بلدي نيوز – (منى علي)
منذ "إعلان موسكو" الثلاثي، الذي أطلقه الأطراف الفاعلون على الأرض السورية (روسيا وتركيا وإيران)، تغيرت المعطيات على الأرض، وأخذت الحرب منحى جديداً، حيث بات النظام مقيد الحركة جدا لا يحرك عنصرا إلا بأوامر روسية، فلم يعد ينشط إلا في محاولة احتلال وادي بردى والمناورة حول "الباب" بريف حلب، وكذلك حُجّمت إيران وميليشياتها ولُجمت عن مواصلة مشاريعها العسكرية في معظم المناطق السورية، وطُردت من شرقي حلب رسميا لتحل مكانها شرطة عسكرية روسية، كما تم تجميد عملية "درع الفرات" المدعومة تركياً في الشمال السوري على أعتاب مدينة الباب.
كل هذا التدبير الروسي كان لإعطاء فرصة حقيقية لمؤتمر "أستانا" الذي سيشكل مرجعية جديدة تنسف عمليا المرجعيات الأممية السابقة، ليتم البناء عليه وتجيير القرارات الدولية لصالحه وفي سياقه. ولكن قبل أي خطوة سياسية قادمة، أسست الهدنة التي فرضتها روسيا بالقوة على كل الأطراف، لمناخ ملائم لتصفية المعارضة المسلحة، وإشعال الاقتتال بين "المعتدلين" و"فتح الشام" التي وقعت في الفخ وبادرت إلى قتال الجميع، بعد مواقف معلنة ومشرفة من الحاضنة الثورية انحاز فيها السوريون لها (فتح الشام) وغامروا من أجلها، في "أستانا" وقبلها، حين رفض كل الثوار إخراجها من حلب الشرقية حيث تشارك الجميع دفع الثمن.
فهل كانت "الهدنة" فخاً لإشعال الاقتتال بين "فتح الشام" وفصائل الجيش الحر؟.. وهل يبدو هذا التوقيت بعد "إعلان موسكو" ومؤتمر "أستانا"، وقبل "جنيف 4" مدروسا ومقصودا لتصفية بعض المشاريع والإبقاء على المعارضة التي تقبل فعليا بمخرجات الحوار والمفاوضات؟.. وما مغزى أن يبقى النظام وحلفاؤه متفرجين غير معنيين بما يدور في أكبر معاقل المعارضة المسلحة (إدلب)، علما أنها فرصة عسكرية لا تُعوض للانقضاض على الأطراف المتصارعة!
الكاتب الصحفي السوري، محمد منصور، يجيب عن هذه التساؤلات ويفسر مواقف الأطراف المعتدية من "الهدنة" بالقول: "لا أعتقد أن الهدنة كانت فخاً لإشعال الاقتتال بين الفصائل، وبالنسبة للتوقيت فمن حق أي هدنة أو اتفاق أن يأتي في وقت مناسب يحقق فيه أهدافه.. ولكن يبقى السؤال ما هي هذه الأهداف"؟!
ويتابع الكاتب السوري "منصور" موضحاً: "أنا أعتقد أن هدف الروس من الهدنة هو تقليص عملياتهم العسكرية التي صارت عبئاً عليهم، والقول أننا هيئنا الأرض لعملية التفاوض السياسي، وبالتالي أن يجمدوا عمليات تسليح الثوار من أجل استعادة ما خسروه بسبب الوحشية الروسية التي حققت انتصارها في حلب الشرقية بالإجرام وسحق الحياة المدنية وليس بالخطط العسكرية وبالقوة التي تحترم أبسط قيم الحرب. أما الإيرانيون فيذهبون إلى الهدنة وعينهم وقلبهم مع إطلاق النار والخروقات، وهم يستعينون على قضاء حوائجهم بالكذب، والكذب الصريح إلى درجة لا يصدق معها أحد، أنه يمكن لجهة أو نظام أو عصابة أن يمارس كل هذا الكم من الكذب، ما دام لديه أبواق إعلامية وقنوات وإمعات مأجورة من شيعة لبنان والعراق وفجّار محور الممانعة، يدافعون عن هذه الأكاذيب".
وعن موقف الطرف الأضعف صاحب "السيادة الوهمية"، يضيف محمد منصور: "ولا داعٍ للحديث عن أهداف نظام الأسد من الهدنة فهو أكثر إنهاكاً وفقرا بالقوة من الروس، لكن هدفه اليوم هو إعلان فروض الولاء والطاعة للروسي، كي لا يتخلى عنه ويتركه بين مطرقة الثورة وسندان التسلط والإذلال الإيراني، وكي لا يفاوض الروس بدورهم على رأس الأسد بسهولة، وهو احتمال يدرك النظام احتمال حدوثه في أي وقت يخرج عن الطاعة الروسية، حتى وإن كابرت أبواقه في وسائل الإعلام".
ويرى الصحفي السوري في نهاية المطاف أنه "يجب علينا الاعتراف أن مسؤولية اقتتال الفصائل هي مسؤولية الثورة وأنصارها وحكمائها، ويجب ألا نلوم الهدنة أو تدبير النظام أو روسيا وإيران، إذا نحن حققنا – بغبائنا أو بفرقتنا أو بأناينة بعضنا – ما يريدونه لنا".
ومع استمرار الاشتباكات وتوسعها جغرافيا، واشتعال حرب "الفتاوى والبيانات"، لا يبدو بأنها "فتنة" عابرة وستمضي، فالواقع يشي أنها صراع "مشاريع" لم يعد من الممكن تأجيلها بعدما تم حشر الأطراف المتصارعة في بقعة جغرافية ضيقة لا تتسع للجميع، ويبقى السؤال الأهم هو: أين مصلحة الثورة والثوار في كل ما يجري؟..