بلدي نيوز – (ميرفت عوف)
لم تكتفِ روسيا بعقد مؤتمر "أستانا1" في 23 كانون الثاني الماضي، والذي خرج بآلية لتثبيت وقف النار قوبلت بخروقات متعددة من نظام الأسد والميليشيات الشيعية التي استقدمتهم إيران من دول الجوار السوري.
فسرعان مع عقدت الجولة الثانية من هذه المحادثات بين وفدي النظام والفصائل المعارضة التي أعلنت تقليص حضورها أمس الخميس في العاصمة الكازاخية أستانا، الجولة الثانية تلك تأتي قبل نحو أسبوع من استئناف مفاوضات جنيف بمرجعية قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الصادر في كانون الأول 2015، والذي أكد أن الحل السياسي هو حل تفاوضي وحدد أسسه بست نقاط تم التعهد بتطبيقها.
ترسيخ قبضة روسيا الميدانية
عشرات اللقاءات الدولية والمؤتمرات يشكل أهمها مؤتمرات جنيف التي لم تغيير شيئًا على أرض الواقع، ليأتي الآن مؤتمر "أستانا" بجزأيه الأول والثاني، والتي يصفه المحلل السياسي )عبد العزيز عجيني) بأنه أشبه بـ"لقاءات متحاربين ووكلائهم" وليست اجتماعات للفرقاء السوريين بالمعنى الدستوري والوطني.
ويشدد (عجيني) خلال حديثه لـ"بلدي نيوز" على أن التحرك نحو أستانا بدلًا من جنيف له أكثر من مدلول، ويقول: "الحاضرون في الأستانا هم أنفسهم المنخرطون في الحرب إما مباشرة أو عبر أدواتهم، وهذا أمر واقع فرضته التطورات الميدانية الأخيرة، لذلك كل طرف يشارك في الأستانا وفي جعبته المكاسب التي حققها على الأرض كما الروس في مدينة حلب والإيرانيين في ريفي دمشق وحمص"، ويتابع القول: "هذا أمر يختلف تمامًا عن عملية إحلال السلام المنشودة من جميع السوريين، فهذه اللقاءات الأسيتانية تعطي الأطراف مزيدًا من الوقت لترسيخ قبضتهم الميدانية بهدف تسجيل النقاط في الجولة الأخيرة من هذا الصراع الماراثوني".
ويشير (عجيني) إلى أن مفاوضات جنيف تمثل الأسرة الدولية برمزية جنيف كمقر للأمم المتحدة، وهذا يجعل عدم تطبيق مخرجاته أمرًا محرجًا للأسرة الدولية ويقوض مصداقيتها، مضيفًا: "كما أن اللقاء في جنيف بعد هذه السنوات يتطلب إتمام عملية سياسية تنهي الحرب وتؤسس لنظام حكم جديد يتفق عليه السوريون وهذا ما لم يتفق عليه اللاعبون الدوليون بعد".
"إسفين" للمعارضة
يعتبر المحلل السياسي السوري (جميل عمار) مفاوضات "أستانا" بأنها "صناعة روسية 100%"، بينما مفاوضات جنيف تشمل الأمم المتحدة وفيها القراءة الأمريكية التي تختلف عن القراءة الروسية لمقررات "أستانا".
ويؤكد (عمار) على أنه: "في مفاوضات الأستانا تحاول روسيا تكريس واقع معين كي تفرضه على المعارضة السورية وتحصل منه على موافقة المعارضة على خارطة طريق تحملها إلى الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف، فتصبح مفاوضات جنيف عبارة عن مؤتمر يصادق على ما تريده الأستانا ويقفز فوق مقررات الأمم المتحدة".
وفي معرض رده على سؤال لـ"بلدي نيوز" حول: هل ستنجح "أستانا" في دفع المعارضة لتحقيق هدفها؟ يجيب (عمار): "هذا يتوقف على تماسك المعارضة الحقيقية، فروسيا تحاول إضافة معارضين هم أقرب للنظام من المعارضة لتدق إسفيناً للمعارضة ويصبح من السهل أن تحصل على ما تريد".
ويتوقع المحلل السياسي أن لا تنجح روسيا في تحقيق أهدافها، ويضيف: "حتى الآن يبدو أن روسيا لن تنجح، ولذلك هي تحاول تسريع خطوات الحل من وجهة نظرها، إذ تتوقع دخول أمريكا على الخط، وهذا أصبح واضحًا من انحياز تركيا للموقف الأمريكي"، معقبًا: "فإذا تم إقرار المناطق الآمنة، فهذا يعني فشل المشروع الروسي بسوريا".
الحفاظ على مكتسبات روسيا
مما لا شك فيه أن روسيا تسعى للحفاظ على وجودها في الشرق الأوسط عبر البوابة السورية، وهي تدرك أنها لا تمتلك الكثير في المنطقة لا اقتصاديًا ولا سياسيًا وحتى حضورها العسكري لا يتجاوز صفقات الأسلحة الفاسدة مع الأنظمة الحاكمة في المنطقة.
لذلك يعتقد المحلل العسكري (راني جابر) أن روسيا تدرك أن أمريكا هي من تمتلك جميع الأوراق في المنطقة، وأن الوجود الروسي في القضية السورية ككل مرهون بالموافقة الأمريكية، مضيفًا لـ"بلدي نيوز": "تدرك روسيا أن طائراتها القاذفة الاستراتيجية لن تعبر فوق العراق لقصف سوريا بدون موافقة أمريكية، وأن سفنها في البحر المتوسط تسير برضى ورقابة أمريكية، ولن تستطيع تجاوز دورها المحدود والذي سمحت لها به سابقًا إدارة أوباما، ضمن سياسته لاستنزاف الجميع، وما يثبت ذلك هو أن روسيا ليس لها أي تواجد في العراق أو ليبيا على الرغم من أنهما يمثلان وجبة شهية فيها ما لذ وطاب من المليارات وهما بحاجة للدعم الروسي شأنهما شأن النظام، وهو ما يعني أن أمريكا رسمت خطًا أحمر للدور الروسي خارج سوريا. "
ويشدد (جابر) على أن ما يمكن استيعابه من المحاولات الروسية المستميتة التي تسعى عبرها لإنشاء مسار سياسي في سوريا الذي اخترعته، هو أن روسيا تسعى لإنتاج شكل من الواقع على الأرض قد يرضى به الأمريكان ويحافظ على مكتسبات روسيا في سوريا، أو على الأقل إنشاء طبقة من الشخصيات التي تكون موالية لروسيا بهدف إدخالها لأي نظام سياسي سينشأ في سوريا لاحقًا، وذلك بهدف الحفاظ على المكاسب الروسية ليس إلا، حسب جابر.
إسقاط شرط رحيل الأسد
"موسكو تريد تغيير قرار جنيف 2 رقم 2254، وتستخدم مفاوضات "أستانا" كمدخل لإحداث التغيير في الصياغة لقرار جديد", هذا ما يؤكده مصدر سوري معارض لـ"بلدي نيوز"، مضيفًا "أن هدف مفاوضات الأستانا هو التأسيس لوقف إطلاق النار في المناطق التي تخضع لسيطرة الفصائل المفاوضة".
وتابع المصدر القول: "كما هو معروف فإن نجاح وقف إطلاق النار هو دلالة على بداية جديدة لمفاوضات توصل إلى اتفاق سياسي، ومن ثمة الوصول إلى حل، إذ سيدفع ذلك الأطراف القادرة على تنفيذ وقف إطلاق النار نحو عقد اتفاق سياسي".
ويوضح المصدر أن تثبيت وقف إطلاق النار سيسمح لروسيا بفتح الباب لانضمام (معارضة المنصات) بشكل تدريجي في جنيف القادم حتى ولو لم يكن لها مكان رسمي في وفد المعارضة، مضيفًا: "سيتم التركيز على نقطتين أسياستين في جنيف وهما تشكيل هيئة حكم انتقالي والتهيئة لانتخابات (نزيهة) برعاية الأمم المتحدة، وتنوي روسيا من خلال معارضة المنصات إسقاط شرط رحيل الأسد عن طريق إغفاله على الأقل، وفي حال نجاح جنيف 4 وسيصبح مرجعية للمفاوضات المقبلة".