بلدي نيوز- (راني جابر- المحرر العسكري)
هدد النظام خلال الساعات الماضية (بشكل غير مباشر)، بتوجيه ضربة كيماوية لمناطق الثوار (وربما مناطقه)، عبر تمرير العديد من الأخبار التي تدخل ضمن إطار الحرب النفسية المباشرة، بأن الثوار وزعوا الأقنعة الواقية على مقاتليهم تجهيزاً لاستخدام السلاح الكيماوي (كي يفهم منها الثوار أنه يحضر لضربة كيماوية ضدهم)، الأمر الذي يشير لرغبة وتحضير النظام لاتهامهم، وربما يكون قد جهز خطة تبدأ بتفجير الراشدين، ولا تتوقف عند مجزرة كيماوية ما.
فالنظام ما زال يمتلك أجزاء كبيرة من منظومة الحرب الكيماوية لديه، أما بالنسبة (لمنظومة الحرب البيولوجية) فما تزال سليمة تماماً، ولم يحدث أي ذكر لها خلال اتفاقيات التسليم التي وقعها النظام.
كلور – خردل- سارين
يمتلك النظام ثلاثة أسلحة كيماوية مرجحة للاستخدام بشكل مباشر، تحقق له الأثر النفسي والعسكري والإعلامي والسياسي المطلوب، فهو يستطيع الترويج لهجوم كيماوي عبر إعلامه "الموازي"، ومن ثم يستغل حالة التوتر النفسي للثوار والمدنيين في مناطق الخطر، ويهاجم بالكلور الذي لا يبدو أنه يوجد أي مشاكل دولية في استخدامه، مستغلاً الأثر النفسي للتقدم، وضعف تجهيزات الثوار (من وسائط حماية وعلاج).
أو قد يستخدم غاز الخردل، والذي يعتبر أسهل استخداماً نسبياً من السارين (ما سيسهل عليه لصق التهم بالثوار أو بتنظيم "الدولة")، وله أثر عسكري ونفسي كبير جداً، خصوصاً أنه يتسبب بمشاهد مرعبة لضحاياه، الذين يتعرضون لحروق مرعبة و"فقاعات ضخمة"، ومنهم من يتعرض للتشوه بشكل مرعب بعد التعرض له، فهو يعتبر من "مولدات البثور"، ما سيساعد النظام على عرض صور بشعة لضحايا الضربة الكيماوية التي نفذها "الإرهابيون" ضده، تساهم في إكسابه تعاطفا دولياً بخاصة إذا استطاع إلصاق التهمة بالثوار.
أما غاز السارين فهو خياره الأخير، وقد يستخدمه في حالة استطاع "تنظيف" المناطق التي سيقصفها، وإزالة أي أثر للضربة، وهذا يحدث في حالة نفذ هجوماً ضخما وسيطر على المناطق المقصوفة بالغاز بعد الضربة الكيماوية، (في محاولة لتكرار سيناريو 2103)، بهدف محو أي دلائل على الضربة الكيماوية.
لكن لا يبدو أن النظام قادر على إقناع الغرب بمظلوميته خصوصاً أنه مراقب بشكل دقيق ووثيق، لذلك فهو سيرتكب حماقة جديدة، تتسبب بفتح بوابات الجحيم عليه، خصوصاً أن روسيا تعرضت للتحجيم على يد أمريكا في سوريا، وتعرضت لصفعات سياسية وعسكرية من قبل أكثر من جهة، وانكشفت عوراتها وضعفها السياسي والعسكري، وصلت بها لمرحلة اختراع "أفلام هندية"! عن تصدي طائرات سوخوي 35 لصواريخ التوماهوك وإسقاطها وسط "عجز" أمريكي عن الرد!، الأمر الذي يعد أعلى درجات استغباء الروس للبشر منذ بداية تدخلهم في سوريا.
كيف سيُعاقب النظام على أي هجوم كيميائي قادم؟
في حالة شن النظام هجوما مشابهاً فهو أمام حالتين، إما أن يتمكن من إقناع الدول الكبرى أنه ليس المسؤول عن الهجوم و(هذا احتمال ضعيف) ولكنه موجود، بخاصة إذا مرر السلاح الكيماوي لطرف ثالث، واستطاع اثبات أنه لم يستخدمه، أما في حالة فشل في هذا الأمر فهو سوف يكون قد أحرق أوراقه جميعاً.
فقد تلقى نظام الأسد ضربة صاروخية مذهلة، نفذتها البحرية الأمريكية بقرابة 59 صاروخ كروز، دمرت العديد من طائراته، وعطلت جزئياً عمل مطار الشعيرات، المطار الذي انطلقت منه طائرة الكيماوي، لتقصف المدنيين في خان شيخون (الملاحظ في هذه الضربة أنها ضربة غير مسبوقة تاريخيا، فمن النادر أن يتعرض مطار للقصف بدون استهداف مدرجاته أو إصابتها ولو بشكل غير مقصود، في حين نجت مدرجات مطار الشعيرات من التخريب في حالة فريدة).
فبعد أن اعتقد النظام أنه في مأمن، وتخلى عن تقيته العسكرية التي استخدمها خلال الضربة الكيماوية على الغوطة 2013، حيث استخدم صواريخ معدلة حملت الكيماوي، في محاولة منه للتهرب من المسؤولية ولصقها بالثوار، فإن النظام –معتقداً أن أمريكا تسانده- نفذ ضربته الكيماوية هذه المرة جهاراً نهاراً بطائراته، الأمر الذي يبدو أنه نقطة التحول الأبرز في تاريخه كلياً، وربما تكون "نقطة اللا عودة" التي ستكون نهايته إحدى توابعها.
فمع الضربة الأمريكية وبعدها، كثرت التصريحات السياسية والتهديدات للنظام وتشعبت، ووصلت لمرحلة التهديد بدمار النظام وعائلة الأسد، تبعها إلقاء أمريكا لواحدة من أكبر وأهم قنابلها التقليدية في أفغانستان (أم القنابل)، قادرة على إزالة قصر بشار من الوجود، وتدمير مقراته وقياداته وجميع حصونه.
ما يعتبر رسالة أمريكية لروسيا والأسد، وتهديداً مباشراً أنه قد يتعرض لها، وقد يكون التالي في قائمة أهدافها.
فسقوط النظام أو رأسه على الأقل، يعتبر بشكل أو بآخر نقطة بداية جديدة للثورة في سوريا، وهي تعتبر تحولاً مهماً على المستويين الاستراتيجي والجيوسياسي، فمجرد سقوط النظام في الوضع الحالي سوف ينشأ عنه صدمة تصيب جميع القوى المنخرطة في الصراع السوري، فهو على الرغم من ضعفه ولكنه يعتبر (مسمار جحا) الذي يتعلق به الكثير من الأطراف للبقاء في سوريا، وعلى رأسهم إيران وحزب الله، ثم روسيا، ثم الميليشيات الانفصالية الكردية.
سقوط تدريجي!
معظم الاشارات والتحليلات والظروف الحالية، تجتمع على سقوط النظام خلال الفترة الحالية أو على الأمد القريب في أتعس الأحوال، ويحدد موعد سقوطه بنموذج القوى التي ستكون ناشطة في الساحة لحظة سقوطه، ومدى التجهيزات التي تحدث وتهيأ لهذا الأمر.
فطريقة إسقاطه مرتبطة بتوقع ما يحدث بعده، فالأمريكان صرحوا غير مرة أنهم بحاجة لإزالة "سلسة وهادئة" للنظام، ما يزيل فكرة أن النظام سوف يزال بشكل صادم وعنيف (هذا لا يعني أنه لن يقصف بعنف ويتعرض لتساقط العشرات من صواريخ التوماهوك وغيرها، ولكنها ستكون مبرمجة بطريقة منظمة)، فالنظام لن يواجه بعملية عسكرية ضخمة تستهدف تدمير مركز القيادة واتخاذ القرار فيه، بل إن "أي وكل" ضربة جوية سوف تستهدف النظام لن تكون موجهة لهذا القسم منه (الدماغ)، بل سوف تستهدف أطرافه ومراكز قوته تدريجيا، وليس بصورة صادمة (بهدف شله وتحجيمه)، تجنباً لإسقاطه بشكل مفاجئ، ما قد يتسبب بحدوث فراغ يمتلئ بقوة "معادية لأمريكا"، بل تسعى أمريكا للتسبب بانكماش النظام تدريجياً ولو بسرعة، ووضعه في زاوية تجبره على القبول والتوقيع على "حل سلمي"، يتسبب بإزالة النظام أو هرب رأسه أو حتى مقتله، سواء بغارة أو عبر الاغتيال أو التغييب.
فقد تحدث ديمستورا عن رغبته في إجراء محادثات جديدة في جنيف في شهر أيار القادم، تصريحه جاء بعد صمت استمر لأسابيع، ما يعني أن الأمور والضربات والضغط العسكري والسياسي على النظام سوف يكون جاهزا خلال هذه الفترة، وقد تتعرض بعض مطارات النظام ومواقعه الرئيسية للقصف، في حين سوف تبقى مقرات قيادته الرئيسية وأفرعه الامنية سليمة، تجنبا لانهياره الهيكلي وتمهيدا لإعادة هيكلتها.
بالمقابل، سوف تعوض روسيا عن النقص في القوة العسكرية الحاصل، عبر زيادة الطلعات الجوية (وهذا ما يلاحظ منذ ضربة الشعيرات)، وزيادة القصف إلى حين، حيث ستمنع رجوح كفة الثوار عسكريا بسبب نقص القدرات العسكرية للنظام، ما يسمح لها كذلك بالمشاركة في تحديد مستقبل سوريا، فهي لن تسلم قاعدتها العسكرية بسهولة، خصوصا أنها قد تكون جزء من الصفقة الروسية الأمريكية التي قد تحدث في الكواليس في أي لحظة.
فأمريكا بحاجة لروسيا في الشرق الأوسط، لتكون تهديداً بعيد الأمد لتركيا وقوة لتنفيذ الأعمال القذرة، التي تسعى لتكون من ضمن الدول الكبرى في العالم، وفي حال سقط النظام وعاد الطريق التجاري بين الخليج وتركيا، فسوف ينتعش الاقتصاد التركي بشكل كبير (خصوصاً في حال مد خطوط للنفط والغاز)، ما يعني أن تركيا ستحقق قفزة نوعية بمجرد سقوط الأسد، وقد تشارك في تأمين الطريق بين الحدود الشمالية والجنوبية لسوريا، مروراً بحلب وحمص وحماة ودمشق ودرعا.