swissinfo – (ترجمة بلدي نيوز)
وصفت اثنتان من النّاشطات السّوريات للطلاب السويسريين، التعذيب الوحشي المُمَنهَجَ واللتان كانتا قد تعرضتا له أثناء وجودهما في سجن دمشق، وذلك كجزء من جولة نظّمتها مُنظّمة العفو الدولية.
في مدينة برن السويسرية، حيث حضر نحو 170 طالباً سويسرياً، تحت سن العشرين، لسماع شهادة النشطاء السوريين.
أمام وجوه طلاب ثانوية "كيرهنفيلد" ببرن، وصفت أمل نصر، الناشطة السورية اللاجئة في سويسرا، ورنيم معتوق، اللاجئة في ألمانيا، ظروف اعتقالهما في سجون دمشق وما عاينتاه من أبشع أشكال التعذيب والتنكيل، وذلك قبل خروجهما من سوريا، وجاءت شهاداتهما تلك في إطار جولة نظمتها مؤخراً منظمة "العفو الدولية" في الذكرى الخامسة لاندلاع الثورة السورية، بهدف الحديث مُباشرة مع السوريين وليس عنهم. وعكست أسئلة الحاضرين، وردود أفعالهم هول الصدمة التي ألمّت بهم لدى سماع أساليب القمع التي يصعب تخيّلها ببساطة، في بلد حريات كسويسرا.
"هل كان الشعب السوري مقموعاً دائماً لهذه الدرجة، أم أن الوضع تفاقم في السنوات الأخيرة؟"، "كم هي نسبة السوريين الذين تلاحقهم سلطات النظام الحاكم؟"، "هل الناس في سويسرا وألمانيا ودودون معكما؟".
لم يوجّه طلاب ثانوية "كيرهنفيلد" أسئلتهم هذه إلا في ختام الندوة، فعلامات الصدمة بدت جليّة على ملامحهم وهم يستمعون إلى شروحات مديرة الندوة، الدكتورة وجد زيمرمان، رئيسة جمعية "نساء سوريا من أجل الديمقراطية"، وتفسيرات المُترجمتين اللتين رافقتا أمل نصر ورنيم معتوق. فقد تابَعوا السّرد المُفزع للسّجينتين السابقتين بعيون مذهولة وأفواه صامتة، لعلهم كانوا بحاجة أولاً لاستيعاب ما انهال على مسامعهم من فظاعة، قبل طرح أيّ سؤال أو التعبير عمّا جال بخاطرهم حينها، والبداية لم تكن هيّنة حيث قالت السيدة أمل نصر قارئة رسالة كانت قد تلقّتها:
"لقد تم كسر ظهري على جهاز التعذيب المُسمّى بـ"بساط الريح"، كُسرت قدمي اليُسرى، قُصّ شعري بالسكين، أُطفأت السجائـر في يدي، وجُلدْتُ بالسّوط على ظهري ويداي وقدماي، أصبحت ذراعي اليُسرى بحاجة إلى 48 غرزة، عانيت من النزيف الحاد لمدة ثلاثة أشهر، فقدت بصري لمدة ثلاث ساعات، و تمّ حينها تحويلي إلى مستشفى إثر ذلك وخضعتُ لعملية جراحية نسائية لا أعرفُ ما هي، وأنا بنتٌ عذراء حينها".
هذا فقط مقتطف من الشهادة المُرعبة التي استهلّت بها أمل نصر حديثها أمام طلبة ثانوية "كيرهنفيلد" في شهر آذار/مارس الماضي، إذ لم تكن هي ضحية تلك البشاعة، بل كانت مُعتقلة سياسية شابة في الثانية والعشرين من عمرها، بسجن عدرا بدمشق - أحد أكبر سجون البلاد- وقد بعثت تلك الفتاة بـرسالتها إلى أمل نصر بصفتها ناشطة نسائية منذ عقد التسعينات، دافعت عن حقوق النساء في سوريا ضمن العديد من المنظمات، واعتُقلت بدورها أكثر من مرّة، أمل نصر تَلَت تلك الرسالة كاملة قبل الحديث عن تجربتها الشخصية، أكدت فيها أن ما تعرضت له هي كان "أهون بكثير من تعذيب الكثيرين والكثيرات".
حصلت أمل نصر على حق اللّجوء في سويسرا قبل عام وذلك بعد اضطرارها للهروب من سوريا بسبب ملاحقتها أمنياً إثر خروجها من السجن، وأوضحت أمام الحضور الشاب أن أغلب السّوريات هربن من وطنهن الأم "لحماية أبنائهم من الاغتصاب، والقتل، والخطف، والاعتقال"، قبل أن تُضيف: "لقد خرجتُ من سوريا بشكل غير شرعي، وتركتُ ابنتي الوحيدةَ ذات العشرين عاماً في دمشق تحت وطأة الحرب، والنتيجة: أسرة من ثلاثة أفراد مُشتّتة بين ثلاثة بلدان: الأم لاجئة في سويسرا، والأب لاجئ في بلاد أوروبية أخرى، في حين أن الابنة لازالت في انتظار الفَرَج.
توجّهت أمل نصر لجمهور الشباب السويسري في عمر ابنتها موضّحة، وهي تقاوم دموع عينين مقهورتين، أنها لم تستطع جَلبَ ابنتها من دمشق إلى سويسرا لأن قوانين الدولة لا تسمح بلمّ شمل الأطفال فوق سن 18 عاماً.
شرحَت أن سبب آخر اعتقال لها كان انخراطها في مشروع للسلام مع نساء سوريات، من مواليات ومُعارضات للنظام، لكن حُلمها بالسلام، تحوّل إلى كابوس في غياهب سجن عدرا للنساء بعد اتهامها بالإرهاب، لتجد نفسها مع 800 امرأة أخرى، زُجَّ بهنّ خلف القُضبان كالمُجرمات لأنهن، مثلما أوضحت "أخواتٌ أو أمهاتٌ أو بناتٌ لشُبان اضطرّوا لحمل السلاح لمواجهة عنف النظام".
قالت: "أنا امرأة لي باع طويل بالسياسة، فقد تعرّضت للاعتقال السياسي قبل الثورة، ولكن الاعتقال بعد الثورة كان مُخيفاً، كُنّا 12 امرأة في زنزانة لا تزيد مساحتها عن متر ونصف، لا نستطيع النوم فيها ولا الجلوس، وكانت بيننا شابّات بعمر 13 عاماً وأمهات بعمر 86 عاما، لن أنسى ذلك اليوم الذي دخلت فيه علينا شابّة تصرخ مُردّدة رقم الجثة التي كانت في الخارج 15940"، فقد وضعوا على ظهر الشابة رقم الجثة التي قتلت، وذلك لأن العديد من السجناء، كباراً وصغاراً، يحملون أرقاماً على ظهورهم، مثلما شرحت رنيم معتوق التي كانت مُعتقلة أيضاً في سجن عدرا حيث التقت بأمل نصر، صديقة والدَيها.
"كانت الجثثُ تظل مع المعتقلين لبضعة أيام" قالت رنيم معتوق والتي لجأت إلى ألمانيا قبل سنة تقريبا، برفقة والدتها وشقيقها: "شاهدتُ أطفالاً في المعتقل بأرقام على ظهورهم، وطبعا، فإنّ مصير كلّ طفل أو شخص يحمل رقماً على ظهره هو الموت تحت التعذيب أو الإعدام، لا أتصور أن هؤلاء الأطفال كانوا إرهابيين، كل يوم، كانت تخرج حوالي 11 جثة، ولم يكن يتمّ ذلك بعد الوفاة مباشرة، بل كانت الجثث تبقى لبضعة أيام مع المعتقلين لدرجة أن رائحة الحرية صارت مُرتبطة في أذهاننا برائحة الموت".
وبصوت هادئ، أوضحت الشابة رنيم معتوق أن عمليات الاعتقال غالباً ما كانت تتمّ في أماكن سرّية كي لا تُعرف أيّ معلومة عن الشخص المُعتَقَل، حيث تتمّ "أبشعُ أنواع التعذيب، واغتصاب للنساء، والإتجار بأعضاء المعتقلين"، مثلما وصفت.
وعن "الجريمة" التي قادتها إلى سجن عدرا، قالت هذه الشابة الجامعية: "كان نشاطي في سوريا عبارةً عن تنظيم مظاهرات سلمية طلابية، للمُطالبة بالحرية والدولة المدنية، وبالنسبة للنظام، كان نشاطنا هذا أخطر من المجموعات المُسلحة أو من إرهاب ما يسمى بتنظيم "داعش"، لم يكن لدى النظام من أي سبب مقنع أمام العالم لاعتقالنا أو إخفاء أصواتنا، لذلك كان يلجأ دائما لعمليات الاختطاف بدون وجود أي شاهد، ورغم أن كل ما طالبنا به كان الحرية والسلمية، كان يتم دائما تحويلنا إلى محاكم إرهابية".
وتواصل قائلة: "للأسف، لقد أصبح العالم ينظر اليوم إلى الشعب السوري على أنه شعب إرهابي، لقد عمل العالم على إخفاء الحقيقة عن شعوبه، ولم يعد أحد يسمع صوت المعتقلين، أو صوت ضحايا هذه الحرب، إنها ليست حرباً ضد الإرهاب أبداً، بل قمعاً لصوت الحرية".
رنيم معتوق أوضحت أنها تربّت على مفهوم السياسة والدولة الديمقراطية منذ نعومة أظفارها، فهي ابنة خليل معتوق، المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان منذ أكثر من 20 عاماً، والذي اختفى في شهر أكتوبر 2012 برفقة زميل له بينما كانا يتوجهان إلى مقر عملهما بدمشق، ومنذ ذلك التاريخ، لا تعرف رنيم عن أبيها شيئاً، والذي يعاني من قصور رئوي حاد، لكنها اكتشفت خلال التحقيق الأمني معها، بأن والدها كان معتقلاً لدى النظام السوري، رغم أن الأخير يُصر على نفي علاقته بذلك.
وتضيف رنيم قائلةً: "نحن لم نُفكر يوماً في مغادرة سوريا، بل كُنّا ننتظر والدي، ولكن وعندما بدأت المضايقات تطال أخي الوحيد الأصغر مني، لم أعد أتحمّل الحياة بسوريا"، قرّرت الشابة بين عشيّة وضحاها المخاطرة والفرار لوحدها إلى الحدود اللبنانية رغم أن اسمها كان مطلوبا لدى السلطات، لكن الحظ ابتسم لها، لأن ضابط الحدود كان يعرف أحد أقاربها، وسائق التاكسي الذي أوصلها كان معارضاً للنظام، وبعد يومين من وصولها إلى لبنان، أعلمت والدتها وشقيقها اللذان التحقا بها ليقدّموا بعدها طلب اللجوء إلى ألمانيا.
بعد الشهادات، حان وقت الأجوبة على أسئلة الطلبة، ثّم تعليقاتهم على ما سمعوه، قالت أمل نصر: "القمع موجود في سوريا منذ أكثر من أربعين سنة، حتى أن هناك مدرسة خاصّة بالقمع السوري"، قبل أن تضيف "وجد زيمرمان": "لقد أصبح القمع أكثر دموية وخطورة منذ اندلاع الثورة".
وعن نسبة المواطنين الملاحقين من قبل النظام، أعربت أمل نصر عن اعتقادها بأن "النسبة تتجاوز 60%"، مشيرة إلى أن الأخطر في الحرب هو "نسبة المفقودين والتي تتجاوز ربع السكان" على حد تقديرها.
أما بالنسبة للطف وود الشعبين السويسري والألماني اتجاههما، فلفتت رنيم معتوق بقولها إلى أنّ الشعوب الأوروبية بشكل عام هي مجتمعات لطيفة"، ولكنها أكّدت أن تجربتها في ألمانيا أظهرت لها أن "العدد الأكبر من الناس يريدون معرفة ما يحدث حقيقة في سوريا، لأن الإعلام لا يغطّي دائما الجزء الكامل للحقيقة". أما أمل نصر فأصرت على التمييز بين الحكومات والشعوب، مؤكدة: "أنتم الشعب، إذا سمعتم قضيتنا ونقلتموها على أنها ليست إرهاباً ضد النظام، خلافاً لما يفعل الإعلام الحكومي، فبالتأكيد إن الشعب سيساعدنا كثيرا حينها".
أما عن انطباعات الطلاب عمّا أصغوا له.. كان قد تعاقب الطلاب معلّقين، حيث قال أولهم: "لقد تأثرت كثيرا بشهاداتهما، فهما قدمتا معلومات كثيرة كنت أجهلها عن وضع النساء المُعتقلات، كما صُدمت بترقيم السجناء وعلمهم مسبقا بأن الموت هومصيرهم الحتمي". أما زميلته فصُدمت بنسبة الـ 60% التي قدمتها أمل نصر عن السكان المُلاحقين من قبل النظام، قائلة: "فوجئت جدا بالمعلومة التي مفادها بأن أسرة وأقارب الأشخاص الذين يناضلون من أجل الديمقراطية يتعرضون للاضطهاد، وصُدمتُ أيضاً لأن وسائل إعلامنا تقوم بإخفاء هذه الجوانب من النزاع".
في حين عبّرت تلميذة ثالثة بدورها عن صدمتها الكبيرة قائلة: "كنت أعرف أن الوضع في سوريا سيء ومريع، ولكن ما قصّته لنا المعتقلتان السابقتان عن الظروف في السجن أمرٌ لا يصدق حقّا، خاصة عن الجثث التي يتم الإبقاء عليها مع السجناء لبضعة أيام، هذه أشياء تكاد لا تُصدق هنا، وأشعر بالعجز لأنني لا أستطيع فعل أي شيء كان، بينما تتدهور الأوضاع في سوريا، وفي تحليل سياسي للوضع، تابعت قائلة: "إن المجتمع الدولي يتحدث دائما ولا يفعل شيئاً، في حين تقول روسيا بأنها تحارب تنظيم "داعش" ولكنها تقوم بمحاربة المعارضين للنظام، إن الوضع معقّد جداً، لا نعلم من يجب دعمه ولا نميّز أهداف مختلف الأطراف".
كما أن طالباً آخر قد تأثّر كثيرا بشهادة الشابة رنيم معتوق لأنه أيضاً كان لاجئاً من كوسوفو، وقال: "إنّ مثل هذه الندوات فرصةٌ لتكوين صورة واقعية عن اللجوء بالنسبة للأشخاص الذين ليس لهم علاقات باللاجئين أو بالأجانب، والذين يشعرون بالخوف من اللاجئين".
وكان الختام مع طالب من هواة قراءة الصحف والذي قال: "أتأثر دائما بمثل هذه الشهادات عن أشياء لا نعرفها هنا في أوروبا، فنحن لا نستطيع تخيّل ماذا تعني تلك المعاناة لهؤلاء الأشخاص، نحن بوسعنا فقط محاولة الفهم، فهذه الأم هنا وابنتها لازالت في سوريا، لا تتكون لدينا نفس الصورة عن سوريا إذا قرأنا الصحف أو شاهدنا التلفزيون، ولكن حين نستمع لشهادات من هذا القبيل، فإننا نكتشف حقيقة أخرى".
اهتمام طلابي كبير بشهادات اللاجئتين السوريتين
وقد شملت الجولة التي نظمها الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية في شهر مارس 2016 في الذكرى الخامسة لاندلاع الثورة السورية، عدداً من المؤسسات التعليمية الثانوية والجامعية في مدن لوزان، وبازل، وبرن، وزيورخ، وفريبورغ.
وفي كل ندوة، فاق الحضور العدد المتوقع، ففي ثانوية كيرهنفيلد مثلا، كان يُنتظر مشاركة 70 تلميذا لكنهم كانوا في النهاية حوالي 170، وفي بازل، اضطرّ المنظمون لرفض 40 شخصاً إضافيّاً لأن القاعة لم تكن واسعة بما فيه الكفاية، في حين تجاوز العدد الإجمالي للحضور خلال الأسبوع 1300 شخص.
وكان الدافع الرئيسي من وراء تنظيم منظمة العفو الدولية لهذه الجولة هو "منح السوريين الكلمة وفرصة التعبير عن معاناتهم لعدم كفاية ما تنشره وسائل الإعلام عن سوريا ورد فعل الحكومات لمعالجة أزمة اللاجئين"، بهذه الجولة، أرادت المنظمة "إظهار السوريين وهم ينقلون وجهاً لوجه معاناتهم ، ليس بالضرورة تجربة الهجرة، بل الأسباب التي دفعتها للفرار من بلادها"
حالات الموت الجماعي في سجون سوريا تمثّل جريمة "إبادة"
في فبراير 2016، أصدرت لجنة التحقيق الأممية حول سوريا والتي تضم في صفوفها القاضية السويسرية السابقة كارلا ديل بونتي، تقريرا جاء فيه أن عمليات القتل الجماعي التي يتعرض لها محتجزون لدى الحكومة السورية تصل إلى حد تطبيق الدولة لسياسة "إبادة" بحق السكان المدنيين، وهي جريمة ضد الإنسانية.
ودعت اللجنة مجلس الأمن الدولي لفرض "عقوبات موجهة" على مسؤولين سوريين بارزين مدنيين وعسكريين وذلك لمسؤوليتهم أو لتآمرهم في موت وتعذيب واختفاء الكثير من المعتقلين، ولكن اللجنة لم تذكر حينها أسماء المشتبه بهم.
ويغطّي التقرير الذي يحمل عنوان "بعيداً عن الأنظار وفوق التصوّر: موتٌ في السجون" الفترة من 10 آذار 2011 إلى 30 أيلول2015. ويستند إلى لقاءات مع 621 من الناجين والشهود وأدلّة جَمَعَها فريقٌ يقودُهُ رئيس اللجنة باولو بينيرو.
وقال بينيرو في إفادة صحفية "لم تحدث زيارات قط للمنشآت التي ذكرناها في تقريرنا خلال الخمس سنوات تلك وطلبنا مراراً من الحكومة القيام بذلك" مشيراً إلى أن معظم الضحايا كانوا من المدنيين الرجال.
ولم يصدر عن الحكومة السورية أيّ رد كان، بهذا الشأن في حين أنها نَفَت محتوى تقارير مماثلة في السابق.