بلدي نيوز - ( فراس عز الدين)
شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية، فجر اليوم الأحد 13 أغسطس/آب، غارات جويّة، واستهدفت مواقع قوات النظام والميليشيات الإيرانية في منطقة "الصبورة" ومشروع دمر وضاحية قدسيا في محيط العاصمة دمشق.
ورغم الغموض الذي أحاط هذه الغارات اﻹسرائيلية، والتكتم من طرف اﻹعلام الموالي، بشقيه الرسمي والرديف، إﻻ أنّ هناك قراءة جديدة للرسائل التي مررتها "تل أبيب" عبر اﻷراضي السورية إلى النظام اﻹيراني.
رسائل بالنار
الملاحظ خلال اﻵونة اﻷخيرة، أن الضربات الجويّة اﻹسرائيلية، ازدادت بشكل ملحوظ على مواقع تابعة لمجموعات وميليشيات موالية لطهران في دمشق ومحيطها.
ما يعني أن "إسرائيل" توجه "خطابا ساخنا" للنظام اﻹيراني، تؤكد فيه عزمها اﻻستمرار في منع التموضع العسكري لـ"إيران" في اﻷراضي السورية، ويعتقد محللون أنّ الرسائل واضحة، فإسرائيل ﻻ ترغب مؤقتا بنقل الحرب إلى اﻷراضي اﻹيرانية، لكنها بالمقابل عازمة على مواصلة استهداف أي وجود عسكري لها وأذرعها في سوريا.
وتؤكد "تل أبيب" أن النظام اﻹيراني، وميليشياته الموالية، يشكلون "العدو اللدود"، وبالتالي فإنها ستبذل قصارى جهدها لـ"ضمان الحفاظ على تفوقها العسكري" في المنطقة.
ويؤكد "الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري"، رياض قهوجي، أن إسرائيل لا تريد السماح لإيران بأن يكون لها موطئ قدم بقدرات مميزة في سوريا".
مسرح المعركة
وفي تصريح للباحث المتخصّص في الجغرافيا السورية، فابريس بالانش، لوكالة فرانس برس، يشرح فيه أن توجيه "ضربات ضد قواعد إيرانية ولحزب الله اللبناني في سوريا"، يؤكد "عدم رغبة إسرائيل في الرد داخل لبنان، خشية أي تصعيد قرب هذا الجانب من حدودها"، وبالتالي، حددت إسرائيل "مسرح المعركة" ولديها بنك أهداف متجدد حسب المعطيات والمؤشرات اللوجستية التي تصلها.
أسباب التصعيد
وفي تتبع التصريحات اﻹسرائيلية، وما تفرزه التقارير الصحفية العبرية، فإن "تل أبيب" تؤكد مرارا مواصلة التصدي لما تصفه بـ"محاولات إيران لترسيخ وجودها العسكري في سوريا".
ويدعم هذا الرأي ما صرح به، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في نيسان /أبريل الماضي، عندما قال "نحن نرغم الأنظمة التي تدعم الإرهاب خارج حدود إسرائيل على دفع ثمن باهظ".
سيناريوهات محتملة
وفي إطار الحديث عن تداعيات تلك الضربات اﻹسرائيلية فإن الكثير من المحللين، يرجحون أن سبب تكثيف تل أبيب لغاراتها على "مواقع لقوات النظام السوري وأهدافاً إيرانية وأخرى لحزب الله اللبناني بينها مستودعات أسلحة وذخائر في مناطق متفرقة"، مرتبط بسيناريوهات عدة، منها ما يرتبط بحسابات داخلية إسرائيلية، وأخرى بمواصلة سعي "تل أبيب"، لمنع إيران من ترسيخ وجودها العسكري في سوريا.
حيث تشهد إسرائيل منذ مطلع العام الجاري 2023 احتجاجات شعبية، ضد تعديلات قضائية، وصفت بأنها "مثيرة للجدل" طرحتها حكومة "نتنياهو"، غير أنها عادت وجمدتها تحت ضغط الشارع.
ورغم وجود صراع داخلي، في إسرائيل، إﻻ أن الخطوط الحمراء بقيت ثابتة، فالوجود اﻹيراني وزيادة نفوذه العسكري أمر مرفوض، من جميع اﻷطراف اﻹسرائيلية، وهو ما عبّر عنه نتنياهو في أحد تصريحاته قبل نحو 4 أشهر، وقال إن "الجدل الإسرائيلي الداخلي لن ينتقص ذرة من تصميمنا وقوتنا وقدرتنا على العمل ضد أعدائنا على جميع الجبهات، حيثما ومتى لزم الأمر".
وترى "مديرة برنامج أبحاث سوريا في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب"، كارميت فالنسي، أن إسرائيل "مصمّمة على حماية حدودها وأمنها وأمن سكانها حتى في ظل الأزمة الداخلية".
تداعيات التصعيد
لا يبدو في الوقت الراهن وجود تصعيد أقوى، بل ليس هناك احتمالية للقول بأن "طبول الحرب تقرع" بل إن احتمالية "اﻻشتباك المباشر" بين طهران وتل أبيب مستبعدة؛ بدﻻلة التصريحات اﻹيرانية التي ﻻ تخرج عن سياق أن طهران "تحتفظ بحق الرد... في الوقت والمكان المناسبين".
وتعتقد إيران أن لديها متسع من الوقت للمناورة وترسيخ وجودها ونفوذها العسكري في اﻷراضي السورية.
وعلى ذات النمط والسياسة التي انتهجها نظام اﻷسد طيلة العقود الخمسة الماضية تسير "طهران" في تلقي اللكمات والركلات المؤلمة، حيث يعتقد محللون أن النظام الإيراني، يناور للحيلولة دون تصعيد كبير خاصة إبان التغييرات اﻷخيرة في المنطقة، نتيجة تقاربها مع "الرياض" وانفتاح الأخيرة تجاه دمشق، ومن جهةٍ أخرى؛ فإن المشهد اﻻقتصادي وتردي اﻷوضاع الداخلية في إيران يرجح عدم رغبة اﻷخيرة باﻻنجرار إلى تصعيد عسكري.
بالمقابل؛ توجد نظرية أخرى، تعتقد أن إيران مصرّة على تعزيز نفوذها العسكري في سوريا، وعلى كافة المستويات، رغم التكلفة الكبيرة التي ستتحملها.
ويرى محللون أن المشهد العسكري سيبقى على جموده، وشكله الحالي، فتل أبيب ومن خلفها واشنطن، ستعمل على سياسة "تقليم أصابع النمر الورقي/إيران".
وعلى العكس هناك وجهة نظر أخرى ترى أن "طبول الحرب قرعت"، إذ إنه وفق ما كتبه المحلل والباحث السياسي، صالح الحموي، لموقع "كاندل للدراسات"؛ فإن تكلفة مواجهة إيران ستبقى أقل من تكلفة احتوائها، فهي استفادت من عدم الرد عليها بزيادة تخصيب اليورانيوم وزيادة مخزونها من الصواريخ الاستراتيجيّة، وزيادة قدرات حزب الله الصاروخيّة، ودعم الفصائل الفلسطينية لفتح جبهات عديدة على إسرائيل، وهذا جعل أمريكا وإسرائيل تعيدان حساباتهما، وتَشكُّلان قناعات داخل الإدارة الأمريكية ومنهم رئيس هيئة الأركان الأمريكية أنّه آن الأوان لمواجهة إيران وإعادة ردعها وفرض قواعد اشتباك جديدة عليها في المنطقة.
وخلال الأعوام الماضية، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية في سوريا أصابت مواقع لقوات النظام وأهدافا إيرانية وأخرى لميليشيا حزب الله اللبناني، بينها مستودعات أسلحة وذخائر، في مناطق عدة.
ونادرا ما تقر إسرائيل علنا بتنفيذ ضربات في سوريا، لكنها تكرر أنها ستواصل تصديها لما تصفها بمحاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في الأراضي السورية.