بلدي نيوز – (نور مارتيني)
بعد قرابة مائة عام على وعد "بلفور" الذي هجر بموجبه الفلسطينيون من بلادهم، برعاية من المجتمع الدولي، الذي ساند هذه الخطوة، وبدأ عملية "الترانسفير" ليهود العالم إلى فلسطين، التي أصبحت فيما بعد مقسمة إلى عدة كانتونات، هي "الضفة الغربية" و"غزة" والقسم الأخير الذي أطلق عليه اسم "إسرائيل" .
عملياً لم تعد فلسطين موجودة بشكل فعلي على الخريطة منذ أن أقر مشروع التقسيم عام 1947، حيث قسمت إلى دولة عربية، تتضمن الضفة الغربية، وعكا، وصولاً إلى "رفح" وهي التي فصلت لاحقاً إلى كانتونين هما "قطاع غزة" و"الضفة الغربية"، ودولة يهودية عاصمتها "تل أبيب"، وأخيراً القدس وما حولها تحت وصاية دولية، غير أنها فعلياً منحت إسرائيل تفويضاً لفرض السيطرة عليها، من خلال قرارات الفيتو التي كانت تواجه أي قرار يدين إسرائيل، ويطالبها بالعودة إلى حدود ما قبل عام 1967، وبينها القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل يومها.
يبدو أن سوريا اليوم ينتظرها المصير ذاته أو شيء مشابه، خاصة مع تكرّر المشهد ذاته، من خلال الفيتو الروسي المتكرّر، فالملامح التي جرى الحديث عنها في التسريبات، حول تقسيم سوريا إلى دولة في الجنوب يتبع قرارها للأردن، وأخرى في الساحل تحت سيطرة روسيا، وثالثة في الشمال وهو ما سيحدّد مساره عملية "درع الفرات"، وطبعاً هذه المنطقة تتبع لتركيا، ورابعة كردية يتحكم الاتحاد الديموقراطي الكردي بمفاصلها، أما إدلب والرقة فقد أكد المجتمع الدولي عزمه على إنهاء "داعش" وفتح الشام" فيهما، ما يعني قرار تحويلهما |إلى ما يشبه غزة في فلسطين، والتي جمعت فيها الفصائل الفلسطينية التي توصف بالمتطرفة.
البعض بدأ يطرح تساؤلات حول مصير محافظة إدلب، خاصة وأن كل عمليات التهجير بحق فصائل المعارضة المسلحة، والتي تتم فيها المصالحات، تتم إليها، وكأنها الراعي الوحيد والحصري لخطوط سير الباصات الخضراء التي ترسلها الأمم المتحدة لنقل المقاتلين وأسرهم. ما يعطي انطباعاً بأنها تسير على خطى قطاع غزة من حيث تحويلها إلى منطقة معزولة تماماً.
حول هذه التصورات يقول الباحث السياسي "كريم عنكير" موضحاً وجهة نظره حيال ما يجري من تهجير للمقاتلين إلى إدلب: "ما لا شك فيه أن ما يحدث في سورية من تغييرات تاريخية وجغرافية وديمغرافية اعتبارا من تاريخ 15 آذار 2011 هي تغييرات مهمة، لا يمكن التنبؤ بمساراتها واتجاهاتها، إلا أنها لن تعود إلى ما كانت عليه قبل هذا التاريخ"، ويلفت "عنكير" إلى أن "التغيير الأهم هو الذي يشهده هذا العام لجهة ترحيل وتهجير فئات محددة ومن مناطق محددة في اتجاه واحد هو إدلب في شمال سوريا، الأمر الذي بات محط سخرية وبؤس وتشاؤم عند السوريين، من ناحية وسائل المواصلات (الباصات الخضراء) أو الرعاية الأممية لهذه العملية، أو كما تسمى (الأمم المتحدة للتهجير)، وهو الأمر الذي يدق ناقوس الخطر رغم حملات النزوح والتهجير السابقة''.
ويؤكد الباحث "عنكير" أن "الخطورة في هذه الخطوة تكمن في تجميع أعداد كبيرة من السوريين (السنة) في منطقة جغرافية باتت ترتسم حدودها ومعابرها المحاذية لتركيا، ونظام الأسد، وتنظيم (الدولة) وهي منطقة تشهد كثافة سكانية عالية وظروفاً معيشية صعبة وتصعيداً للعدوان الروسي وضربات النظام السوري بذريعة محاربة الإرهاب".
ويلفت الباحث السياسي "كريم عنكير" إلى أنه "بتفصيل أكثر ودون ذكر أرقام، فإن تهجير أهالي داريا وقدسيا والهامة، ومن قبلها الوعر ومن بعدها ربما دوما أو مضايا، يحمل في مضامينه أبعاداً تقسيمية وظهور كانتونات وأقاليم ذات غالبية دينية أو عرقية معينة"، ويشدّد على أن "أوجه الشبه مع قطاع غزة موجودة إلى حد كبير وبكل أسف وبضوء أخضر دولي ربما".
إن خطة تجميع المقاتلين وأسرهم في محافظة إدلب، لا تختلف كثيراً عن خطط الترانسفير التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، على مرأى من الأمم المتحدة ومسمع، بل وبدعم منها، غير أن ما تقوم به الأمم المتحدة هو أنها تلعب دور الوسيط في عمليات الترانسفير هذه، كما أنه من الواضح أن مصيراً كمصير غزة ينتظر إدلب، ولعل "باب الهوى" لن يكون أفضل حالاً من "معبر رفح" والمؤشرات كثيرة..