بلدي نيوز - إدلب (عمر حاج حسين)
تسعى روسيا وتركيا فرض السيطرة على الطرق الدولية "M4 و M5" كونها مفاصل رئيسية في جميع المفاوضات والمباحثات التي تجري في أروقة الاجتماعات الدورية للدول المعنية بالملف السوري وكونها تحدد السيطرة المطلقة للجانب الذي يفرض نفوده عليها.
سباق عسكري
شهدت الليلة الماضية الأحد 18 آب، مواجهات هي الأعنف بين فصائل المعارضة السورية والميليشيات المدعومة من قبل روسيا والنظام على محاور مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، حيث أحرزت الأخيرة تقدما محدودا لم يحقق آمالها في السيطرة على تلة النمر الاستراتيجية الواقعة شمال مدينة خان شيخون، والتي تشرف على الطريق الدولي بمسافة تتجاوز 9 كم، تزامنا مع وصول أرتال عسكرية تركية بالقرب من الحدود السورية التركية بشكل سري لم يفصح عنه حتى ساعات صباح اليوم الاثنين، بهدف إنشاء نقطتين عسكريتيين على الطريق الدولي M5 شمال مدينة خان شيخون في "تلة النمر وقرية طبيش".
في المقابل، خشيت روسيا الخوض في مواجهات عسكرية مباشرة مع القوات التركية، صباح الاثنين، فأعطت أوامرها للطائرات الحربية التابعة لنظام السوري باستهداف القوات التركية خلال عبورها على أوتستراد "دمشق - حلب" بالقرب من مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب، وتكثيف القصف على الطريق الدولي بين مدينتي "خان شيخون ومعرة النعمان" لإعاقة وصول القوات التركية للنقاط التي تعتزم تأمينها بنقاط عسكرية جديدة.
لكن تركيا واصلت إرسال التعزيزات العسكرية والتي انطلقت من حدودها ومن قواعدها في نقطتي "الصرمان وتل الطوقان" للالتحاق بالرتل العسكري الذي توقف بالقرب من بلدة حيش، لما تشهده المنطقة من غارات جوية قُدّرت بنحو 180 غارة جوية منذ ساعات الصباح وحتى اللحظة.
المواجهة العسكرية
تخوض روسيا وإيران وهما دولتان ضامنتان لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، معارك إدلب، إذ تنتشر ميليشيات تابعة للفيلق الخامس وحزب الله اللبناني على طول الجبهات بقيادة عميل روسيا "سهيل الحسن" الملقب بالنمر، وهو الذي يسير حركة الطيران ويعطي الأهداف للطيارين بهدف قصفها، ومع دخول الرتل التركي، صباح اليوم، الأراضي السورية وتوجهه إلى ريف إدلب الجنوبي، سرّبت مراصد الشمال السوري تسجيلا صوتيا من قيادات النظام، تفيد بإعطاء أوامر لقواتهم باستهداف الرتل التركي عند وصوله إلى مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، لمنعه من التقدم.
وعند وصول الرتل التركي بالقرب من معرة النعمان ضربت الطائرات الحربية التابعة لسلاح جو النظام محيط الرتل العسكري وقتلت عنصرا من فصيل "فيلق الشام" التابع للجبهة الوطنية للتحرير وإصابة ستة آخرين بجروح جلهم بحالات خطرة.
وعقب استهداف الرتل التركي، دخل رتلان عسكريان يحملان عتادا ضخما وآليات كثيرة قدرها مراسلين ب 28 آلية بينهم دبابات وتوجهها باتجاه ريف إدلب الجنوبي.
طريق M5
مساعي قوات النظام وروسيا بعدم دخول الأتراك مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، واستنفار طائراتهم الحربية في سماء إدلب وتجدد الاشتباكات في محيط خان شيخون، صباح اليوم مع دخول القوات التركية تجاه المدينة، تؤكد ما نشرته صحيفة كوميرسانت الروسي، قبل أيام، والتي أكّدت وفق مصادر لها أنّ هجوم قوات النظام وحلفائه جنوب محافظة إدلب، سيستمر حتى السيطرة على الطريق السريع المعروف باسم "M5" الذي يربط بين حلب ودمشق ويمر بمحافظة إدلب.
في المقابل، احتجت أنقرة لدى موسكو وحذّرت وزارة الدفاع التركية مؤخرا روسيا من الممارسات غير الأخلاقية والوحشية للقوات التابعة للنظام السوري.
وأكّد ضابط عسكري تركي رفض الكشف عن اسمه من إحدى نقاط المراقبة التركية في ريف معرة النعمان الشرقي، جنوبي إدلب، السبت الفائت؛ أن إدلب تحت الوصاية التركية، مشددا على عدم استبعاد العمل العسكري لحماية إدلب وسكانها في حال فشلت مساعي الحل السياسي، وأن نقاط المراقبة التركية ثابتة ولن تتحرك من مكانها، ولن تنسحب أي نقطة من موقعها مهما كان حجم التصعيد.
وأكد الضابط أيضا أن "النقاط وضعت بالاتفاق مع الروس لمنع تقدم قوات النظام السوري نحو إدلب، والأيام القادمة ستكون أفضل بكثير مما هي عليه حاليا".
وتابع قائلا "التقدم بالحل السياسي في سوريا ملحوظ، إلا أننا لا نستبعد العمل العسكري في حال فشل الحل السياسي، وذلك من أجل حماية إدلب وسكانها، وبالنهاية إدلب تحت الوصاية التركية".
فشل التنسيق
بالتزامن مع الغارات التي ضربت الرتل التركي ومنعه من التوجه نحو ريف إدلب، نشرت قناة anna الروسية تغريدة لها قالت فيها؛ "هاجمت طائرات سورية وروسية قافلة تركية تحمل مركبات وعربات مدرعة لتعزيز مركز المراقبة، متجهة إلى منطقة مورك في شمال محافظة حماة"، ما يؤكد فشل التنسيق بين الاطراف الضامنة، وسط ترجيحات من قبل محللين باندلاع مواجهة مباشرة بين النظام والقوات التركية إذا لم يتوقف النظام عن عدوانه بالقصف والتقدم تجاه الطريق وخان شيخون.
ماذا علّق نظام الأسد؟
لا تخرج تعليقات نظام الأسد عن ما سبق عن المعهود، إذ أدان النظام بشدة قيام آليات تركية محملة بالذخائر والأسلحة والوسائط المادية باجتياز الحدود السورية التركية والدخول إلى مدينة سراقب في طريقها إلى خان شيخون لنجدة ما وصفتهم بالإرهابيين، مشددة على أن ذلك يؤكد مجددا استمرار الدعم اللامحدود الذي يقدمه النظام التركي للمجموعات المسلحة، على حد قوله.
أهمية خان شيخون
تمهّد السيطرة على خان شيخون فرض واقع عسكري جديد في ريفي إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، إضافة إلى الخصوصية الرمزية للمدينة، وما يعنيه انتقال مركز ثقل بحجمها من كفّة فصائل المعارضة إلى كفّة النظام وروسيا من اهتزاز لموازين القوى، وتبرز أيضا أهمية استراتيجية كبرى في حسابات الخرائط العسكرية الراهنة والمستقبلية، إذ يتيح موقعها التمهيد لإحكام طوق يعزل منطقة سيطرة فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي "مورك، اللطامنة، كفر زيتا" عن خطوط الإمداد التي كانت مفتوحة من إدلب.
وما تؤكده لغة السياسة والميدان، فإن معارك إدلب وما تشهده من حملة عسكرية منذ ثلاثة أشهر، فإن النظام وروسيا يسعيان للسيطرة على طريق الأوتوستراد الدولي M5، والذي يحظى برصيد مهم في المسار السياسي، فهل تُفشِل تركيا مخططات روسيا والنظام للسيطرة عليه؟