Observer - ترجمة بلدي نيوز
تاريخياً، في العلاقات السلطوية السياسية المتعددة الأحزاب، لطالما كان هناك حزب واحد في كثير من الأحيان أقوى من بقية الأحزاب، ولقد اعتاد الرومان على دعوة تلك الأحزاب الأضعف بـ"التوابع"، حيث لم تنافس تلك "التوابع" روما على السلطة أو البروز، فلقد عرفت مكانتها، في حين كانت روما بوضوح ودون أي منازع المضيف القوي، لقد تم تحديد أدوار أولئك "التوابع" بينما تمّ التّصدّق عليهم من قبل روما.
وفي أجزاء معينة من الشرق الأوسط، ولا سيما في سوريا، احتلت روسيا دور روما الآن، إذ أن روسيا هي "السيد" في مثل هذه الألاعيب في العلاقات، حيث جمع الروس ما بين القوة والنفوذ باستخدام النموذج ذاته الذي استخدمه الرومان ومع نفس النجاح، اليوم، روسيا هي الملك ، وكما هو الحال في الأيام الغابرة، فإن "التابع" يفعل ما هو متوقع منه تماماً، في مقابل حصوله على الحماية، إن المعادلة بسيطة جدا، ولكن من الصعب أن تكون متكافئة.
لقد كان الغرض الروسي يتجلى في تعليم الأسد الدرس الأساسي: "أنت ملكنا، ولست شيئاً من دوننا"، كما قامت روسيا بالتوضيح للسفاح بشار الأسد بأنه وعلى الرغم من أنه قد يحمل لقب الرئيس، فإن لقبه ذلك لا يعني أي شيء، فروسيا من تسيطر على ما يحدث في سوريا، وفلاديمير بوتين من يمسك بزمام الأمور، الأسد هو دمية له فقط.
لقد قررت روسيا مؤخراً تذكير الأسد بعلاقتها الخاصة، في خطوة تذكّر بالطريقة التي تمت فيها إزالة سلفه ميخائيل غورباتشوف من السلطة، فقد أعطى بوتين لبشار الأسد درساً واقعياً، تمّ وصف هذه الأحداث في تقرير للمخابرات في اللغة العبرية والذي أنتجه موقع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "ديبكا"، حيث كتبت وكالة AP مقالة قصيرة جداً عنه، وبعد ذلك كل من موقع FoxNews وCBSNews حيث نشرتا مقالتين بشأن هذه المسألة، وبربط كل ذلك معاً، فإن هذا هو ما حدث:
قام ضابط روسي صغير بالاتصال بالقصر السوري الرئاسي، قائلاً بأن لديه رسالة مهمة للغاية للرئيس بنفسه، وأضاف بأن هذه الرسالة هامة وحساسة للغاية وليس من المفترض لأي أحد سماعها، سوى أذن الرئيس السوري نفسه، وقام الأسد بابتلاع الطعم متلقياً تلك المكالمة، ومن ثم تم تعليقه بطرف "السنارة" وسحبه كسمكة صغيرة.
لقد أخبر الرسول الروسي الرئيس بأن هنالك ضيفاً خاصاً جداً، وصل لتوه إلى سوريا، حيث يحتاج ذلك الضيف للتحدث إليه مباشرة، وجهاً لوجه في القاعدة الجوية الروسية في محافظة اللاذقية شمال غرب سوريا، ولن يسمح بأي من المستشارين أو أي فريق آخر بمرافقة الرئيس، لن يسمح سوى بأفراد أمنه الشخصيين والمترجم العربي-الروسي الخاص بمرافقته.
الأسد، بطبيعة الحال، افترض بأن الرئيس الروسي بوتين بنفسه، قد وصل سراً إلى سوريا لتقديم رسالة هامة من الدعم، حيث قام بسرعة بالقفز في طائرته الخاصة متوجهاً إلى القاعدة الروسية حيث تم استقبال طائرته، وعند نزوله، تم نقله إلى منزل قائد القاعدة الروسية، في الوقت نفسه فإن فريق أمن الأسد، لم يسمح له حينها بالنزول من الطائرة ومرافقته، فقط المترجم من رافقه، لقد ظن الأسد بأن ذلك الأمر كان حساساً جدا لأي شخص آخر أن يسمع به، وعندما دخل الأسد إلى المنزل، فوجئ بعدم رؤية فلاديمير بوتين، ولكن سيرجي شويجو وزير الدفاع الروسي.
بمجرد أن يتمّ تجريد أي قائد من المعرفة الأساسية للأمور، وما أن يصبح وحيداً بمفرده، دون وجود أي حراسة أمنية أو حاشية، ولو للحظة واحدة أو حدث معين، فإنه يتوقف حينها عن كونه قائداً، عند هذه النقطة، يتحول أي زعيم ليصبح تابعاً، وهذا ما حدث تفصيلاً.
لقد كان الغرض الروسي من هذه الحادثة يتجلى في تعليم الأسد درسا مهماً، أنت ملكنا، أنت لا شيء دوننا، ومهما كان رأيك فيما يحدث من حولك، فإنه لن يغيّر أي شيء، أنت كأي شخص آخر، تقوم بتلقي المعلومات على أساس رؤيتنا بأن هنالك حاجة لاطّلاعك عليها، و روسيا فقط هي من تقرر ما يجب أن تعرفه، ومتى يتوجب أن تعرفه، وهي من ستقوم باطلاعكم.
إن القول بأن الرئيس السوري بشار الأسد، نجل حافظ الأسد، كان خانعاً هو أمر بديهي جداً، فقد كان واقفاً هناك وحده وبمفرده، مجرّد سياسياً، وعارٍ تماماً أمام نظيره الروسي الأعلى مكانة.
ليس هنالك من شك، بأن روسيا في الوقت الراهن، تحتاج الأسد ليقف كتمثال في مقدمة السفينة، إذ وفي وجهة نظرهم، ليس هنالك من شخصية سورية أخرى، قادرة على تقديم المزيد من التنازلات والتبعية بالطريقة التي قام الأسد بها، ولكن على الأسد أن يفعل كل ما يؤمر بالقيام به، لا أكثر ولا أقل، وإذا وجدت تلك اللحظة حيث ترى فيها روسيا أن لا فائدة لروسيا من الأسد، فمن الواضح الآن تماما بالنسبة للأسد، وبالنسبة لنا جميعا كمراقبين للوضع في سوريا، بأنه يمكن وبإجراءات موجزة فقط، وربما بشكل غير رسمي، الاستغناء عنه مباشرة.