ثورات الجوار.. تداعياتها وآفاقها على الملف السوري - It's Over 9000!

ثورات الجوار.. تداعياتها وآفاقها على الملف السوري

بلدي نيوز- (تركي المصفى)
مقدمة
تتماثل الانتفاضات الجارية الآن في طهران وبغداد وبيروت من حيث الشكل والمضمون والأهداف، إلا أن نظام الملالي الذي كان يعاين المظاهرات الشعبية في العراق ولبنان التي تندد بممارساته في البلدان العربية، محاولا كعادته توظيف التناقضات داخل المكونات السياسية والعرقية والطائفية في المنطقة واختراقها والتلاعب بها بما يخدم أجندته الخاصة، عبر القمع الشديد وتشتيت شملها في كل اتجاه ودفع الجميع لمواجهتها، لم يكن بحسبانه عودة الحراك الشعبي الإيراني مجددا بدوافعه السياسية على خلفية الاستبداد الكهنوتي الإيراني بمحركات اقتصادية يقف على رأسها "غلاء البنزين"، فضلا عن الجوع الذي يفتك بنصف الشعب الإيراني، وهذا ما جعل الانتفاضة الإيرانية ذات مخالب وتنتشر بسرعة في الأوساط الشعبية في مختلف أنحاء البلاد المتماثلة بالمجاعة، نتيجة سياسة نظام الملالي في تصدير الثورة إلى الخارج والمشاركة في قمع ثورات الربيع العربي، وعلى رأسها الثورة السورية التي أنفقت إيران في محاولة القضاء عليها مليارات الدولارات على حساب تجويع الشعوب الإيرانية، الذي خرج من يهتف بالموت لروحاني والديكتاتور خامنئي، فواجهها الباسيج بالرصاص ليقتل حتى يوم أمس 50 متظاهرا إيرانيا في 100 مدينة وبلدة مشتعلة بالمظاهرات.
هذه الورقة تناقش المحركات الدافعة لانفجار الشعوب الثائرة في كل من "لبنان والعراق وإيران" اقتصاديا وسياسيا، وتقف عند مطالب المحتجين وعلى رأس ذلك خروج ميليشيات الملالي من المنطقة العربية، والتوقف عن دعم الاضطرابات فيها وانعكاس كل ذلك على المشهد السوري بآفاقه المتوقعة.
وللاقتراب مما يدور في البلدان المذكورة من انتفاضات شعبية واسعة وتناوش سياسي بمخالب مسلحة، ولتفهم طبيعة الحراك الذي يعصف بها وآفاقه المستقبلية، سنناقش ذلك من خلال مجموعة من المحاور الرئيسية والفرعية التي تكتمل بها رؤية ما يجري وما يُتوقَّع.
محركات مشتركة وتداعيات متوقعة
تشكل الثورات والانتفاضات المشتعلة في "إيران والعراق ولبنان" الجارية ضد نظام الملالي ووكلائه في المنطقة العربية نتيجة ما أحدثته إيران ووكلائها من تغييرات في الأبعاد المختلفة لكيان الدولة وعزلها عن محيطها في سياق تأجيج الصراع التاريخي الذي تحركه معتقدات إيديولوجية تتداخل معها مصالح ذاتية متعارضة مع مكونات هذه الشعوب.
تلك الانتفاضات بمجموعها تحركها المطالبة السياسية بالتخلص من نفوذ وحكم واستبداد نظام الملالي الحاكم في إيران، بل إن المحركات ذاتها (محاربة الفساد والغلاء والبطالة والفقر) في كل من العراق ولبنان وإيران مشتركة، حيث أن سياط الفقر المُوجعة تضرب الشريحة الواسعة من الشعوب الثائرة فيما عائدات النفط والأموال في العراق تتناهبها الطبقة السياسية بما تشمله من حكومة وبرلمان وأحزاب العملية السياسية، وبات واضحا أن الوعود التي تطلقها الحكومة والبرلمان، ما هي إلا مجموعة أكاذيب تلعب عبرها بورقة التسويف والمراهنة على عامل الزمن، الكفيل بإتعاب المنتفضين وتركهم لساحات الاعتصام، بيد أن الجديد في انتفاضة العراقيين أنهم باتوا يبلورون مطالبهم بشكل أكثر وضوحا، ويرسمون خريطة طريق واضحة المعالم لتحقيق مطالبهم من خلال عودة ظهور الوطنية العراقية بقوة على يد الجيل الجديد معبرا عنها بشعاراته وتصديه بصدور عارية للرصاص وهو يهتف فقط للعراق، ويدعو للتخلص من الهيمنة الإيرانية، ويتوقع أن تكون لها تداعيات إيجابية على الوضع في سوريا وبالأخص بعد تنديد المحتجين بالميليشيات العراقية في سوريا، فيما تصر إيران على خيار قمع الشعب العراقي الثائر كأسلوب وحيد للحفاظ على هيمنتها في المنطقة، وكذلك زيادة الانفاق على قوات نظام الأسد وميليشيا "حزب الله" اللبناني وحركة "الحوثيين" في اليمن والميليشيات العراقية والأفغانية، مع ارتفاع مضاعف لميزانية "الحرس الثوري الإيراني" المرتبط مباشرة بالولي الفقيه.
وكذلك ينتفض اللبنانيون مطالبين بإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة، والأهم من ذلك أنّ وعيًا سياسيًا جديدًا يتشكل في لبنان ويؤسس لهوية وطنية جديدة، وتطلّعًا إلى نظام يطوي صفحة الحرب الأهلية و"اتفاق الطائف" الذي أنتج نظامًا سياسيًا لم يعد قابلًا للحياة، فضلا عن هيمنة "حزب الله" في ظل مقاومة شرسة للتغيير تبديها الطبقة السياسية التي تحكم البلد منذ عقود، ولا يمكن التوقف عند جزئيات الانتفاضة اللبنانية من دون الحفر في عمق هيمنة الحزب على مفاصل الدولة اللبنانية والتداعيات السياسية التي حولت "حزب الله" إلى دولة داخل لبنان وما نتج عن ذلك من استطالات اجتماعية تفرض "نعل السيد" كثقافة إيرانية مقدسة تلزم اللبنانيين الانحناء عليها تيمنا بحذاء عسكر الأسد في سورية، والزيدي المنحوت في مدخل بغداد كوسم مذهبي لإخضاع الجميع بالأحذية، مما أدخل المنطقة في صراعات مذهبية وقبلية وجهوية بلغت ذروتها مع دولة "حزب الله" الخارج عن صيغة التوازنات اللبنانية الطائفية الناظمة ليختزل لبنان وسورية بصبغته الإيرانية، وهذا ما جعل المحرك الرئيس لشعوب المنطقة المنتفضة التخلص من الهيمنة الإيرانية.
التداعيات على الملف السوري
اللافت في موضوع المظاهرات المشتعلة في العراق ولبنان، وكذلك المظاهرات المشتعلة في إيران، أن كلا الطرفين (العربي والإيراني) متفقان على الهدف نفسه، ما أنتج عدة تداعيات يمكن رصدها من خلال:
التداعيات الاقتصادية: إن اشتعال الثورات بدول الجوار (لبنان والعراق) ومن ثم إيران؛ أسهم في تعاظم شل حركة النشاط الاقتصادي السوري حيث من المعلوم أن الإيداعات "الدولارية" السورية في لبنان تقدر بـ 30 مليار، وشهدت الأشهر الأخيرة دعوات سورية لسحب تلك الإيداعات من لبنان وهو سبب أساسي لتهاوي الليرة السورية الذي تجاوز سعرها الـ "700" مقابل الدولار الواحد كما انعكس تهاوي الليرة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدهور الأمن الغذائي، وشهدت الأسواق المحلية ارتفاعاً حاداً في أسعار السلع الغذائية المستوردة بما فيها الدقيق وزيت الطبخ والسكر في الأسبوع الثاني من نوفمبر تشرين الثاني الجاري مقارنة بما كانت عليه في أكتوبر تشرين الأول الماضي، علاوة على توقف حركة التجارة والنقل عبر معبر "البوكمال – القائم" نتيجة الانتفاضة العراقية مما انعكس سلبا على نظام الأسد الذي يعتمد على الأسلحة والبضائع الإيرانية رغم رداءتها، وتجارة المخدرات وبذلك فإن الثورات المشتعلة بدول الجوار ظهرت آثارها المدمرة على نظام الأسد اقتصاديا، فضلا عن تراكم الركود الاقتصادي في البلدان التي تشهد احتجاجات عارمة نتيجة سياسة الإنفاق الكارثية التي تمارسها الطبقة السياسية في البلدان التي ترزح فيها الشعوب تحت سياط الجوع، بينما تذهب العائدات النفطية وغيرها إلى حروب عبثية ترضي غرائز المستبدين وتدعم إرهاب الميليشيات الطائفية التي تدعمها إيران، ونقلت مواقع إعلامية إيرانية تسجيلا مرئيا يظهر خروج المئات في مدينة "داراب" التابعة لمحافظة فارس الإيرانية، وهم يهتفون "سوريا إذا محتاجة.. ما هو ذنبي أنا؟" على خلفية القرار الذي اتخذته السلطات الإيرانية برفع أسعار البنزين بنحو 200 في المئة.
التداعيات السياسية
تشهد دول الجوار الثائرة حالة استقطاب سياسي لقوى مختلفة ضد أنظمة استبدادية أقصت شرائح اجتماعية عريضة عن المشاركة في الحياة السياسية التي يشترط فيها الولاء للولي الفقيه والديكتاتور أو حكم الطوائف، وجميعها تنتهج سياسة القمع والتضييق والتمييز، إذ قمعت تلك الأنظمة كافة الأصوات التي تعارضها في الداخل واغتالت الكثيرين في الخارج وأغلقت العديد من مواقع التواصل الاجتماعي والصحف، وزجت بالكثير من النشطاء في السجون، وتفشى الفساد والظلم والحرمان مما جعل مطالب الشعوب تتحول إلى مطالب سياسية تشترك في الدعوة للاقتصاص من نظام الولي الفقيه ووكلائه في كل من لبنان والعراق، تجسد ذلك في الشعارات المعلنة وممارسات المتظاهرين في إحراق صور خامنئي وروحاني، لذلك صدحت أصوات المتظاهرين في كل البلدان الثائرة بشعارات "انسحبوا من سوريا" و "لا للبنان ولا لغزة.. نعم لإيران"، و"الموت لحزب الله".
من هنا يمكن القول إن الشعار السياسي المشترك للمحتجين العرب والإيرانيين يصطدم بـ مطامع مشروع نظام الملالي التوسعي وبالعملاء العرب من أحزاب وميليشيات طائفية تقتات على المال الإيراني.
الآفاق المحتملة
في ظل التجاذبات والتراشق الإعلامي المتبادل وتركيز وسائل الإعلام الدولية على الحدث، وفيما يمكن توصيفه بأنه اتساع الفجوة بين المحتجين وأنظمة الحكم المستبدة؛ تزداد يوما بعد آخر رقعة الاحتجاجات وتتعاظم حدة القمع التي أدت إلى مصرع العشرات من المتظاهرين في إيران والعراق، وقد كشفت الاحتجاجات الإيرانية الخلافات الحادة بين الشعب ونظام الملالي، وبالأخص فيما يتعلق بتدخل إيران العسكري في سورية ودعمه المفتوح لنظام الأسد، يتصدرها دعم الميليشيات المتعددة الجنسيات بأموال الإيرانيين الجوعى وما يمثله ذلك من تحدٍّ إلى جانب تحديات الحصار الخانق للإيرانيين نتيجة التضييق عليهم بالسفر إلى الغرب، فضلا عن العقوبات الاقتصادية الأميركية مما شكل عزلة دولية لإيران، وتعاظم المطالب السياسية المشتركة بين مظاهرات العراق ولبنان ومظاهرات إيران، وهو اتفاق كل هذه الأطراف على ضرورة خروج إيران ومليشياتها المسلحة في الخارج الإيراني، والموجودة في المنطقة العربية.
ويمكن تصور آفاق هذه المظاهرات وانعكاسها على الحرب الدائرة في سورية في إطار تزايد رقعة الاحتجاجات انطلاقا من توحد مطالب العرب والإيرانيين حول أهداف اقتصادية وسياسية في مواجهة نظام الملالي، فعلى المدى القريب يتضح أن الأنظمة المستبدة في إيران والعراق ولبنان غير قادرة على حسم الأمور وتهدئة الشارع إلا بالقوة العسكرية، وهذا يؤدي إلى هوة كبيرة وتصدع داخل مراكز الأنظمة الرئيسية وإطالة أمد الاحتجاجات في ظل تصلب مواقف المحتجين المطالبة بالخروج من سورية والتوقف عن دعم الميليشيات المتعددة الجنسيات، وبالتالي فإن استمرارية الانتفاضات في دول الجوار السوري تشكل انفراجا على المشهد السوري سياسيا وعسكريا في حال نجح الضغط الشعبي في تحقيق أهدافه، وعلى رأس ذلك فض الشراكة بين الإيرانيين ونظام الأسد والميليشيات الأخرى.
خاتمة
في حال تمكنت أنظمة الحكم في "إيران والعراق ولبنان" من قمع الانتفاضات، فإن تغييرات ملموسة وواضحة قد كشفت طبيعة العلاقة القائمة بين النظام والشعوب الثائرة، ولكن التصدي المسلح لثورات الجياع لا يحل المشكلة إلا في حال التوصل إلى تفاهم مشفوع بضمانات ذات جدوى اقتصادية وسياسية، ولكن هذه الأنظمة المستبدة تلجأ إلى وسائل العنف لوأد الانتفاضات الجارية وفرض إرادتها بالقوة على الشعب، وفي هذا تزيد فرص انكفاء التواجد الإيراني في سورية نتيجة الاضطرابات التي تعصف بنظام الملالي في ظل حديث متكرر عن تشكيل تحالف دولي لطرد الميليشيات سيكون من أولى تداعياته الانفراج العسكري والسياسي لصالح الثورة السورية وشعوب المنطقة.

مقالات ذات صلة

تحديد موعد تشغيل مطار دمشق الدولي

حسين سلامي"لم يعد لإيران أي وجود عسكري حالياً في سوريا"

إيران تعلن تواصلها مع قادة "العمليات العسكرية" في سوريا

سيناتور أمريكي لفصائل المعارضة "فليكن الله معهم، ولسوريا الحرية"

نظام الأسد يدين دعم الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا بالصواريخ البالستية

"المجلة" تنشر وثيقة أوربية لدعم التعافي المبكر في سوريا

//