بلدي نيوز – (عبدالعزيز الخليفة)
شكلت معركة حلب الأخيرة، وما تخللها من السيطرة على أهم مراكز الأسد العسكرية في الشمال السوري، ضربة قوية غير مسبوقة لنظام الأسد، والتي وصلت لحد تسميتها من قبل الكثير من العسكريين والناشطين الميدانيين "أم المعارك" السورية لضخامتها وأهمية آثارها.
فعملية خرق الحصار المفروض على حلب -والذي حدث بطريقة تعتبر مختلفة جداً عن كل ما هو متعارف عليه في عمليات خرق الحصار- وإنشاء الثغرات في خطوط العدو تمثل أحد الدروس الاستراتيجية والتكتيكية، التي ستدرس في المدارس والأكاديميات العسكرية للعالم خلال العقود القادمة.
فمن المعتاد أن تنفذ القوة التي تريد خرق الحصار، وإحداث ثغرة سواء دائمة أو مؤقتة، عمليات الخرق والهجوم تجاه أضعف نقاط الطوق أو الخط الدفاعي الموجود، أو الالتفاف حوله في أذكى الخطط.
فمثلاً ثغرة الدفرسوار 1973، التي تعتبر مثالاً عن الخرق في نقاط الضعف، والالتفاف الألماني الشهير حول خط ماجينو الفرنسي 1940، يمثلان الحالات الكلاسيكية للاختراق في خطوط العدو.
مركز الثقل
لكن العملية التي نفذها جيش الفتح في حلب، استهدفت مركز الثقل العسكري للنظام في المدينة، الذي هو في نفس الوقت مركز الثقل البشري والناري، والذي يحتوي الترسانة الأكبر من الوسائط النارية والذخائر.
فبخسارة النظام لتجمع الكليات، يكون قد فقد أحد أهم مواقعه الحصينة التي كانت تعطيه قدرة نارية مميزة، حيث ينشر ما لا يقل عن 80 قطعة مدفعية متعددة الأنواع في كلية المدفعية وحدها، الأمر الذي جعلها ذات تأثير كبير على مجريات المعارك في دائرة قطرها 80 كم على الأقل مركزها الكلية، حيث كانت تصدر منها قرابة 400 قذيفة مدفعية يومياً (حسب تصريحات لعقيد منشق خدم في المدرسة)، ما يعني سيطرتها النارية على معظم ريف حلب، فمثلاً تصل رماياتها حتى مطار كويرس شرقاً ومارع شمالاً وسرمداً غرباً، وأطراف سراقب جنوباً، ولو توفرت راجمات سميرتش وأورغان، فستتضاعف هذه المسافات إلى قرابة 90 كم، ما يجعلها فعلياً قادرة على التسبب بالمجازر في ريف حلب وريف إدلب.
خسارة النظام لهذه القدرة النارية تعتبر مؤثرة جداً في معارك شمالي سوريا ككل، ومعارك حلب بشكل أساسي، ففعلياً لم يبق لدى النظام أي مركز مشابه لكلية المدفعية، سوى معامل الدفاع بالدرجة الأولى وكلية الهندسة العسكرية بالدرجة الثانية، والتي سيرتفع الضغط عليها وسيطلب منها إمداد النظام خلال معاركه بالقدرة النارية، بدل مدفعية تجمع الكليات، الأمر الذي سيصعب على النظام موضوع الدفاع عن باقي مناطق حلب، التي يبدو أنها الهدف التالي للثوار، مع انخفاض قدرته النارية، وضخامة الهجمات التي سيواجهها.
شرق وغرب
عملية كسر الحصار وتوسعة الخرق الذي حققه الثوار تعتبر عملية مهمة جداً، وصولاً لمرحلة إزالة الحصار، وخلق مساحة آمنة تمنع تكراره، الأمر الذي يجعلها المرحلة الأولى قبل متابعة العمليات العسكرية التي ستتجه غرباً بشكل أساسي باتجاه كلية الهندسة العسكرية "الأكاديمية العسكرية"، وشرقاً بشكل أقل بهدف توسيع الخرق، ومنع اغلاقه نارياً من وحدات النظام المنتشرة شرقه، حيث تعتبر محطة تصفية المياه، وقبلها معمل الاسمنت مناطق من المهم السيطرة عليها لضمان الممر، ومنع أي هجمات معاكسة للنظام من هذا القطاع.
زخم المعارك وسرعة تقدم الثوار، إضافة للكمية الهائلة من الذخائر والأسلحة والأعتدة، التي غنموها من تجمع الكليات يعني أن الثوار قادرون الآن على التقدم في حلب بكل أريحية، فلهم اليد العليا الآن، ما يجعلهم يحددون متى وأين يكون الهجوم، فالنظام يعجز حالياً عن تنفيذ عمليات خرق فعالة في باقي النقاط بهدف تشتيت الثوار، ما يجعله ينتقل للعمليات الدفاعية، وتركيز قواته في المناطق التي يهاجمها الثوار بهدف منع سقوطها.
حيث يمتلك الثوار الآن ميزة الهجوم من داخل حلب وخارجها بشكل متزامن، ففعلياً جميع الأحياء الغربية للمدينة تقع بين منطقتين يسيطر عليها الثوار، ما يزيد إمكانية الهجوم من محورين، وتشتيت دفاعات النظام وتسريع سقوط المناطق.
ما يجعل الأحياء الغربية لحلب وصولاً حتى الشيخ مقصود، مؤهلة جداً للسقوط السريع، بعد السيطرة على أكاديمية الهندسة العسكرية، فالنظام لا يمتلك نقاط أو مراكز قوة فعالية في هذه المنطقة، يستطيع التشبث بواسطتها، ما يجعل دخول الثوار إليها تحصيل حاصل، خصوصاً أن الثوار قدموا تطمينات مقبولة للمدنيين، وحتى لعسكريي النظام الذين يلقون أسلحتهم ويتوقفون عن القتال، بأنهم لن يتعرضوا لهم وسيسمحون لهم بالبقاء في المدينة، أو مغادرتها إلى مناطق النظام الأخرى.
ما يجعل سيطرة الثوار على كامل حلب مهمة ممكنة التحقيق، وهي الهدف الأساسي للعملية ككل حسب ما صرح به "أبو يوسف المهاجر" القيادي في حركة أحرار الشام لبلدي نيوز.
حلب الغربية
المناطق التي يسيطر عليها النظام في غربي حلب تمتد بين حي الشيخ مقصود، الذي تسيطر عليه الميليشيات الكردية المتحالفة مع النظام، والتي قدمت له الدعم والإسناد البشري والناري خلال معارك إغلاق طريق الكاستيلو، وصولا إلى ما يسمى مشروع 3000 شقة.
وضع قوات النظام في هذه المناطق لا تحسد عليه، فهي شبه محاصرة بين فكي كماشة من الثوار داخل المدينة والثوار خارجها، مع خسارتها لمركز ثقلها الناري المتمثل بتجمع الكليات، والذي كان يوفر التغطية النارية المدفعية والصاروخية لقوات النظام داخل مدينة حلب، والتي ألقيت الآن على عاتق الوحدات المتبقية في حلب، مثل الهندسة العسكرية ومدفعية الزهراء وغيرها من بطاريات المدفعية، والراجمات المتناثرة في حلب، والتي يتوجب عليها الآن العمل في اتجاهين، الاتجاه الأول تأمين التغطية النارية لقوات النظام في أحياء حلب التي تتعرض للهجوم، والاتجاه الأخر هو الدفاع عن نفسها ضد الهجمات التي تتعرض أو ستتعرض لها، مع بداية الهجوم على الأحياء المتبقية بيد النظام من حلب، التي ستتأثر بشكل هائل مع الانهيار المتوقع جداً لكلية الهندسة العسكرية، والبحوث العلمية ومدفعية الزهراء، والتي تعتبر أهم لمواقع العسكرية المتبقية للنظام غربي حلب، إضافة لفرع المخابرات الجوية، والذي تعتبر السيطرة على مدفعية الزهراء مفتاح السيطرة عليه.
أحجار الدومينو
بنى النظام طوقه العسكري حول جنوب وغرب حلب، بشكل مجموعة من النقاط والمواقع العسكرية والأمنية، شبه المتصلة جغرافياً والتي تؤمن الحماية المتبادلة والسيطرة على المناطق نارياً وجغرافيا، فكان المركز الأساسي لقوته في حلب، وعلى عكس توقعاته هو أول الأحجار التي سقطت في القوس الدفاعي هذا، ما يعني أن سقوط باقي القطع سيحدث بطريقة أسهل.
فمعركة تجمع الكليات لم تستغرق سوى عدة أيام من العمل المباشر، وعدة أسابيع من التحضير، ما يعني أن سقوط مناطق مثل الأفرع الأمنية في حلب لن يستغرق سوى عدة ساعات، إلى 48 ساعة بالحد الأقصى، بالأخص مع الانهيار الذي أصاب النظام وعناصره الذين وصلت معهم الأمور للهرب بدون أسلحتهم من تجمع الكليات والراموسة، ليعدم النظام بعضهم في محاولة لإجبار الآخرين على القتال.
حيث ظهر مقدار تخبط قوات النظام خلال فيديو مقتضب نشره مراسل روسي من أطراف الحمدانية، والذي ظهر فيه جنود النظام في حالة مزرية جداً قبل حتى سيطرة الثوار على كلية المدفعية.
معركة حلب انطلقت ولن تتوقف حتى يسيطر الثوار على كامل المدينة الاستراتيجية التي تعتبر مفتاح للسيطرة على الشمال السوري بشكل كامل، ثم الاندفاع نحو المنطقة الوسطى، حماة فحمص، وما يعني ذلك من قطع الارتباط بين دمشق التي يسيطر عليها النظام، والمنطقة الساحلية التي تعتبر مركز ثقله وخطته البديلة في حال خسر دمشق.