واشنطن بوست- ترجمة بلدي نيوز
أُتيحت لإدارة الرئيس باراك أوباما فرصةٌ أخرى لتطبيق فشل "خطّه الأحمر" ضد استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، وذلك في ضوء تقارير جديدة تفيد بأن نظام الأسد قد قام باستخدام غاز الأعصاب ضد الثوار وربما يخطط للمزيد من مثل هذه الهجمات، لكنه أيضاً تجاهلها، فقد أصبح قرار أوباما بعدم الرد على استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية في عام 2013، شعار سياسته الخارجية، والتي يقول النُّقاد بأنها لم تكن قويةً كفاية في سوريا وأماكن أخرى، ويبرّرَ أوباما ضبطه للنفس، بالإشارة إلى الاتفاق الدبلوماسي الذي توسّطت فيه كل من الولايات المتحدة وروسيا، لتدمير الترسانة الكيميائية السورية.
لكنّ التقارير الجديدة تتساءل عما إذا كان الأسد قد استجاب كلياً لذلك الاتفاق، حيث ذكرت صحيفة هآرتس، التي اعتمدت على ما يبدو على مصدر حكومي، بأنه يوم 2 أيار قامت قوات الأسد باستخدام غاز السارين في الشهر الماضي ضد مقاتلي تنظيم "داعش" وذلك بعد أن هاجموا قاعدتين للقوات الجوية السورية شرق دمشق، في حين أن مخزونات هذا الغاز القاتل، كان من المفترض أن تتم إزالتها من سوريا في عام 2014.
ونظراً للصمت الدولي، عبّرَ مسؤولون إسرائيليون عن قلقهم من أن الأسد سيستمر باستخدام تلك الأسلحة المحظورة. فإنه ومع استمرار القتال في سوريا، فمن المعقول الافتراض بأن نظام الأسد لن يتردد في استخدام هذه الأسلحة مرة أخرى، خاصة وبعد أن قام بفعل ذلك سابقاً... دون أن يجابه أي رد فعل.
إن استخدام غاز السارين هو علامةٌ أخرى تُؤكِّدُ على أن الأسد يبدو مستعدّاً لخرق أي جهود دبلوماسية كانت لنزع فتيل الحرب، ففي الأسابيع الأخيرة قامت قواته المدعومة من روسيا، بقصف مستشفى للأطفال في حلب، التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود، وهي منظمة إنسانية في مدينة إدلب مدعومة من قبل الولايات المتحدة وتدعى بالدفاع المدني السورية.
لقد أصبحت الأسلحة الكيميائية جزءاً من "الوضع الطبيعي الجديد" في سوريا، إذ وفقاً لتقرير نُشِرَ في شهر تشرين الثاني من قبل الجمعية الطبية السورية الأمريكية، ذكر أنه في عام 2015 وحده، تمّ رصد 69 هجمة للأسلحة الكيميائية في سوريا، معظمها بواسطة قنابل الكلور الملقاة من سلاح جو الأسد.
وكثيراً ما يبرِّرُ نظام الأسد مثل تلك الهجمات بالقول بأنها كانت تهدف لقصف تنظيم "داعش" أو جبهة النصرة- فرع تنظيم القاعدة في سوريا، ولكن تواجد هؤلاء الجهاديين يختلط مع المدنيين وجماعات المعارضة المعتدلة، بطريقة تجعل من الصعب عدم استهداف "غير المتطرفين" بهجماته تلك، وعندما زاد الأسد من حدة حملته العسكرية في مدينة حلب وأماكن أخرى، انهار تماماً اتفاق "وقف الأعمال العدائية" والذي تم التفاوض بشأنه من قبل كل من الولايات المتحدة وروسيا في شهر شباط.
وأشار مؤخراً السيد أحمد أوزومجو، المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى احتمالية احتفاظ النظام السوري بالأسلحة الكيميائية، محذّراً بقوله: "لا تزال هناك أسئلة، حول ما إذا كانت سوريا قد صرّحت عن كل ما يخص مخزونها من الأسلحة الكيميائية، أو ما إذا كانت لا تزال تمتلك بعضاً منها أو بعضاً من ذخائرها" كما أشار أوزومجو إلى علامات "مقلقة للغاية" تفيد بأن تنظيم "داعش" كان قد استخدم غاز الخردل في كل من سوريا والعراق.
إن مسؤولي إدارة أوباما قلقون من استخدام النظام السوري المستمر للأسلحة الكيميائية، في حين أنهم يرون اختلافات كبيرة ما بين الحوادث التي تم رصدها مؤخراً، وحجم ونطاق هجمات عام 2013، وذلك عندما استخدم الأسد غاز السارين وغاز الأعصاب المحرمين دولياً، مخلّفاً بذلك مقتل أكثر من 1400 مدني سوري.
وفي حين تبقي الدبلوماسية تركيز الإدارة الأمريكية مُنصَبَّاً على سوريا، تبدو الشراكة متوسعة مع روسيا، وليست في تناقص، وذلك على الرغم من انتكاساتها في تعزيز وقف إطلاق النار، وبينما كان مسؤولون روسيّون وأمريكيّون يناقشون موقع جماعات المعارضة السورية "المحميّة"، تحدّث مسؤولون من البلدين عن وجوب التواصل يومياً في جنيف وعبر الهاتف مع سوريا، حول أي المناطق هي أهداف مشروعة لوجود المتطرفين فيها، وأي منها ينبغي تجنّبها. إن "نطاق الوعي" المشترك هذا، كما وصفه أحد المسؤولين، يوضح المدى الهادئ في التعاون الروسي الأمريكي.
ولكن النظام السوري، ما زال يبين حدود دبلوماسية القوى العظمى، فروسيا لا يبدو بأنها تستطيع السيطرة على الأسد، حتى عندما تسعى مُحاوِلَةً القيام بذلك، إن الأسد الذي كان يُنظَرُ إليه سابقاً كطبيب عيون لطيف ذو أخلاق، أثبت الآن بأنه زعيم وحشي وقاتل عنيد، كان قد وَلَّدَ شراسة تنظيم "داعش" المكافئةِ له.
إذاً... من سيقوم بترويض ذلك الوحش؟ هل أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استعداد حقاً للتساهل مع ذلك الوضع الذي ينظر فيه إلى استخدام الأسلحة الكيميائية كشيء "طبيعي" وذلك على الرغم من أن الاتفاق الروسي الأميركي ينبغي بأنه ينصّ على حظر استخدام مثل تلك الأسلحة؟