ماذا بعد انهيار آخر قلاع " داعش" في سوريا؟ - It's Over 9000!

ماذا بعد انهيار آخر قلاع " داعش" في سوريا؟

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)

يتجلى هيكل "تنظيم داعش" في معقله الأخير ببلدة الباغوز على صورة الحصان الطراودي في أساطير الإغريق بعدما تكشف خداع قادته للبسطاء من خلال شعارهم "باقية وتتمدد"، حيث أظهرت الاتفاقية الأخيرة بين التحالف الدولي والتنظيم الحقيقة الكاملة لهشاشته وحجمه وأعداده ونفوذه وتأثيره وقدراته وإمكاناته، فيما تحولت أنظار المتصارعين والمراقبين إلى بلدة الباغوز التي يتحصن بها أكثر من ألف مقاتل للتنظيم مع اقتراب الإعلان رسميا عن نهايته في منطقة شرق الفرات لتتصاعد وتيرة الصراع الجاري في سوريا، إذ تعمل كل الأطراف للسيطرة عليها، فهل تسمح القوى الدولية والإقليمية بحسم المعركة لصالح أحدها؟ والسؤال المتصل، هل حقا انتهى تنظيم "داعش" في المنطقة؟

مقدمة

في بلدٍ تناهشت القوى الدولية والإقليمية أحشاءه، وقطعت أوصاله، أُرجئ الإعلان عن نهاية تنظيم الدولة لمراجعة خريطة تقاسم النفوذ بين اللاعبين صغارا وكبارا، وصولا لتصفيات نهائية تؤسس لاحتلال مديد يتحكم بسوريا وشعبها، فالأسد الذي استدعى كل الاحتلالات لمساندته في قتل الشعب السوري، تنازل عن كل شيء في سبيل ضمان بقائه في السلطة، وفي الوقت نفسه تتنازعه رهبة من إعلان انتهاء التنظيم الذي أمدّ بعمره في سدة الحكم، فيما يتعاظم الإرباك الإيراني، في مرحلة ما بعد هذا الإعلان، نتيجة الخلل القائم في العلاقة الإيرانية الروسية، والإيرانية التركية. علاوة على أن فلول التنظيم انسحبت إلى البادية السورية "الشامية" وبادية العراق "الأنبار" مما شكل خطرا كبيرا على الطريق الفارسي الواصل بين ( طهران – البحر المتوسط)، ومع تصريحات واشنطن وموسكو حول قدرتهما في القضاء الكامل على التنظيم، يعني السباق إلى ملء الفراغ السياسي شرقي الفرات بالأتراك أو الأكراد وكذلك محاولة روسيا التمدد إلى تلك المنطقة.

من هنا، حشدت تركيا قبل أشهر قواتها مع فصائل الجيش الوطني على طول الحدود مع سوريا؛ فأنقرة التي تقف متأهبة على مشارف منطقة شرق الفرات تعتبر تلك المعركة قضية مصيرية ووطنية تمس عميقا أمنها القومي، بمعنى قضية حياة أو موت، لذلك لابد لها من تنظيف شرق الفرات من الفصائل الكردية.

يبقى الموقف الإيراني الذي يلتزم حتى حينه المخاتلة السياسية حيال انهيار التنظيم ويتستر بالعباءة الروسية التي رفعتها عن ظهره بسماحها لطيران إسرائيل استهدافها متى شاء، فيما يبدو "حلف آستانة" متعثرا في هذه المنطقة الحيوية، حيث حركت روسيا وكلاءها من مرتزقة إيران والأسد عند الحدود الإدارية لمناطق النفوذ، ليلتقي جميع الفرقاء "تركيا وروسيا وإيران وفصائل المعارضة المسلحة، والوحدات الكردية، وقوات نظام الأسد" وجها لوجه في حيز جغرافي مقبل على لعبة التفتيت وإغراءات التقسيم. حيث تشير بعض التسريبات على أن اختلافات وشروخ كبيرة تعصف بالمتصارعين إيذانا بقرع طبول الحرب كمقدمة لتقاسم إرث التنظيم الذي لا يموت ما دامت أسباب حياته باقية وعلى رأسها استمرار وجود الأنظمة الاستبدادية الطائفية في كل من سوريا والعراق، وما تتيحه أجندات قوى الصراع في سوريا من تزويده بأوكسجين مصالحهم.

احتدام الصراع شرق الفرات بعد زوال التنظيم

يتضح مما يجري في (وادي الفرات) عسكريا وسياسيا؛ بما لا يترك مجالا للشك، سعي موسكو وواشنطن إلى تقاسم النفوذ والمكاسب، كل بحسب ما يملك من قوة على الأرض، فروسيا التي تعمل على تعزيز طموحها السياسي والاقتصادي والعسكري، كقوة كبيرة، ذات تطلع دولي، تدخل في سباق مع الولايات المتحدة، وبناء على ذلك؛ فالظاهر يشير إلى تفاهم وتنسيق بينهما، ولكن المستقبل يشي بخلافات عميقة قابلة للانفجار في كل لحظة، كشفت عنها مصادر أميركية إثر اللقاء الذي تم بين رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية جوزيف دانفورد مع نظيره الروسي فاليري غيراسيموف في فيينا الاثنين الماضي، حيث لم يتوصل إلى تحقيق اتفاق على طلبات أميركية محددة من الجانب الروسي بينها "تعهد من روسيا بعدم قيام قوات نظام الأسد بمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية بعد انتهاء المعارك ضد داعش"، وعدم السماح بتقدم أي قوات باتجاه شرق الفرات، وعدم الاتفاق على تفاصيل وآلية إقامة منطقة الحظر الجوي شمال شرقي سوريا.

وكثفت واشنطن الاتصالات الدبلوماسية مع أطراف دولية لتأمين مشاركتها العسكرية في المنطقة التي ستنسحب منها القوات الأميركية، بعد إعلان البيت الأبيض الإبقاء على 400 جندي أميركي من القوات الخاصة في منطقة شمال شرقي سوريا وفي قاعدة التنف على المثلث الحدودي "السوري -  العراقي - الأردني"، أما الاتفاق الأكيد بينهما، فهو التفاهم المشترك منذ البداية على أهداف استراتيجية، باتت تتبلور وفق تعزيز نفوذهما المطلق، في منطقة (وادي الفرات)، بما يحقق الاحتلال العسكري المباشر للمنطقة الغنية بثرواتها، والتي تشهد تنافسا شديدا بين إيران وميليشيا "ب ي د" وتركيا، وأحلاف كل منهما. وبدأت محفزات الصراع والتنسيق والسباق إلى شرق الفرات في الظهور منذ ما قبل إعلان الرئيس الأميركي الانسحاب من سوريا، وحتى قبل انهيار تنظيم داعش، حيث هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، باجتياح مناطق شرقي الفرات الخاضعة لـ "الوحدات الكردية"، وحشد الجيش التركي قوّاته على الحدود التركية السورية، إيذاناً ببدء عمل عسكري انطلاقا من محاور "تل أبيض وعين العرب ورأس العين"، ولكن الانسحاب الأميركي من المنطقة، ترك الساحة السورية مفتوحة لصراع محتمل بين أطراف حلف آستانة "الروس والأتراك وملالي إيران"، فيما قرعت "الوحدات الكردية" ناقوس الخطر واصفة القرار الأميركي بـ "خيانة وطعنة في الظهر"، وهي التي لها سابقة في عفرين عندما تركها الحليف الأميركي عرضة للابتلاع التركي، وفق تفاهمات بين أطراف الصراع حينها.

وعلى الرغم من أن واشنطن أبدت قبل قرار الانسحاب عبر تصريحات مسؤوليها، أن مهمّة قوّات التحالف الدولي مستمّرة وأقامت خمس نقاط مراقبة حدودية لقوات التحالف بغية طمأنة تركيا، والحؤول دون تفجّر الأوضاع في المناطق الحدودية، الأمر الذي دفع تركيا إلى الزج بمزيد من قواتها العسكرية ردّا على الإجراءات الأميركية التي تعتبرها أنقرة تحايلاً أميركياً على أسّ المشكلة، وهو قيام كيان برأس كردي جنوب حدودها، لذلك تصرح أنقرة بين الفينة والأخرى، جاهزية قواتها لعملية عسكرية في منطقة منبج وشرق نهر الفرات. وفي هذا، صرح وزير الدفاع التركي خلوصي آكار أن قوات بلاده على أهبة الاستعداد وتنتظر أوامر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لبدء العملية العسكرية، وقال آكار: "لن نسمح بتعريض أمن بلادنا للخطر بأي شكل من الأشكال ولا ينبغي أن يشك أحد في ذلك". وأردف، "لن نسمح بأي ممر إرهابي شمالي سوريا، والعالم كله يعلم هذا، وقلنا ولا نزال نقول ذلك لنظرائنا في كل لقاءاتنا، من الضروري أن تتواجد تركيا في هذا الممر، لحماية أمن بلادنا".

وتتواصل التعزيزات العسكرية التركية بالتمركز على الحدود الشمالية لسوريا، حيث تصر تركيا على إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا، لتبعد خطر التنظيمات التي تصنفها على أنها إرهابية عن حدودها، وتأمين المنطقة والسماح بعودة آلاف السوريين المقيمين على أراضيها، إلا أنها تصطدم باعتراض أمريكي داعم لـ "الوحدات الكردية" رغم إعلانها سحب قواتها من سوريا.

انتشار التنظيم

ثمة إطار يمكن فيه ربط إحياء تنظيم "داعش" في مناطق انتشار أمنية جديدة، بالتطورات المحمومة بين أطراف المواجهة، نتيجة تشابك قواعد الصراع، وتعاظم الخلافات بين الحلفاء والفرقاء، وتباعد الفجوات بين المتصارعين في تمدد وانحسار للتنظيم الذي يلتهم كل يوم عشرات القتلى في البادية السورية، الآن، وبعد تقهقره وتراجعه إلى مساحة جغرافية تضيق به تدريجيا، أمام ضربات موسكو وواشنطن وأحلافهما، فلا شك أنه يعتمد استراتيجية جديدة تعود إلى بدايات ظهوره، بعد أن افتقد موارده المالية المتنوعة، كخسارته مراكز الطاقة، وكل معابره، وخطوط إمداده التي كان يسيطر عليها، فانعكس ذلك سلبا على تحركاته الميدانية، ولم يتوقف الأمر عند قطع الإمدادات، أو الدعم المالي عن التنظيم فقط، فجاءت العمليات العسكرية الجوية والبرية لتفقده مراكز قوته، وبات ذلك من أبرز الأسباب الرئيسية لانهياره وانحساره في مناطق صحراوية بعمق البادية السورية، وأبرزها منطقة جبل البلعاس شمال غرب تدمر، وجبل الضاحك غربي السخنة، والبشري في أقصى جنوب شرقي الرقة، ومنطقة الدفينة جنوب غربي ديرالزور، وحواف الطريق الصحراوي الممتد بين مدينتي تدمر والسخنة ومنطقة 55 جنوباً، وفيضة ابن موينع شمالاً، ومنطقة حميمة ومحطة T2 شرقاً، كما يمتد نفوذه على شكل لسان داخل بادية الأنبار العراقية. وتتصف هذه المناطق بوجود تضاريس مختلفة تتيح له حرية التنقل والتمويه، لوعورة الجبال والأودية والمغاور الطبيعية الكلسية السحيقة. علاوة على عوامل الجو السائدة في منطقة تغطيها العواصف الغبارية اليومية التي تحجب الرؤية الجوية عن الطيران.

الأسد يخسر ورقته الحمراء

المتتبع لنشاط التنظيم الأخير في البادية السورية يكتشف الضلوع المخابراتي، في غض الطرف عن صولة التنظيم ونشاطه العسكري في منطقة تقع تحت نفوذ الميليشيات الإيرانية وتلك التابعة لنظام الأسد، وهي عبارة عن صحراء مترامية المساحة، تجعل من التقدم لوحدات المشاة مكشوفة أمام مراقبة طيران الاستطلاع الإيراني، عدا عن القوات البرية المحصنة التي تملك عتادا متطورا، وسنلحظ في المستقبل القريب هجوما مكثفا ومتواصلا لعناصر التنظيم على عدة محاور، سيحمل أسئلة دقيقة عن تواطؤ ملحوظ في نشاط التنظيم، يتقاسم مسؤوليته إيران والأسد في رسالة للعالم، لصرف الأنظار عن المأزق السياسي الأسدي - الإيراني الذي يحاكي في ظروفه ودلالاته، تسليم الأسد والإيرانيين تدمر لتنظيم "داعش" في كانون الثاني/يناير عام 2016م، لحرمان روسيا حينذاك من قاعدتها العسكرية في تدمر، حيث أجبرت الحامية الروسية على إخلاء قاعدتها، بالتزامن مع تقدم التنظيم من الجهة الشمالية للمدينة.

ورغم ما يبدو بين (روسيا وإيران والأسد) من تحالف في الحرب السورية، فالتنافس بينهما يتجلى في تحديد مستقبل سوريا، وتزيد من حدّته عوامل دولية مجتمعة على طرد إيران، وتفعيل العملية السياسية في سوريا، ورغبة روسيا بالتخلي التدريجي عن حليفها الأسد الذي بات عبئا عليها، وكذلك عن إيران المختلفة عنها استراتيجيا وإيديولوجيا. وهذا ما سيسمح للتنظيم استعادة قواه وإعادة هيكلته ضمن ولايته الأمنية في الصحراء السورية، والمبادرة بالهجوم تدفعه إلى ذلك ظروف الصراع الدولي والإقليمي التي ستعلن عاجلا أو آجلا، أن تنظيم الدولة، الورقة الحمراء التي طالما رفعها الأسد لتغطية جرائمه في حرب الإبادة التي شنها على الشعب السوري.

خاتمة

من المبكر الحديث عن انهيار تنظيم "داعش" وهزيمته عسكريا، رغم مؤشرات اندحاره في آخر قلاعه شرقي الفرات، لطالما بقيت الأسباب التي أنجبت التنظيم قائمة، كأحد محركات الصراع في المنطقة، والمتمثلة في إطلاق يد الميليشيات الإيرانية، وما تفعله في المنطقة، وأخرى تعمل بأحلامها القومية عبر الصورة الصادمة القادمة من مناطق سيطرة  تنظيم "ب ي د" الكردي، واستمرار بقاء نظام "الأسد" الديكتاتوري في سدة الحكم، مع كل جرائمه الشنيعة، وتغليب الغرب مصالحه الخاصة على مصلحة الشعوب الأخرى، بدوافع تاريخية ثأرية نفعية، بات الفصل في الصراع  القائم تتحكم به القوة، لا إجراءات العدالة، في وقت تراجعت فيه سلطة ما يسمى بـ"الشرعية الدولية"، والعبث بالملف السوري، بنقله من أدراج جنيف إلى (آستانة)، وفق تفاهمات ثنائية، تؤشر إلى تقسيم سوريا، لـ"كانتونات" لا يمكن ضبطها بما تشتهي الدول التي تحتل سوريا، لاستكمال نهبها بعد أن دمرت غالبية حواضرها.

من هنا، ستبقى المعركة دائرة ما دامت المصالح متضاربة بين واشنطن وروسيا، تعمل كل منها وفق استراتيجيتها على وقف واستئناف المعارك تحقيقا لمكاسب سياسية، واقتصادية، وستستمر هكذا إلى أن تتوافق مختلف القوى الإقليمية والدولية إلى حد أدنى من التفاهم على شكل تقاسم النفوذ، ولا يوجد في المنظور السياسي ما يشي بذلك، بل إن احتدام الصراع حول شرقي الفرات، وإدلب، ونشوب حرب خفية بين مجمل أطراف الصراع، قد يعطي دفعا لتنظيم الدولة في التمدد أكثر على مساحات جغرافية في الشام والعراق.

 

مقالات ذات صلة

خسائر لميليشيا عراقية بهجوم شرقي سوريا

"ناسفة" تستهدف قياديا من "قسد" شرق حلب

"التنظيم" يكشف عن عملياته وسط وشرق سوريا خلال أسبوع

رأس النظام يكشف عن فحوى اجتماعاته بالأمريكان

خارجية النظام تعلق على الاستهداف الإسرائيلي جنوب سوريا

"قسد" تشن حملة اعتقالات في الحسكة