بلدي نيوز - (ميرفت محمد)
"واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد"، رحلت صباح هذا اليوم صاحبة هذا الشعار الذي لن ينساه الثائرون السوريون، إنها الفنانة (فدوى سليمان) التي وقعت نهاية الشهر الماضي كتابها (العتمة المبهرة) ليكون آخر ما قدمته من أعمال أديبة تخط فيها مسيرة النضال السوري.
فدوى (47 عامًا) التي توفيت في باريس بعد صراع مع مرض السرطان، ستبقي واحدة من أهم الوجوه النسائية في الثورة السورية، إذ لم تنزوي بعيدًا عن بدايات الثورة التي أخافت الكثير، وسارعت لتشكيل مجموعة حراك مدني رائدة، وأصرت على أن تكون البداية سلمية في مدينة حمص.
فدوى تحارب بلافتة
شكلت الفنانة (فدوى سليمان) مع الناشط وحارس مرمى سوريا (عبد الباسط ساروت) ثنائيًا هيّج المشاعر ضد النظام، تنقلت بين مظاهرات حيي البياضة والخالدية، واستمرت على هذا النهج مطالبة بالتغير السلمي وإنهاء الاستبداد، تلك المصطلحات التي لازمتها دائمًا، حتى بعد أن انتقلت إلى فرنسا وواصلت مسيرتها هناك.
أصرت (فدوى) على دخول المناطق السنية، وكونها من الطائفة العلوية فقد أردت إيصال رسالتها بأن الشعب السوري بعيد عن الطائفية، كما أرادت إحراج النظام بأنه هو فقط من ينادي بالطائفية، وقالت حينها تصريحها الشهير "لا أنتمي لأي طائفة والشعب السوري ليس طائفياً".
أدركت (فدوى) حجم الخطر الذي سيقع عليها من النظام انتقامًا لنضالها السلمي، لذلك وبعد تهديد أجهزة أمن النظام اضطرت إلى مغادرة سوريا في عام 2012. فخرجت من سوريا إلى الأردن ثم إلى فرنسا، وهناك بقيت ترفض لأخر لحظة حمل السلاح والعنف، وتطالب بوطن ديمقراطي، ورفضت الانضمام إلى ائتلاف المعارضة، لأنها كانت حريصة على البعد عن المال السياسي.
(فدوى) الفنانة الثائرة
"على كل الفنانين أن يخرجوا عن صمتهم تجاه الثورة، وخصوصاً المستقرين منهم خارج سورية ولديهم الضمانات المادية التي تكفل عيشهم"، هكذا خاطبت الفنانة (فدوى) الفنانين السوريين بصوت عال، أردت أن يقفوا مع الثورة، هذا الطريق الذي حرمها من المظي بالمشاركة في الكثير من الأعمال التلفزيونية، إذ لم تكن من الفنانات المرضي عنهن من نقابة الفنانين ومخابرات النظام.
بدأت الفنانة (فدوى) الانخراط في الثورة قولًا وفعلًا، كانت لها مشاركة في إحدى مظاهرات مدينة دمشق، ثم أصبحت رمزًا من رموز الثورة في مدينة حمص عاصمة الثورة السورية.
يقول الصحافي السوري (فراس ديبة) أنها ظهرت بوجهها المكشوف واسمها الحقيقي، وكانت تمسك الميكرفون في المظاهرات، وتهتف بهتافات وطنية ثورية في ساحات البياضة والخالدية في حمص، ويضيف "أمضت فدوى قرابة العام متخفية في أحياء حمص تتنقل من بيت لبيت تعيش مع البسطاء تفاصيل حياتهم، كانت ثائرة حقيقية ولن تكن ثائرة تلفزيونية أو فيسبوكبة"، وينتقد (ديبة) اعتقاد البعض أن أهمية انتماء فدوى للثورة يأتي من كونها تنتمي للطائفة العلوية، معقبًا "لم تقدم نفسها في أي يوم على أنها بنت طائفة أو مدينة معينة، بل قدمت نفسها على أنها ثائرة سورية ابنة الثورة وابنة الحرية وابنة سورية، وكانت في هتافات تكتبها علي ورقة تحملها في المظاهرات، تقول بكل وضوح أن الثورة السورية هي ثورة للجميع وأن الشعب السوري هو شعب واحد".
لقد حملت هتافات (فدوى) تعريف وهوية واضحة وصريحة للثورة السورية، بأنها ثورة الحرية والكرامة والديمقراطية ويتابع (ديبة) الحديث لبلدي نيوز "لم تنخرط فدوى في متاهات العمل السياسي ولم تتكسب من الثورة بل عاشت حياتها بسيطة بعيدة عن الأضواء وآمنت بقضيتها وحملت قضية الثورة السورية في داخلها وفي نشاطاتها وفي غربتها".
فدوى ... صوت السوريين
"الزميلة والصديقة والبطلة فدوى سليمان، ننعي إليكم وفاة الفنانة السورية التي أجبرت العالم على رؤية الحقيقة إثر مرض عضال، الرحمة والسلام لروحها الثائرة"، هكذا نعي الفنان السوري (فارس الحلو) فدوى.
تحدثنا إلى الإعلامي السوري (مالك أبو خير) الذي عرف (فدوى) منذ أربع أعوام فقال "سعت فدوى للإنسانية قبل أن تسعى إلى أي شيء آخر، واجهت استبداد الأجهزة الأمنية في سورية عبر الكلمة والمظاهرات، وكانت أول من وقف في وجه تسليح الثورة وإيصالها إلى ما وصلت إليه اليوم".
ويتابع الحديث لبلدي نيوز "في وقت سعى الغالبية نحو المناصب هي رفضت جميع العروض التي عرضت عليها، وبقيت محافظة على النهج السلمي والتغير الديمقراطي للسلطة في سورية بعيداً عن لغة القتل والطائفية التي حولت الثورة إلى حرب أهلية".
ويؤكد (أبو الخير) على أن فدوى حتى حين وصلت لفرنسا تابعت عملها بكل ما امتلكت من إمكانيات بسيطة، وسعت إلى إيصال صوت السوريين للمجتمع الفرنسي بل والمجتمع الدولي عبر كل نشاطاتها وعملها السلمي، وبقيت على تواصل مع أهل الداخل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وعملت معهم وبقيت إلى جانبهم، ويختم بالقول "من الصعب علي أن أوصف ببضع كلمات نشاط فدوى وعملها، لكن يمكن أن اختصر كلماتي بأنها كانت فدوى السورية الوطنية السلمية... فدوى الإنسان".
يذكر أن الممثّلة المسرحيّة والتلفزيونية (فدوى) تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وشاركت في العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية والدوبلاج والمسلسلات، وبعد الثورة صدر لها نص مسرحي بعنوان "العبور"، ترجم إلى الفرنسية وطبع في دار "لانسمان" عام 2012، كما صدر لها ديوان شعر بعنوان "كلما بلغ القمر"، ونُشِر من قبل دار الغاوون بالعربية عام 2013 وترجِم إلى الفرنسية من قبل الشاعر والمسرحي اللبناني "نبيل الأظن"، ونشرته دار سوبراي الفرنسية عام 2014.