بلدي نيوز - (مصعب الأشقر)
احتفى العالم باليوم العالمي للصحة النفسية، حيث احتفلت منظمة الصحة العالمية بهذا اليوم للعام الحالي، تحت شعار "لنجعل الصحة النفسية والرفاهية أولوية شاملة للجميع".
ولعلّ الدول التي تشهد نزاعات وحروبا، تكون أكثر المتأثرين نفسياً، ويشمل التأثير طبقات المجتمع وفئاته، لا سيما الصحفيين الذين يتعرضون لصدمات متتالية، مرتبطة بعملهم المهني والمعيشي والإنساني، فكيف مرّ هذا اليوم على الصحفيين في سوريا، وكيف ينظرون لمفهوم الصحة النفسية في ظل عملهم الممتد منذ العام 2011 حتى اليوم؟
تجربة مريرة
يقول الإعلامي "هادي العبدالله"، إن أكثر الأشياء التي تؤثر على الصحة النفسية للصحفي هو الخوف على من يحب.
ويستذكر "العبدالله"، في حديثه لبلدي نيوز، تجربته الشخصية، كاشفا أنه قرر الانتحار بعد خسارته لزميله وصديقه الذي أمضى برفقته وقتا طويلا بعد استشهاده، إثر تعرضهمة لعملية اغتيال في حلب.
ويلفت "العبدالله" إلى أن الخوف على الأصدقاء والزملاء الذين تعرض معهم للحصار والقصف والتهديد، تصل لمرحلة ترتبط الأرواح ببعضها وأي شيء يحدث على طرف يؤثر على الأخر.
ويؤكد أنه في بداية عمله الصحفي كان الخوف على الأهل، وثم الخوف على الزملاء، قائلا إنه فقد أربعة زملاء صحفيين أعزاء، خلال مسيرته في تغطية تطورات الثورة السورية، مضيفا أن ذلك أثّر على صحته النفسية.
ونوه إلى أنه وصل في بعض الأحيان لقرار الانتحار، وقال "أما اليوم فإن أكثر ما يشكل هاجسا نفسيا لي هو القلق على عائلتي التي أخشى أذيتها، من قبل شخص ما كان نشاطي الإعلامي سببا، يدفعه للانتقام مني من خلالها".
قلق دائم
بدوره، يرى الصحفي "محمود أبو راس"، أن هناك عدّة أمور توثر على الصحة النفسية للصحفي، أهمها، وعلى رأسها، سلامة الصحفي وتحديداً في الحالة السورية يعيش الصحفي السورية حالة نفسية صعبة نتيجة التفكير الدائم بسلامته الجسدية، وهل من الممكن أن يتعرض للاعتقال أو الخطف أو القتل، أو أي عمل يؤثر على حياته في حال أنجز قصة صحفية، يكشف من خلاله انتهاكا أو فساد جهة ما.
أيضاً من النقاط الهامة، التي تؤثر على الصحة النفسية للصحفي، بحسب "أبو راس"، هو ضغط العمل المستمر ومتابعته لجميع التفاصيل والمتغيرات، التي تحدث في منطقته والجهد الكبير الذي يضعه لصياغة هذه المتغيرات والأحداث، ونقلها ونشرها بطريقة مضبوطة وصحيحة، وهنا لابد من الإشارة لعامل مهم وهو الصراع النفسي أيضاً الذي يعيشه الصحفي في التحقق، والتأكد من الأخبار والمعلومات التي يتناولها في بلد كسوريا الذي يشهد انتشار كم هائل من المعلومات الخاطئة.
وقال الصحفي "أبو راس"، إنه يمكن للمجتمع المحيط أن يؤثر على الصحة النفسية للصحفي، فهو ابن بيئته ومن أكثر فئات المجتمع اختلاطاً بالناس، أحياناً عدم تقبل المجتمع لأفكار الصحفي أو إنتاجه يشكل لديه صدمة نفسية تؤثر عليه بشكل كبير.
الهاجس المعيشي
وفي ذات الصدد، يشدد الصحفي "محمد هويش"، على أنه عندما كان الصحفي يغطي الاحداث الساخنة على الخطوط الأمامية، فإن أكثر ما يقلقه هو حياة أحبائه من أهل وأبناء نتيجة همجية النظام، وارتكابه للمجازر المتتالية على المدنيين، لافتا إلى أن تفكير الصحفي يبقى مشغولا بمصير أصدقائه وعائلته وهو بساحة العمل، أما اليوم فالهاجس المعيشي يمكن أن يعتبر من أولويات عوامل الضغط النفسي، خاصة بالنسبة للصحفيين الذين خسروا أعمالهم لسبب ما.
وأكد أن هذه الفئة من الصحفيين تضررت كثيرا بعدما خسرت عملها، ويبقى الصحفي يتساءل كيف سأستطيع تأمين الحياة لأطفالي ومتطلبات حياتهم الآنية والمستقبلية؟.
ضغوط ومخاطر
وفي سياق متصل، تقول الصحفية الخبيرة في الإعلام في مناطق النزاع ومدربة الصحافة المهنية "عبير السعدي"، إن الصحة النفسية للصحفيين من الموضوعات التي بدأت تلقى اهتماما اليوم، في حين أنها تعتبر من أهم الموضوعات، حيث تتأثر الصحة النفسية خاصة إذا كان الصحفي يعيش في بيئة محلية ويتعرض لمخاطر في تلك البيئة، وبالتالي يضعه ذلك تحت ضغط نفسي ومخاطر من جهة، ومن جهة أخرى وجود أسرته في البيئة المحلية، حيث تطال المخاطر الصحفي وأسرته، وربما تطال التهديدات المباشرة له أو لأسرته أو للمصادر والزملاء، وذلك يؤثر على حالته النفسية كونه تحت الضغط والتفكير دائما.
وتضيف "السعدي"، في حديث خاص لبلدي نيوز، أن الصحة النفسية التي تأتي بناء على عمل الصحفي في الإعلام بسبب القصص التي يتعامل معها، فالصحفي أو الصحفية يتعرض للضغط جراء القصص التي يعمل عليها، فالشخص المستهدف بالقصة ربما كان يتعرض لتهديد ومخاطر، وهذه المخاطر تطال الصحفي أيضا، سيما أنه أصبح تحت مسؤولية كما يعرضه لتوترات نفسية وربما يحمل الصحفي نفسه مسؤولية بوجوب إيجاد حلول للشخص المستهدف بقصته، وذلك كله يلعب دورا كبيرا في الصحة النفسية للصحفي.
وتلفت "السعدي" إلى الأوضاع التي يعاني منها الصحفي في مجال المهنة والمعيشة، فالسلامة للصحفي ليست فقط السلامة المهنية إنما السلامة الاجتماعية أيضا؛ منها قلة فرص العمل والحقوق الغائبة في سوق العمل، سواء أكانت الحقوق المادية أو المهنية، مضيفة "شهدنا تراجعا كبيرا لهذه الحقوق في المؤسسات الصحفية، إضافة لتراجع فرص العمل بالنسبة للصحفيين المحليين بشكل عام".
أما بالنسبة للصحفيات، تؤكد الصحفية الخبيرة في الإعلام في مناطق النزاع، أن "هناك ضغوط مجتمعية ومهنية لأن الصحفي/ة ابن أو بنت البيئة التي يعمل بها".
وتشير "السعدي" إلى أن قلة وعي أرباب العمل بالصحة النفسية للصحفيين، له دور سلبي على نفسية الصحفيين، فبتصور أرباب العمل أنه طالما أن الصحفي ينتج ويعمل، فإن وضعه يسير بشكل جيد، لكن ربما يعيش الصحفي حالة من حالات الإحباط التي تتطور للاكتئاب الحاد، والذي ممكن يتطور لأشكال أخرى ينتج عنها إفرازات مؤسفة، فتنتقل من السلامة النفسية الاجتماعية للسلامة الجسدية، وهذا شهدناه على صحفيين في مناطق مختلفة من العالم وصل بهم الحال لتدمير الذات.
وختمت "السعدي" حديثها متمنية أن تشهد كل الأيام المقبلة الحديث والاهتمام بالصحة النفسية للصحفيين وليس في اليوم العالمي للصحة النفسية فقط.