بلدي نيوز – (ميرفت محمد)
بحجة احتضان المدنيين السوريين الهاربين من مناطق الصراع، أصدر الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) أمرًا تنفيذيا لوزارتي الدفاع والخارجية، يطالبهم بوضع خطة لإنشاء مناطق آمنة داخل سوريا، وفي دول الجوار، وهي مناطق طالما طالب بها حلفاء واشنطن الإقليميين وقوبلت بالرفض الأمريكي في عهد أوباما.
وجاء في مسودة الوثيقة الخاصة بالمشروع "توجه وزارة الخارجية بالتعاون مع وزارة الدفاع في غضون 90 يوماً من تاريخ هذا الأمر بوضع خطة لتوفير مناطق آمنة في سوريا وفي المنطقة المحيطة يمكن فيها للمواطنين السوريين الذين نزحوا من وطنهم انتظار توطين دائم مثل إعادتهم لبلادهم أو إعادة توطينهم في بلد ثالث".
تفاصيل أكثر حول الأسباب التي هيأت لهذا الموقف الأمريكي الآن، ومواقف الدول المتصارعة في سوريا وخاصة تركيا وروسيا وإيران من هذه المنطقة، ومعلومات حول مكانها وتمويلها يستعرضها تقرير "بلدي نيوز".
مواقف متعددة
طرح مقترح إقامة منطقة آمنة للسوريين مع نهاية العام ٢٠١٢، وكانت تركيا من أوائل المدافعين عن المقترح بل والداعين له، لكن إدارة اوباما حينها لم تتشجع له وحصرت تركيزها على الملف النووي الإيراني.
يؤكد أستاذ تاريخ الشرق الأوسط المعاصر (محجوب الزويري) أن تركيا بقيت تدعو لهذه المنطقة وواشنطن ترفضها، بينما الدول الأوروبية بين المنزلتين وهمها الأساسي هو الحد من تدفق اللاجئين لأراضيها، وتابع القول: "ترامب كان معجبا بالفكرة منذ حملته الانتخابية"، وأضاف لبلدي نيوز "بالنسبة لروسيا كانت محافظة، ومع تدخلها العسكري بسوريا بدت معارضة لأن المنطقة الآمنة تحد من طلعاتها الجوية، أما الآن فروسيا معنية بعدم الاصطدام مع ترامب في هذه المرحلة، وهذا ربما يدفع إلى تنسيق مشترك وترتيبات بين الطرفين الأميركي والروسي".
وفيما يتعلق بالموقف الإيراني، يرى الزويري خلال حديثه لبلدي نيوز أن إيران من طرفها لم ترغب في هذه المنطقة لأن ذلك بالنسبة لها يعني مزيدا من الإضعاف لنظام بشار الأسد".
ويؤكد الزويري على أن التوقيت يبدو مناسبا بالنظر إلى زيادة التنسيق التركي الروسي، وفي المقابل تزايد الاختلاف الروسي الإيراني، ويختم بالقول "المنطقة الآمنة تحتاج الآن تحضير حتى يتم الفصل بينها وبين مناطق تتواجد فيها نشاطات لجماعات تسمى إرهابية، وبالنسبة لترامب المنطقة الآمنة قد تعطيه مشروعية لشن هجمات على الجماعات الإرهابية.
التوقيت وفرص النجاح
يرجع المحلل السياسي (عبد العزيز عجيني) سبب الحديث عن المنطقة الآمنة في هذا التوقيت، لإدراك الأمريكيين أن الأطراف المتورطة في الحرب السورية تعبت الآن ولم تكن واشنطن مضطرة سابقًا لتحمل أعباء كبيرة، ويوضح "الآن مع وقوع جميع الأطراف في مأزق، لم يعد هناك من يمتلك إمكانية عرقلة هذه الخطوة، فالروس لم يستطيعوا إعادة الشرعية لنظام متهالك بقيادة بشار الأسد، وإيران فعلت كل ما بوسعها لإنقاذ رأس النظام، والأمريكيون لم يكونوا أصلًا يريدون للنظام السقوط بدون ترتيب شكل الحكم في سوريا قبل انهيار النظام".
ويشير عجيني إلى أن تركيا حاولت ابتزاز واشنطن بتقاربها مع موسكو مستفيدة من النهم الروسي لانتزاع حلفاء الولايات المتحدة وأبقت الباب مفتوحًا للأمريكيين لعلمها بأن الأمريكيين قادرين على زعزعة الداخل التركي أكثر من الروس، مشيرًا إلى أن هناك فرصة كبيرة لنجاح المشروع الأمريكي بسبب غرق الجميع بسوريا، فتركيا مستعدة للتعاون مع الأمريكيين وقد يكون فتح الله غولن الثمن، وهذا ليس ثمنًا باهظًا عند الأمريكيين كونه أصبح ميتًا سياسيًا، كما قد يقدم الأمريكيون ثمنا للروس في مناطق أخرى من العالم تجعلهم يقبلون الحصول على حصة من الكعكة السورية وهذا خير للروس من البقاء في حلقة مفرغة كما هو حالهم الآن، حسب عجيني.
وفيما يتعلق بالإيرانيين، يقول عجيني لبلدي نيوز "هم مضطرون لجني مكاسب محدودة كي لا يخرجوا من اللعبة بالكامل بعد أن تم استنزافهم، وهم يعلمون أن ثمن معارضتهم قد يكون تحريك الوضع في الداخل الإيراني لغير صالحهم".
ويؤكد عجيني لبلدي نيوز أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الانتظار أكثر لأن الملف سيخرج عن السيطرة وستفقد ثقة حلفائها، وسيتمكن الروس من تشكيل محور مهم مع الأتراك، وهذا يستوجب تحالفًا أمريكيًا مع الإيرانيين وهذا غير مجد سياسيًا واستراتيجيًا مع نظام طهران المقبل على رياح التغيير حسب مؤشرات كثيرة.
ويشير عجيني إلى أن الروس عمدوا إلى اتباع سياسة شد واستغلال عتبات الحرب الاستراتيجية والتي جعلت الأمريكيين بقيادة الديمقراطيين أمام خيارات صعبة في ملفات عديدة، منها الملف السوري، ولذلك اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة القيادة من الخلف إما عبر حلفائها الإقليميين أو بتفاهمات ضمنية مع أندادها الدوليين.
التمويل والمكان يعتبر الكاتب والمفكر السوري المعارض محيي الدين اللاذقاني أن إصدار ترامب أمرًا تنفيذيًا لوزارتي الدفاع والخارجية الأمريكية، بوضع خطة لفرض منطقة آمنة في سوريا وهو في يومه الثالث بـ"المكتب البيضاوي"، لا يعني أن الخطة ستنفذ غدًا لكنه يعني أن الموقف ليس ارتجاليًا.
وأضاف اللاذقاني لبلدي نيوز "لا بد أن يكون قد تشاور فيه مع الأتراك والروس، فليس من العدل أن يُقال أنه يطبق فقط سياسات معاكسة لسياسات أوباما، فهو أعلن في حملته الانتخابية عن قناعته بإنشاء تلك المنطقة الآمنة التي كانت سببًا في توتر العلاقات الأميركية–التركية، وكادت أن تتسبب في خروجها من حلف الناتو".
ويرى اللاذقاني أن أكثر المبتهجين بتلك المنطقة بعد النازحين السوريين هم الأوربيون الذين يرون في المنطقة الآمنة الحل الأمثل الذي يريحهم من أعباء الهجرة، ويتيح لهم ترحيل من لا يرغبون بوجوده من السوريين إلى تلك المنطقة التي ستتحول في الأسابيع المقبلة إلى عنوان رئيسي ودائم في السياستين الإقليمية والدولية، حسب اللاذقاني.
ويستشهد اللاذقاني بما يراه الخبراء أن إنشاء تلك المنطقة ليس بالأمر السهل، وذلك لكونها تحتاج منطقة حظر طيران، حتى لا يقع المدنيون الذين سيلجؤون إليها تحت رحمة قصف قوى مختلفة، وتابع القول "لا بد من تأمين حماية أرضية أيضًا لتلك المنطقة من هجمات إرهابية".
وفيما يتعلق بتمويل المنطقة الآمنة، يقول اللاذقاني لبلدي نيوز "أميل للقول أن هناك دول خليجية وعدت بتمويل هذا المشروع الدولي، ومن المرجح أن يكون هناك خطة تركية جاهزة يتبناها الأميركيون بإجراء بعض التعديلات عليها لصالح حلفائهم الأكراد"، وفيما يتعلق بالموقف الروسي؛ فيرى اللاذقاني أن موقفهم سيتوقف على شكل العلاقة التي ستنشأ بين ترامب وبوتين، ويضيف "الدلائل تشير إلى أن هذه العلاقة لن تكون عدوانية -على الأقل- فليس من المعقول أن تبذل روسيا كل هذا الجهد لإنجاحه على حساب كلينتون، ثم تناصبه العداء".