنين تحت وطأة حصار خارجي خانق وحكم داخلي استبدادي، ولكن هذا المحور الذي يقوده ملالي إيران أكّد المُؤكد وأثبت المُثبت رغم أوهام الواهمين وأحلام الحالمين!.

لقد جاءت عملية "طوفان الأقصى" قبل شهر من اليوم صادمة ومفاجِئة للعالم بأسره. كيف لحركة مسلحة تعمل في مساحة جغرافية ضيّقة ومحاصرة تبلغ 365 كم² أن تذلّ جيشاً مصنفاً ضمن أقوى 18 جيشًا في العالم؟ كيف لهذه الحركة أن تسيطر في أقل من خمس ساعات على مئات الكيلو مترات في غلاف قطاع غزة بما يحتويه من مواقع عسكرية ومستوطنات وتحصينات؟ هل بالفعل نجحت حماس في تحييد أنظمة الرصد والمراقبة وأجهزة الإنذار الاسرائيلية بأسلوب عسكري "بدائي"؟ هل بالفعل أخفقت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية -الرائدة على مستوى المنطقة والعالم في مجال تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبيراني والتنصت والتجسّس- في توقع ما جرى؟ وإن أخفقت، فلماذا لم تتدارك سريعاً ما حصل؟ إشارات استفهام عديدة تُطرح هنا، وتساؤلات تصب بمجملها في أنّ ما جرى ليس إلّا مجرد لعبة استخباراتيّة مُتّفق عليها، ربما تتكفل الأيام والشهور في كشف تفاصيلها.

وفي ظلّ الأجواء المحمومة التي تعيشها المنطقة منذ أسابيع، ظنّ البعض أنّ الحرب قائمة لا محالة بين إيران وأذرعها من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، وأنّ إيران ستُترجم (أخيراً) أٌقوالها إلى أفعال. إلا أن السياسة علمتنا ألّا نأخذ بظاهر الأمور، فالحقيقة نجدها على أرض الواقع، وليس في التصريحات السياسية (النارية) والحملات الإعلامية (الجوفاء). وعلى الأرض يظهر للجميع أن إسرائيل وإيران حلف واحد يتقاسم مناطق النفوذ في العالم العربي بالمسطرة والقلم.

تعالوا نستذكر كيف ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في امتداد دولة الملالي إلى دول المنطقة وصولاً إلى إسرائيل ذاتها. وصل الخميني إلى السلطة في إيران نهاية سبعينيات القرن الماضي قادماً من فرنسا وكانت قد كُتبت له سيرة ذاتية مزدانة بالتقديس والطوباوية في الإعلام الغربي. أول الشعارات التي رفعها الخميني محاربة "الشيطان الأكبر"؛ الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، أي اسرائيل، وللمصادفة، فإنّ أول تعاون عسكري خارجي لإيران الخمينية كان مع "الشيطان الأكبر" وإسرائيل ذاتها خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) حين أعطت إسرائيل لإيران معلومات عن مواقع عسكرية في غرب العراق حتى تتمكن من قصفها. بدورها، زودت إيران إسرائيل بالعديد من الصور لمفاعل نووي عراقي دمرته إسرائيل لاحقًا. وتوّجت هذه العلاقات السرية حينها بفضيحة "إيران غيت" أو "إيران كونترا" حين باعت إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان خلال فترة ولايته الثانية إيران أسلحة بوساطة إسرائيلية، على الرغم من قرار حظر بيع الأسلحة إلى طهران وتصنيف الإدارة الأمريكية لها كدولة "راعية للإرهاب".

وبعد إنشاء دولة الملالي بسنوات قليلة تأسّس "حزب الله" في لبنان كأول ذراع عسكري لإيران في المنطقة، وهو الحزب الذي سرعان ما اختزل مفهوم "مقاومة الاحتلال" به حصرياً، ذلك بعد أن قضت إسرائيل، بالتعاون مع النظام السوري (المُقاوم)، على كافة الفصائل اللبنانية والفلسطينية واليسارية والإسلامية وغيرها في لبنان.

يوم 20 مارس 2003، اقتحمت الدبابات الأمريكية ساحة الفردوس في قلب العاصمة العراقية بغداد، لتُسقط تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وتقدّم البلاد على طبق من ذهب لإيران وميلشياتها الطائفية. وفي سوريا، دخلت جحافل الميليشيات الإيرانية لتساند نظام الأسد في حربه ضد السوريين منذ عام 2011 وتصل إلى حدود الجولان السوري المحتل تحت أنظار أمريكا وإسرائيل. كل هذا والمعسكران في عداء "علني" صريح!.

على الطرف الآخر، وخلال أكثر من ربع قرن، كرّرت إسرائيل عزمها منع إيران من حيازة أسلحة نووية، مهددة بالقيام بعمل عسكري إذا فشلت العقوبات أو المساعي الدبلوماسية. إسرائيل ذاتها عُرفت تاريخياً بانتهاك القوانين الدولية وتطبيق ما تسميه "الحرب الوقائية" وقد نفّذت ذلك فعلاً مع مصر والعراق وسوريا والسودان، إلا أنّ هجماتها لم تصل إلى الآن إلى بلاد فارس، رغم التهديد "الوجودي" الذي تمثله إيران لها، وفق تصريحات الطرفين.

في الصورة الأوسع، يمكن تفسير التفاهم الإسرائيلي-الإيراني في المنطقة -وإن كان تفاهماً قسرياً فرضته عليهما الجغرافية السياسية- بنظرية مبدأ المحيط (Periphery doctrine)، التي وضع أسسها أوّل رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوريون، وتستند هذه النظرية على ضرورة إقامة علاقات قوية واستراتيجية مع البلدان غير العربية التي تحيط بالعرب، وأيضاً مع الأقليات العرقية والدينية، لموازنة القوى لصالح إسرائيل وتقليص التهديد العربي. وتتقاطع هذه النظرية في أهدافها مع مبدأ "تصدير الثورة" الذي اعتمدته إيران للتمدد إقليمياً ومحاولة مدّ نفوذها إلى الجوار العربي.. أي أنّ عدو النظامين الإيراني ‏والإسرائيلي مشترك وواحد.

كان لابدّ من هذا الاستعراض لفهم ما يحصل اليوم. راهن البعض على أنّ إيران ستتحمل مسؤولياتها نحو غزّة على اعتبارها "راعية" المقاومة في المنطقة. ولكن على أرض الواقع أرسلت طهران رسائل متضاربة يغلب عليها التنصل مما قامت به حركة حماس يوم 7 أكتوبر، حتى أنّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تهرّب مرارا من سؤال مذيع قناة الجزيرة مؤخراً عن "الخطوط الحمر" الإيرانية حيال العدوان الإسرائيلي، رغم طرح السؤال بثلاث صيغ مختلفة من قبل المحاور.

موقف طهران الرسمي لم يختلف عن موقفها "غير الرسمي" الذي تعبّر عنه عادة من خلال أذرعها وميليشياتها في المنطقة. اكتفت إيران حتى الآن بحركات استعراضية من قبيل إرسال قطعان من الحشد الشعبي إلى المنفذ الحدودي الفاصل بين العراق والأردن "طريبيل"، بذريعة دعم غزة والمشاركة في القتال الدائر هناك. ولو كانوا صادقين لتوجهوا نحو الحدود الفلسطينية من طريق سوريا ولبنان المحسوبتان سياسياً وأمنياً وعسكريا على المحور نفسه.

كما أوعزت إيران لميليشياتها في العراق وسوريا بشن هجمات محدودة التأثير يجرى تضخيمها إعلامياً لحفظ ماء وجهها بعد أن فضحت حرب غزة مزاعم جهوزية محور "المقاومة" للانخراط في العمليات العسكرية ضد "إسرائيل" وجعلت شعار "وحدة الساحات" نكتة سمجة للاستهلاك الإعلامي. مع العلم أنّ ممثل إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، أكد الجمعة (10 نوفمبر) أن بلاده "ليست متورطة" في أي هجوم ضد القوات الأمريكية في سوريا والعراق.

أما حزب الله، رأس الحربة في "محور المقاومة"، فقد اقتصر رد فعله حتى تاريخه على البيانات و"الكليبات" الحماسية لزعيمه الذي لم يجرؤ حتى على رفع سبابته التي اعتدناه يرفعها في خطاباته لتهديد إسرائيل. في حين يخوض مقاتلوه على الأرض معارك شرسة مع أبراج مراقبة، حتى باتوا مثار تندّر وسخرية.

وفي سوريا، غاب رأس النظام عن المشهد تماماً وكأنه غير معني بما يجري في فلسطين؛ وهو الذي سرق ثروات البلاد وشرّد العباد بذريعة "الصراع مع إسرائيل" وصدّع رؤوسنا لسنوات بمحوره "المخصي". ولايزال نظامه ملتزماً بـ "حق الرد" على ضربات إسرائيل التي يبدو أنها حوّلت مطاري حلب ودمشق إلى حقلي رماية وتدريب لطياريها الجدد، حتى أن النظام كفّ عن إصلاحهما لكثرة تعرضهما للقصف منذ بدء الحرب على غزة.

ساذج من يعتقد بأن دولة الملالي بريئة من عملية حماس المسماة "طوفان الأقصى"، وأحمق من يرى أن هذه العملية سيكون لها أثر إيجابي على القضية الفلسطينية العادلة. لقد ورطت إيران حركة حماس الإخوانية بعملية إرهابية مكسوّة بالغباء الاستراتيجي، قدّمت من خلالها "حماس" المسوّغ لإسرائيل لتعبّر بكل أريحية عن إجرامها تحت أنظار العالم الذي لا يخفى على أحد انحيازه لإسرائيل. قالت الحركة إنّ هدفها من العملية تبييض السجون، أي إرغام إسرائيل على إطلاق سراح 5200 أسير فلسطيني، فإذ بالعملية تتسبب بمقتل حوالي 12 ألف فلسطيني، والرقم بازدياد.

لقد ثبت أنّ لدى حماس 240 مختطف إسرائيلي، و2 مليون أسير فلسطيني تقامر على دمائهم. قلوبنا مع شعبنا في فلسطين ومع اهلنا في غزة ولكن لن ندعم احتلال ايراني كي نتخلص من احتلال صهيوني.

•ثابت عبارة: الرئيس التنفيذي لشبكة بلدي الإعلامية

مقالات ذات صلة

صحيفة غربية: تركيا تعرض على امريكا تولي ملف التظيم مقابل التخلي عن "قسد"

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية

خالفت الرواية الرسمية.. صفحات موالية تنعى أكثر من 100 قتيل بالغارات الإسرائيلية على تدمر

توغل إسرائيلي جديد في الأراضي السورية

ميليشيا إيرانية تختطف نازحين من شمالي حلب

أردوغان: مستعدون لما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا