اﻻقتصاد السوري بين كابوس التضخم وحالة التشكيك.. أين الحل؟ - It's Over 9000!

اﻻقتصاد السوري بين كابوس التضخم وحالة التشكيك.. أين الحل؟

بلدي نيوز - (فراس عزالدين)

يتجه اﻻقتصاد السوري إلى مزيدٍ من اﻻنهيار، ويتراوح المشهد بين "التبرير" و"الإقرار بالحال"، و"تراشق اﻻتهامات" عبر المنابر اﻹعلامية الرسمية، بالتزامن مع محاوﻻت إنعاش حلفاء اﻷسد، وتحديدًا النظام اﻹيراني.

نفق مظلم

تصف "جريدة البعث" الرسمية، المشهد بأنه لا زال يغوص في "نفق مظلم"، متهمةً حكومة النظام، بأنها اتخذت منذ بداية العام الجاري، قراراتٍ خاطئة ومتسرعة، بعيدة عن الحلول.

ويبدو أن التحديات التي يواجهها اقتصاد النظام السوري، دفع بالمناداة بحلول جذرية، لكنها وبمتابعة الصحف المحلية الموالية، لم تخرج عن إطار الدعوات والمطالبات، التي تزامنت مع تدهور سعر صرف "الليرة السورية" التي يحاول المصرف المركزي "إدخالها غرفة اﻹنعاش"، مع نهاية كل عام، لتعاود تهاويها التدريجي في النصف اﻷخير من كل عام.

كابوس التضخم

تجمع الصحف المحلية وآراء الخبراء، على أنّ "التضخم الحاصل منذ أعوام والمستمر بوتيرة عالية إلى يومنا هذا"، مرده شلل الحركة الصناعية والتجارية، يرافقها فشل الحكومة بتبني سياسات اقتصادية صحيحة.

وتدلل مختلف اﻵراء على أن زيادات اﻷجور لم تفلح في التصدي، لما تصفه بـ"اﻻنهيار المعيشي الحاصل اليوم على مرأى من الجميع".

ويمكن للمتابع أن يكتشف وجود دعوات وتأكيدات حول "حالة وتوصيف التضخم"، بمقابل انعدام تقديم "رؤية علمية" تخرج اﻻقتصاد من "عنق زجاجة التضخم".

القرار 1070

الخبير الاقتصادي علي محمد، أشار إلى أن قرارات حكومة اﻷسد كان لها اليد برفع معدلات التضخم، ومنها القرار رقم 1070 الخاص بتمويل المستوردات الصادر عام 2021.

ويقضي القرار 1070 بتمويل المستوردين لمستورداتهم، عن طريق شركات الصرافة المختصّة.

واعتبر "محمد" في تصريحه لجريدة البعث الرسمية، أن القرار السابق سبّب، بحسب بعض الصناعيين، ضغطاً كبيراً على شركات الصرافة، حيث تمّ تخفيض الكميات المستوردة، وانخفض العرض في الأسواق، فارتفعت الأسعار.

تخفيض سعر الصرف رسميا

لعب تخفيض سعر صرف الليرة على المستوى الرسمي، دورا كبيرا في ارتفاع الأسعار، والذي ترافق مع ارتفاع الرسوم الجمركية، والتي ارتفعت بنسبة 20% منذ بداية العام 2022 وحتى نهايته، إضافة إلى النشرة الجديدة هذا العام، والتي رفعتها هي الأخرى بنسبة 33%.

وأعلن "مصرف سوريا المركزي" التابع للنظام، يوم الاثنين 2 كانون الثاني/ يناير الجاري، عن رفع سعر صرف الدولار للحوالات القادمة من الخارج، بالتزامن مع الانخفاض الحاصل في قيمة الليرة السورية.

ورفع "المركزي" سعر صرف الليرة السورية بالنسبة للحوالات الشخصية، الواردة من الخارج بالليرة السورية، من 3 آلاف إلى 4500 ل. س، مقابل كل 1 دولار أمريكي.

انهيار الليرة السورية

وتشير اﻷرقام واﻹحصائيات الرسمية، إلى أنّ الليرة السورية، شهدت انهيارًا بنسبة تجاوزت 23% على أساس شهري، وبنسبة قاربت 10% على أساس أسبوعي، لتحقق سعر 7150 ليرة أمام الدولار، وهو ما يقارب ضعف قيمة الدولار في الشهر نفسه من 2021، حين سجّل الدولار 3600 ليرة  تقريبا، وفق موقع "الليرة اليوم" المختص بالشأن اﻻقتصادي.

وكان "مصرف سوريا المركزي" رفع سعر الحوالات الخارجية في أيلول الماضي، من 2814 إلى 3015.

ورغم التحسن التدريجي مؤخرا في قيمة الليرة إﻻ أنّ اﻷسواق، بقيت على حالها، تعيش حالة من الركود، وهو ما تؤكده مواقع محلية في تقاريرها.

ويؤكد الـ"محمد"، أن التضخم وارتفاع الأسعار لم يقضم جزءاً كبيراً من القدرة الشرائية للنقود فحسب، بل أدّى إلى إعادة توزيع الدخل والثروة لمصلحة أصحاب الأصول الثابتة والعقارات والأغنياء والمضاربين والمحتكرين وتجار الحروب.

التمويل بالعجز

ﻻ يختلف المحللون اﻻقتصاديون الموالون، في أن حكومة النظام اتخذت سياسة "التمويل بالعجز"، معتبرين أنها أحد أسباب التضخم.

و"التمويل بالعجز"، يقوم على فكرة استدانة الحكومة من المصرف المركزي، في معالجتها التراجع الحادّ في الإيرادات، وارتفاع حجم الإنفاق الحكومي، وهو ما يراه خبراء اﻻقتصاد الخيار الأسهل والأسرع.

وارتفع إجمالي الدين العام في سوريا من حوالى 30% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010، إلى حوالى 208% في عام 2019، وفقا لأحدث تقديرات "المركز السوري لبحوث السياسات".

يشار إلى أن إقرار النظام للميزانية الجديدة عكس موجة من الإحباط بين الأوساط الاقتصادية والشعبية، باعتبار أن السلطات بلا خيارات ممكنة لتمويلها، في ظل الشلل المطبق على كافة أنشطة الحياة في البلاد.

وأقر رأس النظام بشار الأسد، قانون الميزانية العامة لعام 2023 بمبلغ إجمالي يعادل 5.4 مليار دولار، وفق سعر الصرف الرسمي، على وقع أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة بعد أكثر من عقد من الحرب، بعجز أعلى من الميزانية السابقة بنحو 19.64 في المئة، رغم تراجع وتيرة المعارك في البلاد.

التضخم بالأرقام

وبلغ التصخم في سوريا أرقامًا وصفها محللون بالقياسية، سجلت خلال اﻷعوام الماضية، بالتزامن مع غياب بيانات رسمية من المكتب المركزي للإحصاء، لأرقام حقيقية سوى رقم التضخم السنوي لجميع السلع في العام 2020، البالغ حينها 163.1% مقارنة مع العام 2019، حيث بلغ التضخم السنوي للفواكه مثلاً حينها 205.4%، ولـ اللبن والجبن والبيض 199.7%، والزيوت والدهون 198.0%، والبقول والخضار 140.5%، والخبز والحبوب 178%.

يذكر أن التضخم هو، ظاهرة نقدية بالنظر إلى أنه ينتجُ عن زيادة في كمية النقود تفوق زيادة الإنتاج.

أين الحل؟

يشكك الخبراء اﻻقتصاديون، بفرصة إيجاد حل على المدى المنظور، في ظل غياب الإنتاج، ويذهب محللون إلى أن ارتفاع معدل التضخم يولّد مستوى من عدم اليقين، وزيادة عدم اليقين تسبّب بانخفاض النشاط الاقتصادي الحالي وانخفاض الإنتاج مستقبلاً، والنتيجة النهائية انعكاس ذلك على أسعار السلع والخدمات في ظل محدودية الموارد الفردية، وتأثر أغلب السلع بغضّ النظر عن مرونتها السعرية.

أخطاء رسمية سابقة

في السياق، اعتبر نائب المدير العام لمؤسّسة رجال الأعمال العرب والسوريين، عامر ديب، في تصريح لجريدة "البعث" الرسمية، أن ما يحصل اليوم من ارتفاع للأسعار ليس وليد اليوم، بل هو تراكم لأخطاء سنوات، تتمحور جميعها حول عدم تنفيذ المرسوم رقم ثمانية كرؤية اقتصادية، وحصر تطبيقه من قبل وزارة التجارة الداخلية كأداة تهديد، وبالتالي فشلها في ضبط الأسعار ونسب التضخم.

تحرير اﻷسعار

يدندن المحللون اﻻقتصاديون وأصحاب رؤوس اﻷموال مؤخرا على ضرورة "تحرير اﻷسعار"، وهو ما تتجه إليه حكومة النظام، رغم اعتراضها علنًا على طرح الفكرة، وتكتفي باتخاذ خطوات تؤكد انتهاجها هذا الاتجاه، بدﻻلة تقييم سعر صرف الليرة السورية، بما يقارب السوق السوداء، واﻷمر مشابه بالنسبة ﻷسعار الذهب محليًا.

ويقترح البعض تحرير سعر الصرف، بذريعة الخروج من عنق زجاجة التضخم اليوم، ويعني تحرير سعر الصرف أي السماح بالتعامل بالدولار عن طريق الدفع الإلكتروني.

غرفة اﻹنعاش اﻹيرانية

بعد السرد السابق، تتطلع إيران حليفة اﻷسد، ﻹنعاش نظامه، من خلال التوغل في بواباتٍ مختلفة، وهو ما حدث خلال اﻷيام القليلة الماضية.

ووقع وفد اقتصادي إيراني، مع حكومة اﻷسد، عددًا من اﻻتفاقيات، للاستثمار في قطاعات مختلفة، منها قطاع الاتصالات المحمولة، وتم الاتفاق على مشروع افتتاح شركة هواتف نقالة إيرانية في سوريا، إضافة للتعاون في مجال تجميع وتوريد الموبايلات إلى سوريا، وفقاً لتقرير نشره موقع "أثر" الموالي".

واستمرت زيارة الوفد اﻹيراني أسبوعًا، توجت بتوقيع اتفاقٍ آخر مع وزارة الأشغال العامة والإسكان، ناقش المشاريع السكنية الاستثماري التي تعمل إيران على إنشائها في سوريا، وثالثٍ مع المصرف الزراعي السوري لتوريد الجرارات من المعامل الإيرانية، لتسليمها للمزارعين ودعم الزراعة السورية.

وأنهى الوفد زيارته بلقاء وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في مبنى الوزارة، يوم أول أمس اﻷربعاء، واتفق الجانبان على إحداث شركة سورية إيرانية مشتركة، ما بين المؤسسة السورية للتجارة والجانب الإيراني، تهدف إلى تطوير منافذ البيع ومعامل التصنيع، وخطوط الفرز والتوضيب ووحدات التبريد، في السورية للتجارة.

يشار إلى أن "صحيفة الثورة" الرسمية الموالية، كشفت في منتصف كانون الأول الماضي عن توقيع مذكرة تفاهم بين إيران وسوريا، لبناء 1500 وحدة سكنية في منطقة معرونة بناحية التل في ريف دمشق، و 1117 وحدة في منطقة طريق الجسور، كما تم توقيع مذكرة تفاهم مع محافظة دمشق لتشييد “حديقة إيران” على أوتستراد المزة بدمشق.

صدمة إنعاش

يحتاج نظام اﻷسد، إلى صدمة "إنعاش" اقتصادي واضحة، يبدو أنها لن تمر فقط عبر حلفائه، بل تحتاج أكثر إلى "انعطافة سياسية"، تؤكد المؤشرات والتقارير أنها تسير في هذا الخط، بشكلٍ تدريجي سواء بالنسبة للعلاقات مع المحيط العربي، أو الإقليمي، وفيما عدا ذلك فإن المشهد سيبقى على حاله، وهو ما يبرر الضغط الروسي على النظام للاتجاه إلى مرونة أكثر مع الجانب التركي.

مقالات ذات صلة

غارات إسرائيلية على القصير بريف حمص

"صحة النظام" تبدأ استجداء الدعم على حساب اللاجئين اللبنانيين

نظام الأسد يطلق النار على مدنيين حاولوا كسر حصار مخيم الركبان

"التايمز" تكشف أسباب سعي إيطاليا لإعادة العلاقات مع نظام الأسد

سوريا.. زيادة جديدة للغاز المنزلي تفرضها حكومة النظام

تركيا تواصل التودد لنظام الأسد وتنتقد العقوبات الغربية عليه