بلدي نيوز – (نور مارتيني)
اعتادت الدول الكبرى في مرحلة الاستعمار التقليدي أن تترك بؤر توتر في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، هذه البؤر هي الحل الأمثل لإبقاء موطئ قدم لها في تلك المناطق، كي تبقى هنالك ملفات عالقة يمكن استثمارها للتلاعب بمصير هذه الدول.
في منتصف القرن المنصرم، ومع ظهور الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت هذه الدول، والتي هي للمفارقة الكبرى، تمثل الدول دائمة العضوية في الأمم المتحدة، بتغيير شكل الاستعمار، والاستغناء عن الاستعمار التقليدي، لصالح أشكال مبتكرة تعتمد البعد الاجتماعي والاقتصادي، لفرض هيمنتها، وتحييد الجيوش والأساطيل.
غير أن تداعي الاتحاد السوفياتي وانفراط عقده، في العقد الأخير من القرن العشرين، سيما وأن الأخير هو من فرض مفهوم الحرب الباردة، لما كان يمثله من قوة عسكرية لها وزنها، أحيا لدى هذه الدول الأمل في استعادة الشكل التقليدي للاستعمار، وكانت البداية من العراق، حيث استقدمت كل من أمريكا وبريطانيا قوات منها نشرتها في العراق.
المصير ذاته، من تقسيم ومصادرة للثروات وتطييف تواجهه سوريا اليوم، مع الحديث عن عملية "فدرلة"، ولكن فيما يبدو فإن منطقة "منبج" بريف حلب ستكون هي بؤرة التوتر المتنازع عليها بين القوى الفاعلة في الملف السوري، كي تكون مكسراً للعصا، والذي سيكون بيد المنتصر، إلى أن تنقلب الموازين.
بعد حفاظ قوات "درع الفرات" على النقاط التي توصّلت إليها، وتوقفها عن التقدّم باتجاه "منبج" وما حولها، رشحت عدة تسريبات حول تقدم محتمل لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، انطلاقاً من منبج، وبالتعاون مع النظام وروسيا، للتقدّم باتجاه "عفرين" ومنها إلى حلب الشرقية، خاصة مع الحديث عن تواجد قوات برية روسية متمركزة في مطار كويرس.
بالمقابل، عمدت "قوات سوريا الديمقراطية" إلى تهجير العرب، من خلال سياسة "التكريد" والتجنيد الإجباري، وقطع وسائل الاتصال عنهم، في محاولة لعزل المنطقة عن محيطها العربي، وتترافق مع تصريحات مسؤولين أكراد تؤكّد على عدم رغبتهم بمغادرة منبج .
في خضم كل هذه التطورات يأتي التقارب الروسي- التركي، وزيارة بوتين لتركيا اليوم، ليثير تساؤلات عدة حول إمكانية فرض منطقة عازلة، من خلال التفاهمات الجديدة بين البلدين، الذين كانا حتى فترة قريبة على أعلى درجات الخلاف، ولكن دور روسيا في إحباط المحاولة الانقلابية ضد الرئيس التركي "أردوغان"، أسهم في إذابة الصقيع، الأمر الذي انعكس على الملف السوري، ووجهة النظر الموحدة حول الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وهو ما يعتبر أقرب لوجهة نظر النظام السوري، ومتنافياً جملة وتفصيلاً مع المشروع الأمريكي الذي يرمي إلى إقامة دولة كردية تعد امتداداً لكردستان العراق.
حول مستقبل "منبج" في ظل المستجدات الإقليمية والدولية، أفاد النقيب "أبو الحزم" قائد اللواء الأول في غرفة عمليات "درع الفرات"، في ريف حلب الشرقي، والذي تحفظ على ذكر اسمه الصريح لأسباب أمنية، أن "العمل العسكري جارٍ على تحرير مدينة الباب، ومن ثم نتجه شرقاً إلى مدينة منبج ."وذكر "أبو الحزم" أن "هدفنا من تحرير مدينة منبج أمر لابد منه، منذ أن اتخذنا قرارنا بتحرير مناطقنا العربية من تنظيم (داعش)، وكل من يريد أن يعمل على تجزئة وطننا سوريا الموحدة بكل أطيافها وأعراقها".
ولفت النقيب في غرفة عمليات "درع الفرات" إلى أنهم لا يقبلون "بأي انفصال يجر بلدنا إلى الويلات ويحكمنا تحت أي مسمى كان، سوى الوحدة للأرض والشعب". كما أكّد النقيب "أبو الحزم" أن "العناصر العربية المتواجدة داخل قوات (قسد) هم من أبناء المدينة، ولهم مالنا، وعليهم ما علينا، إن لم يرفعوا السلاح بوجهنا في حال دخلنا المدينة، أما خلاف ذلك ستكون عواقبه سيئة على الطرفين".
في سياق منفصل، يقول"مصطفى أبو عمر" الناطق الرسمي لـ"مجلس أمناء الثورة" في مدينة "منبج" حول طموح "قسد" في فرض سيطرتها على المدينة: "نحن الثوار نعرف مدى علاقة قوات (قسد) المتمثلة في جناحه العسكري الـ BYD بالنظام السوري، لذلك لا يمكن أن نقبل به أو بمن يدعمه سياسياً أو عسكرياً، وإننا ماضون في تحرير مناطقنا من الإرهابيين والانفصاليين، ولن نتوانى عن خدمة بلدنا وشعبنا ضدّ أي احتلال يريد زعزعة الاستقرار والأمن لسلامة الوطن والشعب، حتى تحرير آخر شبر من تراب سوريا الحبيبة، واستئصال كل أشكال الإجرام والإرهاب، وعلى رأسهم النظام السوري المجرم المتمثل بالأسد وعصابته".
يبقى السؤال المطروح هو: هل سيثمر التقارب الروسي- التركي عن فرض منطقة عازلة في الشمال السوري، أم أنها مجّرد محاصصات وتقاسم للغنائم، واللغز الأكبر هو: من نصيب من ستكون منطقة منبج، جائزة الترضية التي يتنافس الأتراك والأمريكان على الفوز بها؟!.