بلدي نيوز - (خاص)
شكل الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي الإيراني منذ بدء الحراك السلمي في سوريا عام 2011 ضد النظام في سوريا، طوق النجاة لنظام "الأسد" بشكل عام، ورأس النظام على وجه الخصوص.
فقد ساهم الدعم الإيراني عسكرياً بقمع الحراك السلمي والتظاهرات وملاحقة المعارضين لنظام الأسد، وبعد أن تحول الحراك السلمي إلى العمل المسلح؛ وضعت إيران إمكانياتها العسكرية وخبرتها السابقة في قمع الثورة الإيرانية تحت تصرف نظام الأسد، كما ساهم الدعم الاقتصادي والسياسي بإيجاد متنفس له من العزلة الدولية التي فرضت عليه جراء العقوبات الدولية منذ بداية الحراك.
سيطرت "طهران" خلال الأعوام الأربعة الأولى من مواجهة الحراك السلمي والعسكري على القرار السياسي للعاصمة السورية دمشق بلا منازع، خلال هذه الأعوام سعت إلى توطيد نفوذها في سوريا والهيمنة على كافة القطاعات -العسكرية والسياسية والاقتصادية-، فضلا عن إذكاء روح المذهبية.
ومع فشل إيران في احتواء الحراك المسلح في سوريا والذي وصل إلى مراحل متقدمة بسيطرة المعارضة على أجزاء واسعة من الأراضي السورية، أبرزها محافظة إدلب ومحافظة ريف دمشق والوصول إلى أعتاب العاصمة دمشق منتصف عام 2015، استجد "الأسد" بالنظام الروسي الذي شرع بالتدخل العسكري بشكل مباشر؛ شعرت معه إيران بوجود شريك لها في القرار السياسي على العاصمة دمشق، وأن هذا الشريك قد يتحول مستقبلاً إلى ند من الممكن أن يُفشل جميع مشاريعها في السيطرة على سوريا، وإفشال مشروع "الهلال الشيعي".
وبدأت روسيا بالحشد العسكري وصناعة ميليشيات محلية موالية لها، فشكلت "الفيلق الخامس" اقتحام، ثم "الفرقة 25"، بعد حل ميليشيا "صقور الصحراء" وسحب الميليشيا التي يقودها سهيل الحسن "الجوية" من الوصاية الإيرانية للوصاية الروسية، استشعرت إيران بخصورة وجودها في سوريا وسارت على خطى روسيا ورممت ميليشيا الدفاع المحلي والدفاع الوطني وأشرفت على معسكرات وقواعد عسكرية في القلمون ومصياف وحماة وحلب ومحيط دمشق، تنافس فيها روسيا على الشراكة بالقرار السياسي والعسكري للعاصمة دمشق.
كما عملت إيران بالتوازي مع الوجود العسكري المباشر والوكلاء المحليين على التغلغل في المجتمع السوري عبر نشر المذهب الشيعي، وشكلت بالتعاون مع تجار ورجال أعمال ومؤسسات إغاثية وجمعيات مثل "جمعية البستان" و"مدارس الرسول الأعظم" وغيرها في الساحل السوري وحمص ودمشق وحلب وشرق سوريا، تهدف إلى نشر المذهب الشيعي في هذه المناطق.
ومع تطور الأحداث خلال الأعوام الخمسة الماضية والسيطرة التي حققتها الميليشيات الإيرانية على الأراضي السورية، والقضاء على تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، وسعي إيران لتخريب جميع الاتفاقيات التي عقدتها روسيا مع تركيا، وتعنتها والتمسك بشخص "الأسد" كرأس للنظام السوري وربط جميع الحلول بوجوده، فضلا عن تضارب المصالح والولاءات بين إيران وروسيا في مناطق سيطرة النظام، ويقين روسيا التام بعدم القدرة على تعويم رأس النظام دولياً للشروع بالمراحل اللاحقة من تحديد دستور للبلاد وإعادة الإعمار وغيرها من مراحل الحل السياسي، والضغوط الأمريكية والأوربية لإيجاد حل سلمي للقضية السورية يصل إلى صيغة مرضية للنظام والموالاة، والتسريبات الأخيرة التي تفيد بنية روسيا تحت الضغوط والمتغيرات الدولية التخلي عن رأس النظام مقابل الحفاظ على هيكلية النظام والاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية التي عقدتها مع حكوماته المتعاقبة، أصبح الموقف الإيراني يستشعر الخطر باعتبار وجوده مرتبط بوجود رأس النظام والدائرة الضيقة من رجال الأعمال التي ساندت "الأسد" والتي قد تزول بزواله، وارتباط جميع الحلول السياسية المطروحة بخروج إيران من الأراضي السورية.
وبحسب التسريبات الأخيرة، يتوكل نظام "الأسد" بمهمة إخراج إيران من سوريا، وأن الأسد أمام خيارين؛ إما إبعاد إيران والبقاء على كرسي السلطة، أو اختيار المواجهة بالخندق الإيراني مع كل من أمريكا وروسيا وتركيا و"إسرائيل".
وتعرضت مواقع إيران في سوريا خلال الأعوام الماضية لعدة ضربات جوية إسرائيلية، نتج عنها تدمير معسكرات ومعامل صواريخ ومستودعات وشحنات أسلحة، إلا أن الضربة الأكثر إيلاماً لإيران كانت الضربة الأمريكية التي استهدفت الرأس المنفذ والمخطط للطموح الإيراني الجنرال "قاسم سليماني" في العاصمة العراقية بغداد مطلع العام الحالي.
من خلال المعطيات السابقة والمشهد المعقد في سوريا والخيارات المحدودة أمام رأس النظام، ومع اقتراب تطبيق "قانون سيزر" الأمريكي، والدلائل التي أقرتها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ضد رأس النظام؛ هل سيرضخ "الأسد" للضغوط الأخيرة والقبول بالحل السياسي المرتبط بخروج إيران؟، أم انه سيختار الجانب الإيراني والتصادم مع حليفه الروسي وخصومه الإقليميين والدوليين من الجانب الآخر؟.