بلدي نيوز – ريف دمشق (سما مسعود)
عاش أهالي مدينة معضمية الشام في ريف دمشق الغربي، شتى صنوف الموت، فمن الموت قصفاً وقنصاً وحرقاً إلى الموت خنقاً، لكن أقساها كان الموت جوعاً.
فقد شهدت المدينة في نهاية 2013 ما يقارب 30 حالة وفاة جوعاً، من بينهم أطفال حديثو الولادة ونساء، إضافة لمسنين.
واليوم وبعد مرور أربعة أعوام على بداية الحصار تعود ملامح المجاعة إلى واجهة الحياة اليومية في المدينة المنكوبة التي يعيش فيها الآن 45 ألف مدني.
أم سامر واحدة من هؤلاء الـ 45 ألف، لكن قصتها تحمل الكثير من "أصالة التربية والمعشر" كما يقول عنها من عرفها.
تتقاسم أم سامر آخر ما تبقى لديها من مؤونة مع أقارب لها وجيران، جمعهم كما تقول "دم واحد والأهم هدف واحد . . . وهو التخلص من هذا الطاغية".
وتتابع أم سامر: "لدي القليل من البرغل أطهوه مع ماء ليكون لنا حساء".
لكنه حساء "شوربة" من دون ملح ولا زيت ولا أي منكهات، حيث أصبح سعر كيلو الملح داخل المدينة المحاصرة ما يقارب 12 ألف ليرة سورية "هذا وإن وجد" كما أخبرتنا أم سامر التي قالت: "نحن تسعة أشخاص نأكل اليوم حساء كنت أطهوه سابقاً كمقبلات لأربع أشخاص".
تعيش أم سامر مع ابن أختها وزوجته وابنهما لكنها كما تقول لا تستطيع أن "تسكت جوعها" وأطفال جارهم جوعى، فتتقاسم معهم ما تطهوه.
لا شيء في المدينة يوحي بالحياة سوى "ضجيج الأطفال الذي لا يتوقف فهم إن لم يكونوا يبكون جوعاً فإنهم يلعبون ويركضون".
يقول محمود "حفيد أم سامر" وهو طفل في الثامنة من عمره: "لا أحب الشوربة، فأنا لا أشبع لكن أمي تقول إنها مفيدة وتملاً المعدة".
يريد محمود كما قال أن يأكل الرز أو حتى لفافة سكر، لكن هاتين المادتين أضحتا في المدينة المحاصرة غذاءً خيالياً لا يوجد إلا في المخيلة، حيث بات سعر كيلو الرز إن وجد 6000 ليرة سورية، بينما وصل سعر كيلو السكر إلى 9000 ل.س.
ويردف محمود قائلاً: "كل يوم عندما نطبخ عليّ أن أنادي أولاد جارنا أبو عبدو، إنهم يأكلون بسرعة يأكلون أكثر مني لكني سعيد".
ويصف محمود سبب سعادته بالرغم من كونه الطفل الذي لم يدرك خلال سنوات عمره الثمانية إلا الحرب قائلاً: "نسمع قصصاً كثيرةً هنا ونمثلها، هذا ما يجعلنا سعداء، أحب أولاد جيراننا كثيراً برغم كل شيء".
ويشرح محمود: "لو لم يكونوا موجودين مع من سألعب؟، أنا زعيم اللعب هنا فنحن نملك شوربة ولدى جدتي بعض الطحين، الأسبوع الماضي أكلت "شقفة خبز" لكن محمود شرح بأن اللعب ليس السبب الأساسي لحبه أولاد الجيران الذين "يأكلون كثيراً من شوربتنا التي لا تشبع أصلاً" فبحسب ما قال: "أخبرتني جدتي بأنه يجب أن أحب جاري وأخوتي ويجب أن أقسم لهم من طعامي فالرسول أوصى بسابع جار".
ينام محمود – في المدينة التي لا تعرف لياليها الكهرباء منذ أربع سنوات - باكراً على الرغم من كونه يحب السهر، فكما تقول أمه: "النوم جيد للأطفال الجياع، فهو ينسيهم جوعهم ويخفف عني غصة قلبي وأنا أراهم جياعاً ولا أملك لهم شيئاً".