بلدي نيوز- (ليلى حامد)
كل شيءٍ يقول إن الدمار كان مضاعفا وثمة غربان حملته إلى هنا، هذه المشاهد السريعة التقطناها أثناء مغادرتنا "أريحا"، في طريقٍ وعرٍّ مزروع بالخوف والسماء باهتة تبعث على اليأس.
تقول "أم معاذ" من أريحا؛د: "ركام وأحجار متراكمة فوق بعضها، لم تترك صواريخ الطائرات إﻻ الرماد وبعض المخلفات التي تقول ثمة أناس من أريحا سكنوا ذات يومٍ هنا".
وتؤكد ابنتها الشابة العشرينية، أنّ استيعاب ما يجري ما عاد ممكنا وتردف بصوتٍ متقطع: "إنه كابوس مرعب، وارتبطت الذاكرة بلونين هما "الرمادي والأحمر"، وأما ما نشتمه فليس عطر زهرةٍ تفتحت في أرض دارنا، إنه البارود الذي يحمل الموت، مع تنفسٍ اصطناعي يوحي أننا أحياء".
بينما تعقب على والدتها: "نحن نولد كل يوم إذا خرجنا سالمين من بين اﻷنقاض، أو مرّ الصاروخ من فوق منزلنا، مخاض مؤلم ووﻻدة متكررة، تعيدنا إلى حيث بدأنا".
تفقد الكثير من العائلات القدرة على مقاومة ما يجري، وتجبر على النزوح، رغم الهدوء أحيانا، تفر من الموت إلى وﻻدة في مكانٍ آخر، وتواجه الموتٍ من جديد، إذ تترك الذكريات خلفها.
وتروي الكثير من النسوة النازحات من ريف إدلب كوابيسهن ويصفنها بأنها ممزوجة بالأحمر والأسود، ورائحة البارود الذي بات بديلا عن "الياسمين والزنبق"، كما تقول إلهام، المهجرة من ريف دمشق.
تردد عبارات من قبيل "الجريمة، المجزرة، الكوابيس، الموت، القصف، والدمار، أو حتى اﻷشلاء والفجيعة".
وتربط إحداهن بين كل تلك "الفجائع" حسب وصفها، بانتصار "العدالة اﻹلهية"، وتدلل على ذلك بأنّ النظام أوشك على الانهيارٍ عبر بوابة اﻻقتصاد بحسب السيدة "رزان"، خريجة كلية الهندسة بدمشق، والتي تؤكد أنّ العنف المفرط الذي استخدمه اﻷسد دفع ثمنه إفلاس خزينته، وكشف عورة "نظامه اﻻقتصادي".
تتنقل النسوة برفقة أزواجهن من مدينة إلى أخرى، ومن خيمةٍ هنا إلى أخرى، حتى اعتادوا الترحال لتجنب "الموت" تحت نيران الطائرات، ويعتقدنّ أنّ مجرد النزوح يعني اﻻنتقال إلى رحمٍ آخر وحياةٍ جديدة بعيدة عن الغارات التي تخلف الصراخ المترافق مع الخوف، والخروج من بين الركام.
بتلك الكلمات تختم "رزان" حديثها لبلدي نيوز، وتؤكد أنّ خلف هذا السوادا أملٌ وطريق سقي بدماء الشهداء.
تلتفت إلى ناحية أخرى وتخرج من حقيبتها صورة أخيها الشهيد الذي لازالت تبكيه، وتؤكد أنّ "المخاض عسير والوﻻدة قادمة، تلك سنن كونية في التغيير، يؤكدها علم اﻻجتماع وغيره" حسب قولها.
للنساء السوريات طريقتهن في قراءة الواقع، رغم الألم إﻻ أنهنّ ينسجن الأمل من ذكرياتهن في طريق نزوحهن هربا من الموت.