لم يجد "عمران" سوى ريشته ليجسد بها أحلامه ويهرب بها من واقع فرض عليه أن يكون فنّه مصدراً لرزقه، ويسعى كغيره من الشباب السوري ليبني مستقبله بيده، لكن الواقع الذي يعيشه، فرض عليه نمطاً معيشياً قاسياً.
وبينما كان أقرانه يرتادون المدرسة ليكملوا تعليمهم ويهتمون بمستقبلهم بأهم مرحلة عمرية، كان عمران يخط بريشته بعض اللوحات والأعمال الفنية علّه يكسب بها مالاً يقيه وعائلته الفقر الذي سببه الحصار.
ورث "عمران" عن والديه الفن، فجمع بين خط والده ولوحات والدته، والتي لاحظت موهبته منذ صغره وعملت على تنميتها إلى أن أصبح في السابعة عشر من عمره، ولربما سعت والدته لتأمين مستلزمات الرسم والتخطيط، رغم الفقر الشديد المحيط بعائلتها، إلا أنها ترى بولدها موهبة نادرة، لا تجد في هذا الوقت من يقدرها، في ظل غياب الجهات التي تُعنى بهذه المجالات في الغوطة الشرقية وانصراف البعض للاهتمام بما هو أهم برأيهم كالمشاريع الإغاثية والطبية وبعض المشاريع التنموية.
ولعل الحرب التي يعيشها أبناء الغوطة والتي جعلت من منازلهم مسرحاً لجرائم الأسد، وولّدت لديهم حالة من الشتات وعدم الاستقرار، فصرفت اهتمامهم عن مجالات الفن، إلا أن إرادة الحياة لم تمت فيهم، وعلى العكس فالحصار الذي يطبق على أنفاسهم يوماً بعد آخر، خلق لديهم مَلَكة الإبداع وجعلهم يبتكرون أساليب جديدة تتناسب مع نمط حياتهم الجديد في محاولة منهم لكسب الرزق بأرقى الوسائل وأكرمها عيشاً.
يقول والد عمران لشبكة بلدي أن ولده اعتاد أن يرافقه أثناء عمله في تخطيط بعض اللوحات، حتى تعلم بعض قواعد الخط وأصبح يمارسها، لكن المفاجأة أنه تعلم الخط الديواني في نصف ساعة، حيث قرأ القواعد وتنفيذها ومن ثم أشرف الأب على التنفيذ، ولم يجد سوى بعض الملاحظات البسيطة، لكن العمل كان ناجحاً بنسبة 85 % ليكتشف بعدها سرعة ولده في تلقي المعلومة وموهبته العالية في تنفيذ ما تعلمه.
عمل "عمران" في بعض المجلات والجرائد المحلية، ورسم بعض القصص المصورة وبعض أعمال الكاريكاتير وبعض الشعارات، كما عمل في قسم التصميم في إحدى المكاتب الإعلامية في الغوطة، ليدهش بموهبته كل من يقابله ويشاهد أعماله.
ويحاول أن يدمج ما اكتسبه من خبرة خلال عمله ببعض برامج التصميم على الحاسب، سعياً منه لتطوير موهبته وهذا ما شجعته عليه والدته، والتي قالت لشبكة بلدي الإعلامية: "حاولت أن أحقق بعمران ما عجزت عن تحقيقه بنفسي، لذلك قمت بإعادته إلى المدرسة، ليكمل تعليمه بعد انقطاع ثلاث سنوات عن الدراسة، وينال الشهادة الإعدادية وأنا على يقين بأن طريق نجاحه يبدأ بإكمال تعليمه، رغم معرفتي بصعوبة ما اخترت لولدي، وخاصة في الظروف التي نعيشها".
وتضيف: "كل ما اتمناه أن يلقى ولدي من يقدر موهبته ويتبناها، كي لا يقتل الفقر ما حاولت أن أحييه على مدار سبعة عشر عاماً".
في الغوطة الشرقية ليس عمران فقط من يملك موهبة نادرة لم يعرف الاستسلام أو الإحباط طريقاً إليها، وإنما عمران كان فرداً من عائلة فنية أصغر موهبة فيها عمرها سنتين، لكن هذه المواهب والطاقات ستبقى حبيسة الحصار والحرب في انتظار من يكتشفها، طالما أن الأسد باقٍ يزيد بآلام السوريين ويسرق أحلامهم وطموحاتهم.