بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
توطئة:
تناقش هذه الورقة الدور التخريبي لإيران في سوريا, ووقوفها ضد الاتفاق الروسي - التركي المتعلق بوقف الأعمال القتالية في سوريا, وإجراءات التحضير لمؤتمر "أستانة" عاصمة كازاخستان بهدف التوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الصراع الدامي في سوريا، أواخر الشهر الجاري, أسفرت عن ظهور خلافات روسية- إيرانية في إطار المعركة التي جرت في حلب ونتائجها التي أدت إلى تهجير المدنيين إثر الاتفاق الروسي- التركي دون أي استشارة لإيران أو نظام الأسد, ونمهد لهذا النقاش باستعراض تحليلي موجز للتدخل الإيراني التخريبي في أبعاده المختلفة السياسية والعسكرية والاقتصادية وصلة ذلك بتطور هذا الموقف الإيراني وأسبابه وأهدافه.
ثم نتناول بالتحليل جوانب هذا التدخل الإيراني السافر وآليات التخريب المعتمدة, ونتائجه المحتملة اعتمادا على تطور الأحداث الدائرة وتداعياتها.
مقدمة:
مرت عدة سنوات على التدخل العسكري الإيراني في سوريا بهدف مساندة حليفها الأسد لوأد الثورة السورية, ولم تستطع الميليشيات الإيرانية المتواجدة التقدم على الأرض إلا بعد التدخل المكثف للطيران الروسي الذي اتبع سياسة الأرض المحروقة في إطار الحرب العدوانية ضد المدنيين, بغية تحقيق نصر عسكري يدخل في الحسابات الدولية, لذلك أوقفت روسيا عدوانها عند أول تسوية مع الأتراك تتعلق بوضع حد للصراع في سوريا, في الوقت الذي تعمل فيه إيران على ارتكاب مذبحة كبيرة تطال المدنيين في سوريا بدوافع مذهبية, ليتضح تباين أهداف إيران الإيديولوجية, والمصالح الروسية, التي أصبحت تظهر علنا إثر اتفاق حلب الذي أوقف العدوان وأفضى إلى تهجير المدنيين والمسلحين من المدينة دون علم إيران وحليفها نظام الأسد, وحاولت إيران إفشال الاتفاقية إثر تواطئها مع تنظيم "الدولة" في تدمر, والحملة العدوانية لميليشياتها ضد السكان الآمنين في وادي بردى بريف دمشق, والقصف المدفعي المستمر لقرى وبلدات ريف حلب المحرر, وردا على ذلك استهدف الطيران الحربي الروسي مقرات الحرس الثوري الإيراني وميليشيا "حزب الله" اللبناني في منطقة الراشدين ومحيط مدينة حلب وطريق خناصر- حلب.
لاشك أن ما يجري هو استمرار متصاعد للدور الإيراني التخريبي في سوريا منذ تدخلها السافر لجانب نظام الأسد تحت شعارات أسقطتها ثورة الشعب السوري, لذلك فهي تقف ضد أي حل ينهي الصراع في سوريا, ويبحث في قضية الأسد من حيث استمراره في السلطة أو مستقبل الميليشيات الإيرانية, أو العلاقة الروسية الاستراتيجية مع إسرائيل, وأطماع إيران في الحصول على منفذ بحري في سوريا, وتحول مركز القرار السياسي في سوريا لموسكو, وأضحت إيران عبارة عن طرف منفذ لما تريده روسيا, ومهدت الطريق لذلك بشراء ولاءات ميليشيات الشبيحة وتحويلهم من الحضن الإيراني إلى الحظيرة الروسية عبر إمدادهم بالمال والسلاح, وتمكنت من جذب أذرع عسكرية مختلفة المنابت والأهواء كميليشيا "لواء القدس" الفلسطيني المتمركز في حلب, أو ميليشيا "صقور الصحراء" المنتشرة في مناطق الطائفة العلوية في الساحل السوري. من هنا جاءت ردة الفعل الإيرانية في محاولة تعطيل وقف إطلاق النار وعرقلة أية تسوية سياسية في سوريا.
محاور عرقلة إيران للتسوية السياسية
إن محاور عرقلة إيران للتسوية السياسية المزمعة في سوريا بأبعادها العسكرية والسياسية والاقتصادية, بدأت بالظهور منذ تدخل العسكري الإيراني, وعبرت عن ذلك من خلال مواقفها السياسية المعلنة من مؤتمرات جنيف, ودعمها العسكري اللامحدود لنظام الأسد عبر بنادقها المأجورة وعبر الدعم المادي, وذلك لعدة أسباب بهدف عرقلة أي تسوية سياسية, يقف على رأسها:
البعد السياسي الإيراني في سوريا:
يمكن اعتبار هذه النقطة مركزية في السياسة الإيرانية, إذ أن إيران ترى في بقاء الأسد خطا أحمر لا يمكن تجاوزه على الأقل كما يظهر في البيانات السياسية الإيرانية إعلاميا, وتكبدت خسائر فادحة للحفاظ عليه, ولموقفها من التمسك بالأسد أسباب كثيرة تحمل طابعا مذهبيا إذ تعتبر الأسد العلوي المذهب يناسب توجهاتها المذهبية, بالإضافة إلى الامتيازات التي منحها الأسد لنفوذها في سوريا, ولارتباط وجودها في سورية بشخص الأسد, لذلك تدافع عن بقائه في كل المحافل الدولية, وهذا ما جعلها تقف ضد العملية السياسية التي تبنتها روسيا وتركيا في سوريا, ما أدخلها في صراع بيني مع الروس الذين لا يتمسكون بالأسد ولا يمانعون في رحيله في أول تفاهم دولي مع الولايات المتحدة لحل سياسي للملف السوري, وقد صرحت إيران في أكثر من مناسبة أن موقفها غير متطابق مع روسيا حيال مستقبل الأسد, وتبرز قضية ميليشيا "حزب الله" الشيعي اللبناني وهو ذراع إيران العسكري في المنطقة وبندقيتها المأجورة, زجت به لقتال الشعب السوري في دمشق وريفها وحمص وحلب, وقتل العديد من قادته والآلاف من عناصره, وكانت قد زرعته في جنوب لبنان لابتزاز إسرائيل ودفعها للدخول في مفاوضات معها, وبعد قيام إيران بتحويل الصراع من إسرائيل إلى صراع طائفي (سني- شيعي) في المنطقة أعطت أوامرها لحزب الله بإنهاء ملف الصراع مع إسرائيل, واحتل الحزب مناطق واسعة في منطقة القلمون الغربي وفي محيط العاصمة دمشق ومطارها الدولي بهدف السيطرة الإيرانية على مفاصل الدولة السورية, وهذه نقطة خلاف واسعة بين الإيرانيين والروس، وصرح مسؤولون إيرانيون أن روسيا غير سعيدة بوجود "حزب الله" في سوريا. لذلك فالحل السياسي يقف على رأسه إنهاء وجود الميليشيات الأجنبية في سوريا.
وتتحفظ إيران حول مسألة طبيعة الدولة السورية المقبلة كنتيجة من نتائج الحرب الدائرة, فإيران تعمل على استعادة نظام الأسد لكامل الأرض السورية, فهي لا تقبل بقيام أي كانتون كردي أو إدارة ذاتية في سوريا، ليس تمسكا بوحدة الأرض السورية إنما كي لا يطالب أكراد إيران المحذوفين من القاموس السياسي الإيراني, وهم أضعاف أكراد سوريا، بمطالب سياسية مشابهة لأقرانهم في كل من العراق وسوريا, إضافة إلى أن استعادة الأسد لنفوذه في سوريا يعني الهيمنة الإيرانية على حدود دولة الأسد, وقد صرح رأس النظام الإيراني حسن روحاني أن التنسيق مع روسيا لا يعني أن طهران توافق على كل خطوة تقوم بها موسكو في سوريا, وتصر روسيا على إمكانية إنشاء جمهورية فيدرالية وتدرك أن اهتمامات إيران تندرج للتوسع في المنطقة ولا تتعدى منافستها لتركيا وإسرائيل والسعودية. وتعلم أن إيران تدور في فلك السياسة الأميركية وخاصة في التعاون على مدى عقود في أفغانستان والعراق واليمن والبحرين ولبنان وفلسطين وسوريا, وموقف أميركا المتواطئ مع إيران في ملفها النووي, وما الشتائم الإعلامية الإيرانية ضد أميركا إلا وسيلة للاستهلاك الإعلامي المحلي, بينما الموقف الرسمي الإيراني يتجلى في خدمة الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
البعد العسكري الإيراني في سوريا:
تجلى البعد العسكري الإيراني في سوريا بمظاهر استقطاب متعددة لبنادق الميليشيات الطائفية المأجورة التي استقدمتها من لبنان والعراق وأفغانستان وغيرها مما أدى إلى تعاظم النفوذ الإيراني في سوريا وسيطرتها على قرار نظام الأسد من خلال انتشار تلك الميليشيات في غالبية المناطق السورية وقتالها ضد الشعب السوري تحت شعارات مذهبية, وارتكابها مجازر وحشية فاقت المجازر الصهيونية والنازية في قتل الأغيار, فاستولت على منطقة القصير بريف حمص الغربي وعلى غالبية الشريط الحدودي اللبناني السوري وعلى محيط العاصمة دمشق, وشاركت كذلك في معارك حلب وريفها, وحاولت شراء ذمم ميليشيات الشبيحة, بهدف إضعاف "الجيش العربي السوري", لتكون يدها العسكرية الباطشة هي العليا في سوريا, وفي بادئ الأمر وصف المرشد الأعلى علي خامنئي، ذهاب الإيرانيين للقتال في سوريا بالهجرة والجهاد، كذلك وصفها بالدفاع عن أهل البيت، وقال إن باب الشهادة قد فتح من جديد، ثم اختصر كافة هذه المسميات أخيرا بالحرب على الكفر.
وبعد التدخل الروسي راحت موسكو تستميل ميليشيا الدفاع الوطني وتفاخرت الصفحات الموالية لميليشيا الشبيحة بوضع العلم الروسي على الآليات العسكرية الخاصة بها من قبل الضباط الروس, الأمر الذي يؤكد تصنيفها على أنها ميليشيا مرتزقة تقاتل مع أي طرف يملك السلاح والمال, والهدف من ذلك جني الأموال على حساب الدم السوري.
أما هدف الروس هو شراء ولاء هذه الميليشيات وجعلها تأتمر بأمر القاعدة العسكرية الروسية في حميميم.
حيث ذكر الخبير في الشأن الإيراني الصحفي أيمن مصطفى محمد: "أن سياسة التكريم والأوسمة التي تمتهنها موسكو حول الميليشيات المحسوبة على الأسد والمدعومة إيرانيا هدفها الحقيقي هو شراء ولاء هذه الميليشيات وجعلها تأتمر بأمر القاعدة العسكرية الروسية في حميميم خاصة بعد نجاح موسكو في شراء ولاء العديد من ميليشيات الدفاع الوطني", لذلك صعدت إيران عسكريا عبر ميليشياتها لإفشال التسوية التي تدعو لها روسيا من خلال إيعازها لميليشياتها في وادي بردى, وفي ريف حلب الجنوبي للتحرك العسكري بهدف تعطيل وقف إطلاق النار وذلك بجر فصائل الثورة المسلحة إلى قتالها وبالتالي توقف العملية السياسية.
ولما حاولت الخروج على الأوامر الروسية, قام الطيران الروسي باستهداف تجمعات المقاتلين الإيرانيين على الأرض مما تسبب في مقتل ضباط برتب عالية, وقد قصف الطيران أكثر من مرة حاجز ملوك بالقرب من حمص, وطريق خناصر وآخر شمال حلب. وازدادت وتيرة القصف الروسي باستهداف مقرات الحرس الثوري الإيراني وميليشيا "حزب الله" اللبناني في قريتي نبل والزهراء, واعترفت روسيا بذلك وبررت ذلك الاستهداف بأنه حصل نتيجة الخطأ, وقامت باستهداف "حركة النجباء" العراقية الشيعية المتمركزة في جبل عزان جنوب حلب, كما استهدفت حاجزا لتلك الميليشيات على طريق خناصر حلب, مما يشير إلى عمق الخلافات وتصفية الحسابات للاستئثار بسوريا.
كما أن الاتفاق الروسي - التركي يقضي بأن يكون الحل السياسي في سوريا يخص السوريين وحدهم بمعنى إبعاد أي دور لإيران في سوريا المستقبل. وهذا ما يجعل إيران تتصرف برعونة وغباء سياسي.
خلاصة:
تعتبر إيران الطرف الخاسر في الحرب السورية, فقد استعدت عليها العالم السني برمته نتيجة الحرب الطائفية التي تشنها على الشعب السوري الثائر ضد نظام الأسد, ومع تعاظم نفوذها على قرار نظام الأسد, فقد دفعت مقابل ذلك الآلاف من القتلى ومثلهم من الجرحى عدا عن أموالها المجمدة التي حصلت عليها نتيجة الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة, ودفعتها لتمويل الحرب في كل من سوريا والعراق واليمن, وبذلك فإن إيران دولة هشة ذات بناء عمودي بينما تشكل أفقيا حالة من الفراغ وعندما تتوقف الحرب تنهار تلقائيا, وهذا ما تدركه واشنطن وموسكو في تعاطيهما مع دولة الملالي التي ستكون الثورة السورية نهاية لاستطالتها وعدوانها المستمر على الشعب العربي.