بلدي نيوز- (تركي المصطفى)
عاودت الميليشيات الإيرانية نشاطها العسكري من خلال استهداف مخيم للنازحين في بلدة "قاح" شمال غرب سوريا، بصواريخ تحمل قنابل عنقودية شديدة الانفجار، ما تسبب بوقوع مجزرة راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، واندلاع الحرائق في المخيم.
لم تتخذ تركيا الضامن في تحالف "أستانا" أي تدابير سريعة للرد على العملية، وطالبت حكومتها روسيا بوقف هجمات النظام على مناطق شمال سوريا، من أجل الحفاظ على الوضع الراهن ومنع تدفق مزيد من اللاجئين، وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين: "هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق السلطات الروسية لمنع تحرشات نظام الأسد، لأن اتفاق منطقة خفض التصعيد في إدلب لا يزال سارياً، الوضع في إدلب لا يزال حساساً واللقاءات مع السلطات الروسية مستمرة"، مشيراً إلى ضرورة الحفاظ على الوضع الراهن في إدلب، من أجل منع حدوث أزمة إنسانية جديدة فيها.
تأتي هذه العملية استكمالا لسلسلة الجرائم التي يمارسها تحالف "روسيا وإيران ونظام الأسد" ضد مخيمات النازحين بذريعة مكافحة "الإرهاب"، فقد استهدف نظام الأسد بصواريخ تحمل قنابل عنقودية شديدة الانفجار مخيم "النقير" بريف إدلب الجنوبي في أكتوبر/تشرين الأول 2015، ما أدى إلى استشهاد العشرات من الأطفال والنساء، كما هاجمت طائرات روسية مخيما للنازحين بالقرب من مدينة أعزاز شمال حلب في ديسمبر/كانون الأول عام 2015، واستهدفت طائرات روسية مخيمات "سرمدا" شمال إدلب في يناير/كانون الثاني 2016، وكذلك استهدفت طائرات الأسد مخيم "الكمونة" شمال إدلب في مايو/أيار عام 2016م، ما أسفر عن استشهاد 30 مدنيا جلهم من الأطفال، واستهدفت طائرات مسيرة مخيم "التآخي" بريف سلقين ما أسفر عن استشهاد طفل وامرأة في أغسطس/آب 2016، كما قصفت الطائرات الروسية "مخيم النور" بريف معرة النعمان الشرقي في سبتمبر/أيلول 2017، وتعرضت مخيمات "حوا والرويضة وتل الشيح" لقصف مكثف من قبل الطائرات الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وقصفت طائرة روسية مخيم "حاس" للنازحين في مارس/آذار 2018، أسفر عن مقتل 9 مدنيين وجرح العشرات، وكذلك استهدفت روسية بطائراتها مخيم "كفر عميم" بريف إدلب الشرقي في مارس/آذار 2019، راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، واستهدفت الطائرات الروسية مخيمات "كفر نبل" في مايو/أيار 2019، وأخيراً استهدفت الميليشيات الإيرانية المتمركزة بجبل عزان جنوب حلب ليل أمس الأربعاء مخيم "قاح" للنازحين" بصواريخ عنقودية شديدة الانفجار، وتسبب القصف بمقتل 30 مدنيا، بينهم نساء وأطفال، كحصيلة أولية مرشحة للارتفاع، بالإضافة الى إصابة العشرات بجروح.
إلى ذلك فإن هذه العملية تأتي في ظرف سياسي يجري فيه الحديث عن تقارب تركي أميركي عبر مفاوضات مباشرة أجراها الرئيسان التركي أردوغان والأميركي ترامب قبل أيام في واشنطن، ترمي إلى تفاهمات بين البلدين حول العملية العسكرية التركية البرية داخل الأراضي السورية.
وأثير الكثير من الجدل حول سبب استهداف إيران لمخيمات النازحين في "قاح" التي تمكنت من خلال مساعدة طائرات الرصد الروسية مراقبة المنطقة وتحديد الهدف ومن ثم استهدافه بأربعة صواريخ تبين أنها إيرانية، كما تم تحديد مركز انطلاقها من جبل عزان حيث تمتلك إيران فيه أكبر قاعدة عسكرية في الشمال السوري، فضلا عن قيام روسيا وإيران ونظام الأسد بنشاط مشابه في الأعوام الماضية، واستخدام ذلك كورقة ضغط على تركيا لتحقيق مكاسب سياسية، في الوقت الذي تستهدف فيه "إسرائيل" بشكل شبه يومي القواعد العسكرية الإيرانية في العاصمة دمشق ومحيطها، إذ أغار الطيران الإسرائيلي فجر أمس الأربعاء على مجموعة كبيرة من القواعد الإيرانية في دمشق ومحيطها، وسط عجز روسيا ونظام الأسد تأمين الحد الأدنى من الحماية للمواقع الإيرانية.
من هنا يحاول الثلاثي الروسي والإيراني ونظام الأسد بهذه العملية انتزاع مكسب إعلامي يشحذون به همم ميليشياتهم في الجبهات التي تتعرض لخسائر كبيرة جراء الغارات الإسرائيلية المتواصلة، والخسائر الفادحة في المعارك البرية على جبهات كبينة بريف اللاذقية وريف إدلب الشرقي، كما تحاول إيران الرفع من رصيدها الشعبي الآخذ في التدني نتيجة لممارساتها القمعية في الداخل الإيراني، علاوة على سوء إدارة روسيا للمناطق الواقعة تحت سيطرتها مما سيضطر الشارع للانفجار ضد حليفها الأسد نتيجة غلاء الأسعار إثر تهاوي قيمة الليرة السورية، كما يحاول "الحلف الروسي" توجيه رسائل سياسية إلى تركيا والدول الكبرى، بأنهم يتمتعون بالقدرة العسكرية على القتل بعد شعورهم بالعزلة الدولية نتيجة تقارب تركيا مع التحالف الدولي.
وفي هذا التحليل يتبقى الإشارة إلى التدابير التي ينبغي أن تقوم بها تركيا لمنع تكرار مثل هذه العلمية، لا سيما أن الأشهر القادمة ستشهد تصعيداً روسياً غير مسبوق، وذلك ما قد يدفع السكان في المناطق المحررة إلى النزوح تجنباً للأعمال العدوانية الروسية والإيرانية وتلك التابعة لنظام الأسد، ومن بين التدابير المقترحة؛ حماية المدنيين سواء بالمخيمات أو في المدن والبلدات أو فتح الحدود التركية وتسهيل عملية لجوء السوريين المعرضين للقتل إلى أوروبا لتهيئة ظروف آمنة لهم جراء الأعمال العدوانية للحلف الذي تقوده روسيا.