وضع الأمور في نصابها الصحيح حول مفاهيم ترامب الخاطئة بشأن سوريا - It's Over 9000!

وضع الأمور في نصابها الصحيح حول مفاهيم ترامب الخاطئة بشأن سوريا

ميدل ايست اي –(ترجمة بلدي نيوز)
أدّى الافتقار إلى وجود تصريحات سياسية خارجية واضحة خلال حملة ترامب الانتخابية ولغته الغامضة، بل والمتناقضة أحياناً، بشأن سوريا إلى حالة من عدم اليقين الواسع حول كيفية تعامله مع الحرب في سوريا، الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة، أي التصريحات كانت خطابية صرفة؟ وأي منها قد كان حقاً يعنيها؟ والأهم من ذلك، أي الأفكار -بعد وضع الصيغة النهائية لحكومته وقراءة التقارير الاستخباراتية- سيقوم في الواقع بتنفيذها؟
إن مجرّد محاولة التنبؤ بسياساته المستقبلية تجاه سوريا ستكون بمثابة مطاردة إوزّة برّية، ومع ذلك فإن تصريحاته كشفت أن ترامب يملك مفاهيم خاطئة كبرى حول ما يجري في سوريا، ونظراً لاحتمال حدوث عواقب وخيمة للتصرف بناء على هذه المغالطات، فمن المهم وضع الأمور في نصابها الصحيح.

-الاعتقاد الأول الخاطئ: الأسد يقاتل تنظيم الدولة:
يرتبط سوء فهم ترامب الأبرز بتنظيم الدولة والقوات التي تقوم بمكافحته على الأرض، إذ أنه يرى بأن روسيا وإيران والأسد هم حلفاء في مكافحة التنظيم، وردّاً على سؤال طرح عليه خلال المناظرة الرئاسية الثانية بشأن موقفه من سوريا، قال ترامب: "أنا لا أحب الأسد على الإطلاق، ولكن الأسد يقاتل تنظيم الدولة، روسيا كذلك، وإيران أيضاً تقوم بمكافحة ذلك التنظيم".
إن النظام السوري، وعلى الرغم من معارضته الخطابية لتنظيم الدولة، فقد صب جل تركيزه على العقاب الجماعي المدنيين وضرب جماعات المعارضة السورية المعتدلة، والتي كانت أغلبها تدعم من قبل الولايات المتحدة، "سواء أكان دونالد ترامب يعلم حينها أو أنه بات يعلم الآن أو لا، فإن روسيا والأسد تركزان قوة نيرانهم ليس على تنظيم الدولة ولكن على المدنيين السوريين" كذلك كتب فريدريك هوف، مدير مركز رفيق الحريري للمجلس الأطلسي في منطقة الشرق الأوسط، فلفترة طويلة قام نظام الأسد وتنظيم الدولة بتجنّب قتال بعضهم البعض، باستخدام منطق عدو عدوي هو صديقي، فقد احتلّ التنظيم بشكل رئيسي المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام مما أضعف من جماعات المعارضة السورية الحقيقية، كما أن تواجد التنظيم قد عزز أيضاً من رواية النظام بأن ما يحدث في سوريا هو حرب بين النظام العلماني والجماعات الإرهابية، وفي المقابل فقد كان النظام السوري يتجنب دوما استهداف التنظيم، والذي كان يساعده في القضاء على خصومه الحقيقيين.
"لقد قتل تنظيم الدولة من المعارضة السورية أكثر بكثير ممّا قتل النظام، في حين أن الأسد قام بقتل السوريين أكثر بكثير مما قام بفعله ضد التنظيم" كذلك كتبت مجموعة الرقة تذبح بصمت الناشطة في تغريدة لها رداً على تصريحات ترامب.
وبالمثل، في حين تؤكد روسيا بأنها تقاتل متطرفي التنظيمات الإرهابية في سوريا، فإن الغالبية العظمى من غاراتها الجوية كانت تستهدف جماعات المعارضة الحقيقية التي تهدد وجود النظام السوري.
إن الفظائع التي ارتكبها النظام السوري وحلفاؤه، والتي فاقت بكثير بمحصّلتها تلك التي ارتكبها تنظيم الدولة والجماعات الجهادية الأخرى، قد سمحت للتنظيم الإرهابي بالازدهار في المقام الأول، إن مفهوم ترامب الخاطئ والذي يتجاهل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي قامت بتعزيز نهوض التنظيم الإرهابي، يعني أن من غير المرجح هزيمة التنظيم دون التعرض لخطر خلق وحش أقوى في ذلك المكان.

-الاعتقاد الخاطئ الثاني: إن الولايات المتحدة لا تعرف ماهيّة تلك المعارضة التي تقوم بتسليحها ويجب عليها أن تتوقف عن ذلك:
كان ترامب قد صرّح في مقابلة له في يوم 11 من نوفمبر/تشرين الأول مع صحيفة وول ستريت جورنال بأنه من المرجح أن يقوم بالتخلي عن جهود الولايات المتحدة لدعم جماعات المعارضة المعتدلة في سوريا التي تقوم بقتال نظام الأسد، حيث قال: "لقد كانت وجهة نظري مغايرة لكثير من الناس بشأن سوريا، فإن موقفي هو أننا نقوم الآن بقتال النظام السوري، في حين أن النظام السوري يقوم بمكافحة تنظيم الدولة، وإن علينا التخلص من تنظيم الدولة، إننا نقوم الآن بدعم المعارضة ضد النظام، وليس لدينا فكرة حول ماهية أولئك الناس"، وفي الماضي اقترح ترامب أيضاً بأن هزيمة الأسد قد تؤدي في الواقع إلى ما هو أسوأ في أعقابها، على افتراض أنها ستسفر عن حرب مع روسيا.
وفي الواقع فإن أغلب الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للمجموعات المعارضة التي تقاتل النظام السوري تديره وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، في حين أن جهود الولايات المتحدة الثانية تتمثل بدعمها لقوى سوريا الديمقراطية (قسد) وهو التحالف الكردي الذي تديره وزارة الدفاع الأمريكية.
إن البرنامج السري لوكالة المخابرات المركزية يعتبر إلى حد بعيد أكبر قناة دعم للمعارضة السورية والتي تقوم بتوفير صواريخ مضادة للدبابات للمعارضة التي تقاتل نظام الأسد، والتي من المحتمل أن يقوم ترامب بتقليصها أو حتى بالتخلي عنها.

-الدفع إلى أقصى الحدود:
وعلى الرغم من أن دعم الولايات المتحدة لجماعات المعارضة السورية هو دعم محدود، ولكنه لا يزال يعتبر أحد المصادر الرئيسية للأسلحة والمعدات اللازمة لبعض الجماعات، وخلافاً لمفهوم ترامب الخاطئ كلياً، فإن جميع جماعات المعارضة المدعومة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تدخل في عملية تدقيق طويلة ومُستفيضة، مما يسمح لوكالة الاستخبارات المركزية بمعرفة كل شيء ليس فقط عن ماهية هؤلاء الأفراد بل وحتى أيضاً عن أفراد أسرهم كذلك.
وللاستمرار في تلقّي الإمدادات، ينبغي أيضاً على جماعات المعارضة المدققة تسجيل استخدامهم التفصيلي لتلك الأسلحة لإثبات أنهم لم يقوموا ببيعها أو مشاركتها مع جماعات المعارضة غير المدققة، وكانت هذه المجموعات هي التي قاتلت تنظيم الدولة في عام 2014 دافعة إياه للخروج من معظم محافظات حلب وإدلب، بعض هذه الجماعات هي أيضاً جزء من الحملة التي تقودها تركيا الآن في سوريا -درع الفرات، والتي تقاتل بفعالية تنظيم الدولة الإرهابي في الشمال السوري.
وعندما تضاءل دعم الولايات المتحدة لمجموعات المعارضة السورية تلك، قام الأمر بإضعاف العديد من تلك الجماعات، الأمر الذي دفع بعضاً من أعضائها إلى الانشقاق والانضمام إلى الجماعات المتطرفة والمموّلة بشكل أفضل نسبياً، كما قام ذلك الأمر أيضاً بدفع أغلب جماعات المعارضة للتحالف مع الجماعات المتطرفة المدربة والمجهزة بشكل أفضل في محاربة نظام الأسد مثل جبهة فتح الشام، التابعة لتنظيم القاعدة والتي كانت تسمى سابقاً بجبهة النصرة.
إن إنهاء دعم هذه المجموعات لن يسفر فقط عن تعزيز قوة الأسد، ولكن أيضاً عن تعزيز قدرات الجماعات المتطرفة داخل سوريا، في حين أن الجماعات المتطرفة ستكون قادرة على الترويج لنفسها باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على وقف فظائع الأسد، بينما سيصبح الخوف أداتهم الأفضل للتجنيد.

-انتهاكات (قسد) الكردية:
إن التركيز على هزيمة تنظيم الدولة، من خلال تقديم المزيد من الدعم لقوات (قسد) الكردية سيزيد من تعقيد الصراع السوري، كما سيؤدي إلى وقوع اشتباكات ثانوية، فقد واصلت الولايات المتحدة دعمها ل (قسد) على الرغم من زيادة التقارير التي تشير إليها بأصابع الاتهام لارتكابها مجموعة انتهاكات ضد المجتمعات العربية.
إن مثل هذه الانتهاكات والممارسات زادت من حدة التوترات ما بين الأكراد والعرب، كما أدت إلى انعدام الثقة في تحالف (قسد) الكردي، كما أثار أيضاً قلق تركيا والتي تعتبر المكون الكردي في (قسد) تهديداً أمنياً كبيراً لها، لأنه يعود لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنّف بكونه إرهابياً، لتقم بالتعاون مع جماعات المعارضة المعتدلة لتتدخّل عسكرياً في سوريا للحفاظ على القوة المتنامية للأكراد في المنطقة تحت السيطرة، وقد تجلّت بوضوح هذه التوترات والتنافس على الأرض في المواجهات العسكرية ما بين الجماعات التي تقودها تركيا، و (قسد) في الشمال السوري.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن خسائر تنظيم الدولة أمام (قسد) الكردية، والممارسات التي يقوم بها (قسد) لا تُرَى من قبل السكان المحليين في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة بكونها ودّية، مما سيسمح للجماعة الإرهابية بالاستفادة من تلك الهزائم، واستخدام الخوف كأداة تجنيد لصالحهم.

-التسليح كورقة ضغط:
إن إنهاء دعم جماعات المعارضة السورية، سيعود أيضاً بعواقب سياسية كبيرة، إذ أن نظام الأسد لن يرى أي وجوب للمشاركة الفعالة في أي تسوية سياسية لتقاسم السلطة وإنهاء الصراع في البلاد، إذ تعهّد بشار الأسد متحدثاً إلى التلفزيون الدنماركي في الشهر الماضي باستعادة كامل سوريا، ومضيفاً بأنه يفضل القيام بذلك الأمر مستخدماً الصفقات والعفو المحلي، والتي من شأنها أن تسمح للمعارضة بالمغادرة إلى مناطق أخرى، وبالتالي فإن إنهاء دعم جماعات المعارضة السورية، في ظل غياب أي حل سياسي مقبول على نطاق واسع، سيطيلُ من أمد الصراع، كما سيزيد من أعداد النازحين داخلياً وخارجياً، الأمر الذي سيحوّل سوريا إلى دولة فاشلة بشكل دائم.
إن معظم مفاهيم ترامب الخاطئة كلياً بشأن سوريا، توجّه تركيزه نحو أعراض الصراع في البلاد بدلاً من أسبابه الجذرية، وعوضاً عن التخمين حول ما ستكون عليه سياساته في المستقبل، فإن من المهم جداً تصحيح آرائه المضللة قبل فوات الأوان.

-حايد حايد: كاتب وباحث سوري وزميل مشارك في تشاتام هاوس البحثية، يركّز على سياسات الأمن، وحلّ النّزاعات والملف الكردي والحركات الإسلامية.

مقالات ذات صلة

سياسي أمريكي يكشف عن قرار ترامب بشأن الانسحاب من سوريا

دير الزور.. مجموعة عشائرية تهاجم موقعا لميليشيات إيران في البوكمال

الاتحاد الأوربي يقدم خمسة ملايين يورو دعما للوافدين من لبنان إلى سوريا

النظام يبيع اهالي السويداء وعودا بتأمين الماء والكهرباء

إحصائية جديدة بعدد العائدين السوريين من لبنان

لأهداف أمنية.. وفد روسي يزور مدينة داريا بريف دمشق