ذا ناشيونال انترست – (ترجمة بلدي نيوز)
يمضي دونالد ترامب وقته حالياً بتجميع حكومته وفريقه للأمن القومي، ولكن العالم لا يتوقف لأجله، في الواقع العالم لا يتوقف لأجل أي شخص على الإطلاق.
وذلك بصفة خاصة بالنسبة للشعب السوري، الذي رُوِّعَ وجُوِّعَ وحوصِرَ من قبل حكومته الديكتاتورية على مدى السنوات الست الماضية، بشار الأسد هو رجل شرير وماكر، ولكنه ليس غبياً، إنه يستغل الواقع السياسي الحالي في الولايات المتحدة، ويدرك أن أصحاب السلطة في واشنطن مشتّتين جداً في الوقت الحالي لفعل أي شيء مهم بشأن سوريا، وفي غضون شهرين عندما تقوم إدارة بتسليم مقاليد السلطة لإدارة لأخرى، إذ أنه ليس الوقت الأفضل لتشديد القبضة وتغيير سياستها.
فبعد إيقاف الغارات الجوية على شرق حلب لمدة شهر تقريباً، عادت القوات الجوية للنظام السوري إليها بانتقام دموي، بمئات الغارات الجوية التي تضرب الأحياء الشرقية من حلب في يوم واحد، وهو المعدل الذي يترجم تقريباً إلى عدة ضربات في كل ساعة، وقتل على الأقل أربعمئة مدني منذ استئناف جريمة نظام الأسد، وبعد أن دعت موسكو لكسرها لوقف النشاط الجوي على المدينة.
كما استهدف نظام الأسد المستشفيات العاملة القليلة الباقية، دون شك باعتبارها وسيلة لمواصلة فرض ضغوط على قوات الثوار الثمانية آلاف المتواجدة هناك وإقناع سكان حلب الشرقية الـ 250،000 إما بالاستسلام لسلطة النظام أو الموت، وقد أفادت منظمة أطباء بلا حدود بأن المستشفيات والمرافق الطبية تم استهدافها في ثلاثين حالة منفصلة منذ بدء هجوم النظام، في حين يواصل بشار الأسد بجميع النوايا والمقاصد البصق في وجه كامل منظومة الأمم المتحدة، كما فعل طوال فترة الحرب.
إن هناك نقاش مهم يجري في واشنطن الآن حول ما إذا كان من الحكمة اتخاذ إجراءات أي بالنسبة للولايات المتحدة للتدخل في عمق الصراع، وبالتأكيد يمكننا أن نتفق جميعا على أن العدالة الانتقالية والمساءلة عن أبشع الجرائم في العالم هي عنصر أساسي في أي قرار مستقبلي بشأن الحرب في سوريا.
وقد قامت الولايات المتحدة بقفزة عملاقة إلى الأمام في وقت سابق من هذا الشهر بشأن المُحاكمة الدولية المحتملة لجرائم الحرب ضد مسؤولين عسكريين واستخباراتيين سوريين، ولأول مرة قامت سفيرة الولايات المتحدة للأمم المتحدة -سامانثا باور، بالنشر على الملأ أسماء ستة من القادة العسكريين السوريين الذين إما قادوا أو قاموا بشكل مباشر بقصف المدارس وتدمير المستشفيات، واستخدام أسلحة كيميائية ضد المدنيين وتعذيبهم وسجنهم وإعدامهم، وفرض الحصار والمجاعة على أحياء مدنيّة بأكملها.
وبالاعتراف بأن هؤلاء القادة لن يُحالوا إلى المحكمة للإجابة على جرائمهم في أي وقت قرب، ذكّرت باور مجلس الأمن بأن تشارلز تايلور وسلوبودان ميلوسيفيتش شعروا بذات الأمر، ويجدر النظر لما حدث لهما.
إن باور محقّة، فبفضل روسيا كونها قوة الحماية لبشار الأسد ونظامه، ليس هناك أي فرصة على الإطلاق لمجلس الأمن لإحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية لإجراء تحقيق كامل، في الواقع حاولت فرنسا بالفعل ذلك المسار في عام 2014، بعد أن قدمت مشروع قرار يجيز للمحكمة الجنائية الدولية البدء بالتنفيذ بناء على أدلة النيابة العامة (فشل هذا الجهد، وذلك بسبب الفيتو المشترك لروسيا والصين) إن إنشاء محكمة خاصة على غرار المحاكم الدولية لرواندا ويوغوسلافيا وسيراليون تتطلب أيضاً اتخاذ إجراءات من قبل مجلس الأمن، والذي بات منقسماً كما لم يكن في أي وقت مضى منذ الحرب الباردة.
ولكن لمجرد رفض موسكو وبكين المضي قدماً في الوقت الحاضر لا يعني أن المدافعين عن العدالة الدولية، بمساعدة الولايات المتحدة لا يمكنهم الحصول على شعرة معاوية، من خلال الحصول على الأدلة وأخذ شهادات من الضحايا لاستخدامها في المحاكمات مستقبلية، إن هناك كم هائل من الأدلة التي تم جمعها بالفعل من قبل لجنة مستقلة للعدالة الدولية والمساءلة، والكم الأكبر كان للعسكري السوري المنشق عن النظام "القيصر" حيث هناك مئات الآلاف من الصور الشنيعة التي تظهر المعتقلين الذين تم إعدامهم في مراكز احتجاز نظام الأسد، ولكن المزيد من المعلومات التي يتم العثور عليها والمزيد من شهادات الضحايا والشهود، ستجعل من محامي حقوق الإنسان قادرين باحتمال أكبر على دفع النيابة نحو حكم راسخ ضد الأسد وجنرالاته للتأكد من إبقائهم لأمد طويل في لاهاي.
وحالما عاد أعضاء مجلس النواب الى واشنطن من حملاتهم، أقروا قانون قيصر السوري لحماية المدنيين عن طريق التصويت، وتم دعم هذا التشريع في مجلس النواب من قبل الحزبين بحيث أن رعاة مشروع القانون اختاروا تعليق القواعد العادية، وهم يعلمون تمام العلم بأنه سيمر بسهولة، بين أحكام أخرى فإن مشروع القانون يخوّل وزارة الخارجية "لتقديم المساعدة لدعم الكيانات التي تقوم بإجراء التحقيقات الجنائية" لإمكانية محاكمة مرتكبي جرائم الحرب في المستقبل، وقبل أن يغادر الكونغرس في مطلع الشهر المقبل، يجب على مجلس الشيوخ أن يقوم بإرسال القانون الموقع من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي لمكتب الرئيس أوباما، وعلى الرئيس أن يوقعه بسرعة ليصبح قانوناً سارياً.
إن سوريا الآن في حالة من الفوضى المعقدة، حيث تفاقمت الحرب هناك من قبل نظام دولي وداعميه ووكلاء يكرهون بعضهم البعض لتصبح حرب مصالح، في حين أن كشف وتوثيق وحفظ الأدلة الهائلة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي قام بها النظام السوري بشكل متعمّد، هو الأمر الوحيد الذي لا يحتاج لأي نقاش طويل.
-دانيال دي بيتريس: محلل في Wikistrat الشركة الاستشارية الجيواستراتيجية، وباحث مستقل يكتب أيضاً في السي إن إن، ومجلة Small Wars والديبلومات.