بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
بدأت "موسكو" تحصي مكاسبها وإخفاقاتها في سوريا، بعد مرور خمس سنوات على تدخلها "سياسيا وعسكريا" لمنع سقوط نظام الأسد.
وافتتح موقع "روسيا اليوم" بمجموعة من العناوين التي تناولت ملف "المكاسب" أو حتى "العقبات" على الساحة السورية.
وأشارت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اﻷخيرة إلى أنه بدأ العداد الزمني لعملية "حصر وتقييم دور بلاده"، حين قال؛ "انتهت المواجهة المسلحة بين السلطات السورية والمعارضة". وأضاف بقيت "بؤرتان فقط" للتوتر، واحدة في إدلب والثانية في شرق الفرات، وكان موقفه واضحا بأنه "لا حل عسكري" في هاتين المنطقتين.
والتصريح السابق يبرر بحسب محللين، انطلاق عملية "تقييم الروس لتدخلهم"، في الساحة السورية.
مكاسب اقتصادية
وتشير التقارير التي تصدرت موقع "روسيا اليوم"، إلى جملة من المكاسب، العسكرية والسياسية، لكنها بالمقابل تتجاهل؛ ما حققته من نفوذ اقتصادي واسع، من خلال اﻻمتيازات التي منحها "اﻷسد" لـ"موسكو".
وحصر اﻷسد، استيراد القمح، من حليفه الروسي، وأعطيت اﻷخيرة امتيازات في شركات الفوسفات وغيرها، بعقود وصفت بأنها "مجحفة" وحصدت جدلا واسعا.
مكاسب عسكرية وجيوسياسية
عمليا؛ حققت موسكو مكاسب على الصعيد العسكري، وصفت بأنها "لا تقدر بثمن"، من بينها "تراكم الخبرات القتالية"، فضلا عن تجريب مئات الطرازات من الأسلحة الحديثة التي لم تجرب في أي حرب حقيقية.
ويشير تقرير لصحيفة "الشرق اﻷوسط" إلى هذه النقطة، بعقد مقارنة بسيطة بين مشاهد استعراض قدرات روسيا العسكرية في جورجيا 2008 وأوكرانيا 2015 ثم بعد "التجربة السورية" في 2020. وتفوقها في المشهد اليوم.
كما ترجمت "الشرق اﻷوسط" مقاﻻ لوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، نشرته صحيفة "النجمة الحمراء" التابعة لوزارة الدفاع أمس، كشف فيه تفاصيل مثيرة عن التحضير لإطلاق العملية العسكرية الروسية في سوريا، وقال إنه "قبل بدء العملية تم وبشكل سري تشكيل قوة عسكرية في قاعدة حميميم، ضمت 50 طائرة حديثة ومحدثة، منها 34 مقاتلة وقاذفة و16 مروحية، وتم نشر وحدات للتموين والإسناد المادي والتقني، والحراسة وقوات العمليات الخاصة".
وبحسب المقال، أشار شويغو إلى أنه تم نقل عشرات القطع من المعدات ومئات العسكريين ومخزونات ملموسة من مختلف المواد لمسافة 2.5 ألف كيلومتر بشكل سريع، وذلك وسط إجراءات غير مسبوقة للتمويه.
وأضاف شويغو، أن ظهور مثل هذه التشكيلة القوية على بعد آلاف الكيلومترات عن الأراضي الروسية كان "مفاجئا للكثيرين"، زاعما، أنه بنتيجة العملية العسكرية الروسية في سوريا، تمت تصفية أكثر من 133 ألف مسلح، حسب وصفه، 4.5 ألف منهم من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، بينهم أيضا 865 من القياديين في الجماعات المسلحة.
ورأى شويغو أن "أهم نتيجة وميزة بالنسبة لنا كانت نشر قاعدتين عسكريتين روسيتين بشكل دائم. في حميميم، لدينا قاعدة جوية من الدرجة الأولى قادرة على استقبال جميع أنواع الطائرات وقاعدة طرطوس التي تتمتع بوضع مركز لوجيستي للبحرية الروسية".
وخلص المقال إلى أن الحرب السورية "عززت مكانة روسيا، وعززت نفوذها الدولي، وحيدت محاولات المنافسين الجيوسياسيين لعزل بلادنا سياسيا ودبلوماسيا". حسب شويغو.
خلاف مع النظام
ويبدو أنّ اﻷمور بين الروس والنظام لم تكن تسير على ما تشتهيه موسكو؛ وهو ما تبينه التقارير اﻷخيرة، وﻻسيما ما نشر على موقع "روسيا اليوم"، في إشارةٍ إلى تباين وجهات النظر، بين الحليفين.
حيث تسعى موسكو لفرض إيقاع جديد يتمثل في قطف ثمرة انحسار وتراجع المعارضة، ﻹبرام تسوية سياسية، وإطلاق المعتقلين، فيما يناور اﻷسد، ويرفض الخطوات الروسية المقترحة، ووجدت اﻷخيرة نفسها أمام مساع لعرقلة عمل اللجنة الدستورية في جولتين العام الفائت.
ومن جملة تلك النقاط التي أبرزت التباين بين الحليفين؛ مماطلة النظام في اتخاذ خطوات على الأرض لتسهيل التحركات الروسية على صعيد ترتيب عودة آمنة للاجئين، وعدم إبداء النظام مرونة في التعامل مع الملف "الكردي"، من خلال وضعه شروطا قاسية وغير مقبولة أمام الأكراد بينها مسألة التجنيد الإجباري؛ اﻷمر الذي أثار استياء الروس.
وتبقى نقطة الخلاف اﻷكبر متعلقة الوجود "اﻹيراني"، الذي تسعى موسكو ﻹنهائه، وإبعاد اﻷخيرة عن "جنوب سوريا"، منذ نحو عامين، بعد تفاهمات روسية _ إسرائيلية.
وبالمقابل؛ تتحدث الصحف الروسية اليوم، وفق ما ترجم موقع جريدة "الشرق اﻷوسط" أن الروس دفعوا اﻷسد، لتبني إصلاحات شاملة داخليا على المستوى المعيشي واﻻقتصادي؛ إﻻ أن الواقع تزامن مع ما وصفته بـ"استفحال الفساد".
ويشير تقرير "الشرق اﻷوسط" أنّ موسكو باتت أمام قناعة رئيسية وهي تغلق عامها الخامس في الانخراط الكامل في الملف السوري، بأن عليها إعادة معالجة العلاقة مع الأطراف الفاعلة الأخرى في سوريا؛ إذ تقف موسكو أمام استحقاق الوجود الإيراني الذي يعرقل بشكله الراهن كل خطواتها اللاحقة، فضلا عن ضرورة معالجة ملف العلاقة مع إسرائيل، التي واصلت توجيه الضربات العسكرية ضد الإيرانيين وضد مواقع عسكرية سورية غير آبهة بدعوات موسكو لتجنب استهداف المنشآت والقواعد السورية.
وبحسب التقرير؛ فإنّ أمام موسكو مشكلة التنسيق مع الشريك التركي المتعب، "كما بات يصفه الروس"، فضلا عن الاستحقاق الأكبر بمواجهة الوضع في مناطق شرق الفرات في حال التزمت واشنطن بانسحاب مزمع، أو في حال أبقت على بعض قواتها.
واعتبر خبراء روس أن التوازن الدقيق الذي أقامته روسيا خلال سنوات في علاقاتها مع الأطراف المنخرطة في الأزمة، وصل إلى مرحلة النهاية، وإن الفترة المقبلة يجب أن تشهد إعادة ترتيب شاملة للوضع تقوم على توافقات محددة مع كل منها.
ويفسر خبراء اتجاه موسكو نحو توسيع دائرة تحركاتها لدفع العملية السياسية في إطار لا يقتصر على المدخل الدستوري الذي يشكل الرافعة الأساسية من وجهة نظر موسكو، لكنه يتسع ليشمل وضع آليات جديدة لتنفيذ القرار 2254 بكل بنوده. بهذا المعنى فإن الترجيحات الروسية تشير إلى أن العام السادس الذي يفتح أبوابه حاليا سيكون حاسما على صعيد التسوية السياسية.
يذكر أن تدخل الجيش الروسي، في الساحة السورية، لصالح نظام اﻷسد، بدأ في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015 وقلب موازين القوى على الأرض.
ونجحت موسكو في خلاصة تقاريرها وعبر ما وصفته بالجزء "النشط" من العمليات العسكرية المكثفة من تفتيت المعارضة المسلحة، وحشرها في إدلب تحت رقابة روسية - تركية مشتركة.
وتقول موسكو بحسب تقرير ترجمته "الشرق اﻷوسط"، إن هذه العملية استغرقت 804 أيام.
ومن الناحية السياسية، أطلقت موسكو "مسار آستانة" واخترعت حل "مناطق خفض التصعيد" كبديل عن مسار التسوية السياسية في جنيف، اﻷمر الذي مكنها من مواصلة العمليات العسكرية لقضم الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة تدريجيا.