بلدي نيوز- (متابعات)
ولد أبو الحسن علي بن نافع الملقب ب(زرياب) في العراق سنة (173ه/789م)، ذكر بعض المؤرخين أنه ربما كان عبداً أو خادماً شخصياً للمهدي، وقد اختلفوا بكونه من أصل أفريقي أم فارسي أم كردي، فهو صاحب بشرة سمراء داكنة، كان بالإضافة لفصاحة لسانه وجمال صوته سبباً في اكتسابه لقب "زرياب".
في يوم من الأيام طلب هارون الرشيد من إسحاق الموصلي أن يأتي له بمغنٍ جديد فأحضر الموصلي زرياب وعندما غنى زرياب لهارون الرشيد أمبهر هارون الرشيد بهذا الصوت العذب الذي يخرج كأنه مجموعة من الآلات الموسيقية و لذلك عبر هارون الرشيد عن إعجابه الشديد بهذا المغني الجديد و طلب من إسحاق أن يهتم به مما أثار الغيرة و الحقد في قلب إسحاق اتجاه زرياب و هدد زرياب أن لم يخرج من بغداد سوف يقتله .
: خرج زرياب من بغداد إلى المغرب ومن الغرب توجه إلى الأندلس عاصمة الدولة الاموية في ذلك الوقت .
راسل زرياب الخليفة الأموي الحكم بن هشام في قرطبة و جاء إليه الرد سريعاً برغبة الخليفة في حضوره و تواجده في بلاط الخليفة و لكن للأسف عندما وصل زرياب كان الحاكم بن هشام توفاه الله فحزن زرياب على حظه و لكنه فوجئ في النهاية أن أبنه الذي تولى الحكم مكانه أرسل إليه فذهب إليه زرياب و استقباله الخليفة الجديد مرحب به و بدأ زرياب يغني له فإعجاب الخليفة بصوت زرياب و أيضاً بثقافته لذلك قرر أن يخصص له راتب شهري كبير و أيضاً أعطى له العقارات و البساتين و بدأ زرياب رحلته.
و بدأ ينقل هناك فنه و عاداته و تقليده و أجمل ما تعلمه من بغداد و بدأ يعلم الناس الذوق و التناسق في الألوان ليحسن ذوق الناس في الملبس و ليس هذا فقط هو من علم الناس في ذلك الوقت و الذوق و الأدب في تناول الطعام و فن التجميل و العناية بالبشرة و نظافة الجسد و يعد زرياب أول من أستخدم مساحيق لإزالة رائحة العرق و الجدير بالذكر أنه فوق كل هذا كان له معرفة كبيرة بعلم النجوم فسحر الناس بصوته و علمه و ذوقه لذلك وصفته الكتب بأنه الرجل الأنيق في طعامه و كلامه و أيضاً كان دائماً يلفت إليه الأنظار في طريقة جلوسه و كان على الطعام يضع الكثير من المناديل و يقول هذه لليدين و هذه للشفتين و هذه للوجه .
زرياب هو من وضع جميع الأسس العلمية للموسيقى و التي ما زالت تدرس حتى يومنا هذا ، في البداية أدخل زرياب تحسينات كثيرة على العود فجعلها أخف وزن و أستخدم في صناعة أوتارها مواد جديدة كالحرير و أمعاء شبل ، و هو الذي قام بإضافة الوتر الخامس إلى العود ليكمل بها مجموعة رائعة من النغمات التي تخرج من العود و لزيادة الحرية في أداء القطع الصوتية، و هو أول من قام بتأسيس مدرسة للغناء و الموسيقى و أصبحت هذه المدرسة يقبل عليها كل من يحب الموسيقي من العالم كله ، و كان هو أول من وضع أسس و قواعد في فحص المبتدئين الراغبين في التعلم و التي يتم أتبعاها حتى اليوم في جميع أنحاء العالم .
لم يكن زرياب مجرد عبقري في المجال الموسيقي، ومجرد ملِّحنٍ ومغنٍّ بارعٍ فقط، فلقد كان شاعراً مُجيداً، وعالماً ملماً بمختلف ألوان العلوم والمعرفة والآداب حيث إنه كان فلكياً عارفاً بالنجوم ومطّلعاً على جغرافية الأرض والبلدان، ومتعمقاً في التاريخ وفي أخبار الملوك والأمراء، فكان موسوعة متنقلة، وهذا ساعده لأن يقدّم العديد من الإسهامات ويقوم بالكثير من التجديدات في مختلف المجالات والفروع.
كام يعتبر زرياب مبتكر ما يسمى اليوم بـ"الإتيكيت" فهو من علّم الناس في زمانه أناقة الملبس وتنويعه بين أوقات اليوم صباحاً ومساءً وبين الفصول الأربعة وتقلبات الجو المختلفة، كلبس الثياب الخفيفة القاتمة الألوان في الربيع والملابس البيضاء في الصيف والمعاطف والقبعات التي من فرو في الشتاء.
وهو الذي علّمهم فن التجميل والعناية بالبشرة ونظافة الجسد والبدن حيث يعد أوّل من استخدم مساحيق ومركبات لإزالة رائحة العرق. ويُعتقد أنه أول من أستخدم ما يشبه معجون الأسنان الآن في تنظيف أسنانه دون أن يتم إلى الآن معرفة محتوياتها.
وهو الذي قام بإدخال قصات وتسريحات شعر مختلفة لكلا الجنسين لم يكن يعرفها الأندلسيون من قبل، بعد أن قام في البداية بتطبيقها على نفسه وأهله ليعجب بها أهالي الأندلس فيما بعد لمّا رأوها أنيقة وتضفي على الشخص جمالاً.
وحتى الطعام وآداب الصفرة لم تسلم من لمساته السحرية والإبداعية، فهو من علم الناس إعداد مائدة أنيقة للطعام وتنظيمها واستخدام أكواب وصحون من الزجاج بدلاً من التي كانت تُصنع من المعادن لأنها أكثر أناقة وأسهل تنظيفاً، وهو أول من أبتكر نظام الأكل على وجبات كتقديم الشوربة والمقبلات أولاً وبعدها يأتي الدور على الوجبة الرئيسة كاللحم والسمك والطيور وغيرها ليليها في النهاية الحلوى والفواكه والمكسرات. وهو من أدخل أنواع عديدة من الفواكه والخضروات إلى الأندلس واسبانيا لتنتشر منها إلى باقي أنحاء أوروبا